أقلام حرة

الكويت والبرلمان (البدون) / أحمد إبراهيم

لا أعتقد ذلك، لأنّ الكويت قاموسٌ مهما صغُر حجمه، كبُرت مفرداته بشمولية شاملة، جميلة ومتنوّعة، لبقة ولامعة، سلسة على الإعلام العربي وسبّاقة على التراث الخليجي.

 

وعلى الطُرق السريعة لأبجديات وهجائيات القطار الكويتي، تعرقلت عجلاته بحرف (الغين) بإصرار وتكرار، وبأضرار بليغة على الكويت وجيران الكويت، فلولا الغباء الغرور والغزو الغاشم (غ.غ.غ.غ)، لكانت الكويت اليوم صاورخا مضادا للصواريخ.!

 

وعاد (الغين) اليوم مُتقمّصا الى الكويت بلحية أبي لهب ومختفيا في بُرد الحجى للربيع العربي، فقد إعتلت شوارع الكويت يوم الخميس، ثلاثة أصوات: كويت الحكومة، كويت المعارضة، وكويت مجلس الأمة (البرلمان)، وصوت (الأنا) كان هو الأعلى: (أنا او الربيع العربي.!) .. فأين موقعك من الإعراب يا (البرلمان) بالمعنى، ويا (مجلس الأمة) بالمبنى..؟

 

قارئُ كلمتى (مجلس الأمة) يسمع فيهما صوت كلمتى (دولة الكويت) أينما قرأهما في الوطن العربي، وإن كانت الجزائر والأردن ودول عربية إسلامية أخرى تشارك الكويت في تسمية برلماناتها (مجلس الأمة)، وهى ذاتها قُبّة البرلمان في دولة ومجلس الشورى في أخرى، مجلس النواب في بلد والمجلس الوطني في آخر.. لكن الأمر عندما يتعلق بالكويت، يحتاج المرء الى قاموسين مختلفين يحملان كل منهما مفردات كويت قبل النفظ وكويت بعد النفط على حدة، ثم كويت قبل الغزو وكويت بعد الغزو، والأيام القادمة (لاسمح الله) كويت قبل حل البرلمان وكويت بعد حل البرلمان.!

 

هذا البرلمان الذي تم حلُّه في غضون ست سنوات خمس مرات ..! ترى ماذا يريد منها اليوم (مستر أنا) المترنّم بترنيمة (أنا او الربيع العربي.!)، وها هو قد شمّر عن ساعديه بلغة التهديد، إما (أنا) أو الكويت.! أنا رب الشارع والأغنام، وانا ألذي سيجلب الكويت إلى شوارع الربيع العربي! ..

 

ترى من هو صاحب الصوت هذا .. أهو ممن له حق يصنف الكويت في خانة جديدة (الكويت قبل الكويت أو الكويت بعد الكويت.!)، أم أنه لا وجود له في الكويت، وما نسمعه هواءٌ وإفترءات يتم التطبيل لها من الخارج أكثر من الداخل...؟

 

لا للأهواءات يالكويتي، انت الأول والأولى بحل الأزمة السياسية الخانقة التي تعيشها الكويت الشقيقة على مدى ثلاثة أشهر، إبتداءا من عودة مجلس 2009، وإبطال مجلس 2012، توسطتهما المحكمة الدستورية بالطعن في النظام الانتخابي والانتهاء بحل مجلس 2009 وصولا الى المشهد الكويتي الأخير.

 

نقول لمن يحلم بالربيع العربي في الكويت، ان الكويت لم تعش خريفا لتحلُم بالربيع، نريد الأمن في الكويت، نريد لها الثبات والإستقرار، لأنها لبنة كاملة متكاملة بالمنظومة الخليجية لدول مجلس التعاون، وقطعة مُكملة لسلسلة إن سقطت قطعة منها لأنشقت السلسلة الى شقين وشقوق، فليؤمن الكويتيين بالإجماع على ضرورة الإستفادة من كوارث الربيع العربي، ألم تعتبر من أقرب جارة لها (العراق)، وقد قارب بغداد ان يدخل موسوعة الجينيس للأرقام القياسية بالقتلى والجرحى والحرقى وهى عاصمة العواصم للربيع العربي كما يزعمون، فياليت قومي يفهمون..!

 

إن كانت الكويت قد أخطأت أخطاء، فجلّ من لا يخطأ أولا، ثم وأين من لا يخطأ ثانيا ؟ بل الخطأ هو ان نرسم لأوطاننا العامرة أحلام الربيع العربي المدمّر، إن أصبنا بكارثة، علينا ان نستفيد من تلك الكارثة ونأخذها عبرة، لا أن نضيّع نصف الوقت بالبكاء والعويل والنصف الآخر بالوعد والوعيد، ثم نطالب بالوقت الضائع للتصليح والإصلاح وقد فاتنا القطار.!

 

إصعدوا سطوح منازلكم بتلسكوب دقيق للإتجاهات الأربعة، سترون حرف (الغين) في اليوم الذي نال فيه الإتحاد الأوروبي جائزة نوبل للسلام على منجزاته الوحدي السلمي الإنتاجي بين الدول الأعضاء، وقد إتجه نحو القاهرة متقمّصا وبر جمال ميدان التحرير، ونجح (الغين) الدخيل العميل في صناعة جمعة الحرائق والعنف والاشتباكات كان حصادها في اليوم الأول 120جريحا في المستفشيات المصرية، لا أدري أهم قرابين حرف (الغين) أم قُدّموا للغين قربانا..!

فإن كانت محكمة البراءة لجميع أبطال موقع الجمل هو سبب عودة الغين للميدا، كان أولى بتلك المحكمة أن تّدين الجمال على الأقل، وسمحت للجماهير الغاضبة بنحرها على الطريقة الإسلامية، يصلون لربهم وهم ينحرون يُكبّرون ويشوون..!

 

والغين قد يتسلّل إلى الكويت أيضا إن لم يجد الوبر فبلحية أبي لهب وبُرد الربيع العربي.! .. فأين المرض، وماهو العلاج.؟

 

العلاج أعتقد بسيط جدا، وليس في زجاجات وبراميل ضخمة وبجرعات كبيرة كالماضي، الآن كل شي مصغّر بحجم فاصوليا وفول وعدس أو اصغر منها، تماما كالأرشيف الوطني بأطنان من الورق وآلاف الموظفين وعشرات الطوابق من المباني، قد تم تحويله الى مايكروفلم، ثم مايكروفيش، ثم الفلاش ميموري، بكيلو بايت، ميغابايت،  قيقا بايت ثم تيرابايت، كذلك إنفلونزا القلاقل في الشارع العربي علاجه ليس في دهاليز المؤتمرات بين العواصم، وإنما بالمرء وأصغريه: قلبه ولسانه يحكمهما أكبرهما عقله.

القلب ينبض بالوطن وله بقنوت السلام.

اللسان يترنّم للوطن فله بنشيد السلام.

والعقل فوقهما لإحلال غين (الغيرة) محل غين (الغباء).

وهنا السؤال بنفس التلسكوب نوجّهه إلى الكويت: (ألستم غيورون على الوطن يا المواطنون.؟)

والإجابة طبعا (نعم)، إذن الكويت بلا بدون إن شاء الله برلمانا وإنسانا.

وهنا الكويت.

*كاتب إماراتي

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2246 الثلاثاء 16 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم