أقلام حرة

من أجل عالم جديد يسوده الأمن والسلام والعيش الرغيد لسائر الشعوب / حامد الحمداني

معلناً أنه يرمي إلى تحقيق عالم تسوده الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، تسارعت الأحداث بعد تلك الحرب، فقد وقع الزلزال الذي أدى إلى انهيار المعسكر الاشتراكي، ومن بعده الاتحاد السوفيتي، وأصبحت الولايات المتحدة سيدة العالم والقوة الأعظم فيه دون منازع.

 

وبدأت تتكشف معالم العالم الجديد الذي بشر به الرئيس بوش الأب، فإذا به عالماً يقوده القطب الأوحد، الولايات المتحدة، متجاوزة فيه جميع المؤسسات الدولية التي قامت على أثر انتهاء الحرب العالمية الثانية عام  بدءاً من هيئة الأمم المتحدة، ومجلس الأمن، وما انبثق عنهما من قوانين دوليه تنظم المجتمع الإنساني والعلاقات الدولية، وسبل حل النزاعات الدولية بالوسائل السلمية، والعمل على إنقاذ البشرية من الحروب التي جرّت على العالم الويلات الجسام، كما جاء في نص ديباجة ميثاق الأمم المتحدة.

وحيث أن ميثاق الأمم المتحدة قد جرى وضعه من قبل الدول المنتصرة في الحرب العالمية الثانية، الولايات المتحدة والإتحاد السوفيتي وبريطانيا وفرنسا، وقد أضيفت لها الصين التي كان يحكمها [شان كايشك] الموالي للولايات المتحدة، وأوجدت لنفسها امتيازاً داخل مجلس الأمن دعي [حق النقض] لأي قرار لا توافق عليه حكومة أي من هذه الدول، وكان منح هذا الإمتياز أول نقض للديمقراطية، وقد استغلته تلك الدول، وفي المقدمة منها الولايات المتحدة في كثير من المواقف لإبطال كل قرار لمجلس الأمن لا توافق عليها.  وخلال الحقبة التي كان فيها الإتحاد السوفيتي قائماً، كان الصراع على أشده بين الدولتين العظميين حيث يتبع كل منهما نظاماً اقتصادياً واجتماعياً وسياسياً يختلف عن الآخر، فكان كل منهما يقف بالمرصاد لأي قرار يسنده الطرف الآخر في ظل الصراع القائم بين الغرب الرأسمالي والمعسكر الاشتراكي.                                     .

وبعد انهيار الإتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي، أصحبت الولايات المتحدة سيدة العالم دون منازع فقد تكشفت ديمقراطيتها ودعواها بالحرية وما كانت تسميه بـ [العالم الحر] فإذا هي تضع خلف ظهرها ميثاق الأمم المتحدة والقانون الدولي، وتبيح لنفسها الحرية المطلقة في التصرف بشؤون العالم، وتمارس ضغوطاً هائلة على أعضاء مجلس الأمن للمصادقة على القرارات التي تريدها، حيث بدا مجلس الأمن وكأنه [مجلس الأمن الأمريكي]، وأخذت تمارس دور الشرطي العالمي، وتصنف دول العالم على هواها، وتساند وتدعم من تشاء، وتشن الحرب على من تشاء، حتى بدا العالم وكأنه مزرعة أمريكية.                        .

 

إن ما حدث ويحدث في فلسطين من جرائم بحق الشعب الفلسطيني على يد الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة على السلطة يندى لها جبين الإنسانية حيث يناضل الشعب الفلسطيني من أجل تحرره من  الاحتلال الإسرائيلي، وهو آخر احتلال في عالم اليوم، حيث نجد الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل، وتدعمها في مجلس الأمن، وتحول دون صدور أي قرار يدينها ويدين جرائمها بحق الشعب الفلسطيني، وتمدها بآخر ما توصلت التكنولوجيا الحربية الأمريكية لتستخدمه ضد شعب أعزل لا يملك سوى بعض الأسلحة الخفيفة التي لا يمكن أن تقارن بجبروت القوات الإسرائيلية التي جعلتها الولايات المتحدة تتجاوز كل الدول العربية مجتمعة، ولم تستثنِ من ذلك السلاح النووي، حيث تملك إسرائيل اليوم أكثر من 200 رأس نووي لكي تبقى سيفاً مسلطاً على رقاب العرب.                    .

 

ورغم أن هيئة الأمم المتحدة قد قدمت العديد من الإنجازات التي تهدف إلى تنظيم المجتمع الإنساني على أسس من الحرية والعدالة الاجتماعية وكان أبرز تلك الإنجازات [الإعلان العالمي لحقوق الإنسان]، لكن معظم تلك الإنجازات بقيت حبراً على الورق، ولم تلتزم بها الدول، واستمر انتهاك حقوق الإنسان السياسية والاجتماعية، وحقه في الحياة الحرة الكريمة، ولاشك أن ما تنشره المنظمة العالمية لحقوق الإنسان كل عام عن تلك الانتهاكات لهو الدليل القاطع على تجاوز معظم الدول لنصوص الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، على الرغم من توقيع هذه الدول عليه، وتعهدها بالالتزام بتطبيقه، فما تزال العديد من الدول تمارس السجن والتعذيب والإعدام بحق مواطنيها دون سند قانوني، وخاصة بحق السياسيين المعارضين للأنظمة الدكتاتورية.                      .

 

ولو شاءت الولايات المتحدة أن تقف إلى جانب الشعوب المنتهكة حريتها، ولاسيما وهي اليوم القوة العظمى الوحيدة في عالمنا، لكانت كل تلك القرارات التي صدرت عن هيئة الأمم المتحدة قد رأت النور.

لكن ما نراه اليوم هو أن الولايات المتحدة تقف إلى جانب أعتا الأنظمة المعادية للديمقراطية وحقوق الإنسان، وترفض حتى المصادقة على المحكمة الدولية التي أقرتها الأمم المتحدة لمحاكمة مجرمي الحرب، مشترطة إعفاء جيشها من شموله لصلاحيات هذه المحكمة، وهي بذلك تقر وتعترف بأن جيشها قد اقترف الكثير من تلك الجرائم، وأنها تخشى من أن يطال جنودها العقاب.                                       .

إن كل ما قيل ويقال عن العالم الجديد الذي بشر به بوش الأب ومن بعده بوش الابن الرئيس لا يعدو أن يكون عودة إلى ذلك العصر الاستعماري البشع، والذي دفعت الشعوب ثمناً غالياً من دماء أبنائها ومن ثرواتها، من أجل التحرر والانعتاق من ربقة الاستعمار الذي قاست منه عقوداً عديدة.

إننا إذا شئنا أن نحقق عالماً جديداً حقاً، عالماً يسوده القانون، وتحترم فيه حقوق الإنسان وحريته وحقه في الحياة الحرة الكريمة، عالماً تحترم فيه الشعوب بعضها بعضاً، عالماً تسوده المحبة بين بني البشر، بصرف النظر عن الدين والقومية والجنس، عالماً يعم به الرخاء لسائر البشرية، عالماً تنعدم فيه الحروب والصراعات بكل أشكالها وألوانها، فإن ذلك يتطلب أعادة النظر الجذرية في ميثاق الأمم المتحدة الذي مضى على إقراره 67 عاماً، وكذلك القانون الدولي بما يتلائم وعصرنا هذا، وهذا يتطلب من المجتمع الدولي تحقيق الإجراءات التالية:

1ـ إلغاء حق النقض، حيث يتعارض هذا الحق مع الديمقراطية الحقيقية، فليس من المعقول أن يوافق 14 عضواً على قرار ما، ويستخدم أحد أعضاء الدول الخمس الكبرى لحق النقض لمنع إصداره كما جرى مراراً عند بحث القضية الفلسطينية، والعدوان الوحشي الإسرائيلي على شعب فلسطين، وكما يجري اليوم عند بحث القمع الفاشي لثورة الشعب السوري على نظام الجلاد بشار الأسد وحزبه الفاشي الذي سطا على السلطة بانقلاب عسكري منذ 8 آذار 1963 وحتى يومنا هذا، مستخدماً كل وسائل القمع لإسكات  المعارضة التي تطالب بالحرية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية                                                                      2ـ إخضاع مجلس الأمن لهيئة الأمم المتحدة، لأنها هي  الأساس في هذه المنظمة الدولية، وينبغي أن تكون لقراراتها قوة القانون، لا كما هي اليوم تصدر القرارات من دون أن تنفذ، فقد أخذ مجلس الأمن المنبثق عن الهيئة كل الصلاحيات، وعلى هذا الأساس يكون مجلس الأمن مسؤولاً أمام هيئة الأمم المتحدة، وينفذ قراراتها، وينبغي أن يُنتخب أعضاء مجلس الأمن من قبل هيئة الأمم المتحدة، ولا بأس أن تكون الدول الكبرى أعضاء دائميين في الوقت الحاضر، ولكن من دون أية امتيازات.

 

3ـ توسيع العضوية الدائمة لمجلس الأمن ليضم العديد من الدول الكبرى كالهند واليابان والمانيا والبرازيل ومصر كممثلة للعالم العربي، وزيادة عدد أعضاء المجلس غير الدائميين لكي يصبح المجموع 30 عضواً.

 

4ـ ينبغي أن ينص ميثاق الأمم المتحدة على وجوب التزام كافة الدول المنضوية تحت راية الأمم المتحدة بالإعلان العالمي لحقوق الإنسان نصاً وروحاً، والذي يجب أن يتحول إلى قانون، ويمثل جزءً من القانون الدولي، وأن تجري الانتخابات في سائر الدول الأعضاء تحت إشراف الأمم المتحدة.                                               .

 

5ـ ينبغي وقف عضوية أي دولة في المنظمة الدولية لا تلتزم ببنود الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، ومقاطعتها لحين تحقيق الالتزام الحقيقي والصادق به، وتتخذ الإجراءات اللازمة بحق الحكومات لإجبارها على التقيد بالقانون الدولي بكامل نصوصه.                 .

6ـ ينبغي العمل على ردم الهوة العميقة بين عالم الشمال وعالم الجنوب الذي يلفه الفقر، و تحويل جزء من مئات المليارات التي تنفقها الدول الغنية في هذا المجال تحقيقاً للعدالة الاجتماعية التي بشر بها ميثاق المنظمة، من أجل مكافحة موجة الإرهاب الدولي المستشري في عالمنا اليوم.

إن مكافحة الإرهاب عن طريق القوة وحدها لا يمكن أن يحقق النجاح ما لم يتم مكافحة الفقر الذي يُعتبر المرتع الأول لتفريخ قوى الإرهاب.

كما أن إحساس الشعوب المستضعفة بفقدانها لحقوقها الوطنية والإنسانية يمثل عاملاً آخر لا يقل أهمية وإلحاحاً لتجفيف مصادر الإرهاب، فالشعوب جميعاً تواقة لحريتها، وحقها في الحياة الآمنة والمستقرة والكريمة.

ويحضرني هنا العالم الاقتصادي الأمريكي [فكتور بيرلو] مؤلف كتاب [اقتصاد السلم والحرب] الصادر عام 1952، فقد أحصى المؤلف في كتابه كلفة الحرب العالمية الثانية، وما أنفقته الدول المشاركة في تلك الحرب، وخرج بالنتيجة التالية حيث يقول: [لو صرفت الأموال التي تم صرفها في تلك الحرب لخير وسعادة البشرية، وقُسّم سكان كوكبنا إلى عوائل وتتألف كل منها من خمسة أشخاص لنالت كل عائلة فيلة أنيقة وسيارة]!!

فأين نحن اليوم من تكاليف التسلح والحروب التي تتجاوز الأرقام الفلكية، الخيالية في حين تعيش مئات الملايين من بني البشر تحت خط الفقر؟ إلا يكفي ما يتعرض اليوم مئات الملايين من البشر إلى الموت جوعاً؟

ألم يحن الوقت لتحقيق عدالة اجتماعية حقيقية بين بني البشر؟

 هذا هو المدخل الحقيقي لإجراء أصلاح حقيقي للمنظمة الدولية إذا شئنا بناء عالم جديد تسوده الحرية والعدالة الاجتماعية بكل تفاصيلها. وينال احترام الشعوب قاطبة، وينتهي العداء، وتختفي الكراهية، وتسود المحبة، ويعم السلام بين بني البشر في شتى بقاع الأرض، ويعم الرخاء، ويتحقق العيش الرغيد، وتنتفي الحروب وويلاتها وتوجه تكاليفها الباهضة لخير وسعادة البشرية، و عند ذلك يختفي الإرهاب والإرهابيون في عالمنا مرة وإلى الأبد.

 

في المثقف اليوم