أقلام حرة

حجّي چليّب في التعليم العالي / صبيحة عبد الله

واليوم ولأني أحس بمرارة الاهانة ارجو التفضل بنشر معاناة من نوع آخر....

راجعت دائرة البعثات والدراسات الخارجية في بغداد وقيل لي انه علي الشروع بفتح ملف في قاعة المسرح وهي قاعة تابعة للمبنى المذكور فدخلت وشاهدت ثلاث موظفين جالسين في آخر القاعة ويتشاركون طاولتين متجاورتين. سألت الأول والذي تبين أن اسمه "أبو ابراهيم" عن المطلوب فاحالني باسلوبه المتجاهل الى زميل له اسمه سامر وهو شاب انفعالي غير مؤدب وعصبي وعنيف والذي بدوره احالني الى رجل كبير في السن قيل ان اسمه الدكتور شاكر وقيل الدكتور عبد الله ولم اتاكد من اسمه بعد. صرخ هذا "الدكتور" بنا ان اجلسوا ولا تتكلموا حتى انادي باسمائكم" وكأننا اطفال أمامه.

الدكتور هذا كان قد اخبر ثلاث عوائل من التي اعرفها بأنه لا يمكن نقل ملف اولادهم من الجامعات السورية الى العراق الا في حال احضروا جميع الاوراق المصدقة وقد ادى هذا الجواب الى تحمل المجازفة وعودة آباء اثنين من هذه العوائل الى سوريا برفقة الابن او الابنة الطلاب من اجل استكمال الاوراق وجعل الطالب الثالث يفكر بالعمل كسائق اجرة في كربلاء بدلا من الدراسة لاستحالة العودة الى المناطق العسكرية في سوريا.

و هنا لابد من الاشارة الى ان قرار الوزير فيما يخص الطلاب العائدين من سوريا ينص على تقديم تعهد باستكمال الاوراق في مرحلة لاحقة لكي يلتحق الطلاب بكلياتهم وهو القرار الذي لا يريد الموظفين تطبيقه لاسباب.

بعد نقاشات غير مهذبة ولا تتناسب مع دائرة بهذا الحجم والمكانة العلمية صرخ "الدكتور" بأحد المراجعين وهو من شيوخ العشائر: آني عمري 66 سنة وانت مو من حقك تناقشني...

و رد المواطن: آني عمري 52 سنة ومو طفل علمود ترفع صوتك عليّ...كوم اوكف وحاجيني وعند هذا الرد سكت "الدكتور" وقام بعمله.

تقدم شاب آخر لنفس "الدكتور" وسأله عن أمره فقال له: آني عمري 66 سنة وانت لازم تجيب الچروخ الاربعة!

فقال الطالب: الچروخ شنو؟ شتقصد بالچروخ؟

الدكتور: چروخ يعني التايرات....معاملتك ما تمشي بلا تايرات....

الطالب: اعذرني ما فهمت قصدك ممكن توضح اكثر....

الدكتور: اقصد المستمسكات الاربعة .. بس حبيت اضحك عليك شوي ... لأني ضايج

و هو الرد الذي سمعه كل من كان في القاعة وهو يصدر من موظف يوصف بالدكتور في دائرة تابعة للتعليم العالي وليس مركز شرطة أو معتقل، كلام يصدر من مَن عُيّن ليسهل أمر الناس.

كنت أنظر الى تلك الدمعة في طرف عين الطالب الذي لم يتمكن من رد هذه السلطة...هذا الطغيان....هذا الظلم...صار دوري وانا اقسمت مع نفسي في حال وجه لي هذا الدكتور اهانة ان انشرها ليطلع العالم ورئيس الوزراء الذي يطالب بعودة الكفاءات (خلال كلمته امام الطلاب العراقيين في موسكو)ليطلع على سبب هجرة الكفاءات من العراق.

شرحت له حالتي وقد اعطاني ورقة لملئها وارفاق "التايرات" بها واعادتها اليه ففعلت كما طلب مني تماماً وعندما اردت تسليمه المعاملة سألني مرة اخرى عن سبب النقل وكأنه يسمعها أول مرة....فشرحت القصة من بدايتها ثم قال: هاي منو انطاج الورقة ...هاي ما تصير وهذا كله غلط....

تذكرتك المثل القائل (اذا شغلتك يم الچلب، صيحله حجّي چليّب) فقلت: دكتور ما ادري شكول...حضرتك أمرتني املي الورقة وهذا القانون هيچي يكول....و انت بحكم خبرتك مال 66 سنة تعرف احسن مني!

الدكتور: ها...آني ...قانون...هاي المعاملة ما بيها اوراق كافيه...لازم تجيبين باقي المستمسكات اول وبعدين اسجلچ...

فاجبت: دكتور هذا تعهد مصدق من الوزارة وبامر الوزير بهذا الخصوص وهو مرفق بالملف مثل ما تشوف...( وخلال هذا الحوار القصير جالت في ذاكرتي صور الخراب والحرب والقتل والتهجير سوريا التي كان علي أن اعود اليها بسبب هذا الرفض..وكذكل تذكرت اخلاق موظفي السفارة العراقية في دمشق.... والنتيجة اني قد خسرت مستقبلي....و لا يمكن الاستمرار بالدراسة هنا...وهنا قطع صوت الدكتور سلسلة افكاري)

قال: تعهد؟...منو قال تقدمين تعهد....بس يلله مو مشكلة راح امشيها...

و استلم الاوراق مني واستمريت بباقي الاجراءات المهلكة في مختلف الاقسام وقاد شاهدت اسوء انواع الاخلاق....والعذاب...خاصة في وزارة التعليم العالي نفسها....اذ عندما طلبت من الموظف غير المهذب ان يستخدم اسلوباً افضل من هذا...استخف بي واستهزء بي انا الأم والطالبة وامام الناس...لكن ما باليد حيلة...وعندما قام احد الرجال بالدفاع عني والتحدث الى الموظف....واجههة الموظف بالقول: اذا ما عاجبك شي...روح اكتب شكوى وخليها بهذاك صندوق الشكاوى والمقترحات....و لا كلمة..تره اطلعك بره...

دوائر ثقافية بعضها افسد من بعض....عدنا الى وطننا لنرى السلوكيات البعثية في داخل كل موظف...فما ذنب مَن عاد الى سوريا بسبب مزاج موظف لم يرغب في تلك اللحظة استلام اوراق الطالب...ومن يتحمل ذنب تحطيم مستقبل الشاب الذي يعمل كسائق اجرة؟ وفي حال حدث مكروه لمن عاد الى سوريا بسبب هذا"المسؤول" من يتحمل المسؤولية امام الله يوم القيامة؟ أهو الكتور أم من وافق على بقاءه في هذا المنصب؟

و من يوقف هؤلاء الموظفين عند حدهم خاصة انهم يعلمون ان الشكاوي لا تفيد!!! ولانهم يعرفون ان صندوق الشكاوى وضع لجمع الاوراق واسكات الناس بشكل مؤقت....

مكتب الوزير في قاعة الاستقبال عند مدخل وزارة التعليم العالي لا يرد حتى السلام فكيف نتوقع منه التجاوب مع مشاكل الناس....وهو(المكتب) لا يحترم المواطن ولا يتعاون مع الناس...

الدوائر التابعة للوزارة لا تعلم شيئا عن القوانين وهناك لاترابط واضح بين تلك الدوائر فالكل لا يعلم أي شيء وعند الضرورة الكل "بروفسور" وعند حدوث خطأ فالكل بريء.

الخلافات الحادة بين الموظفين والتكتلات الفئوية الضيقة يدفع ثمنها ابو علي وابو عمر على حد سواء فما يريده ابو علي يتطابق مع مطلب ابو عمر وهما يريدان تسجيل ابنائهما في الجامعات العراقية من أجل ضمان مستقبلهم ليس إلا.

الموظفون لا يحسنون التعامل مع الحاسبة ومع يعمل على الحاسبة غير كفوء فهو أو هي بطيء بالتعمال مع الحاسبة بالمقارنة باعداد المراجعين....

فيما يخص "الدكتور" اذا كانت هذه اخلاقه وعمره تجاوز سن التقاعد، لماذا لا تحيله الوزارة الى الجلوس مع احفاده ليستمعتوا باخلاق جدهم بمعزل عن الناس في أي محمية في أفريقيا؟

و لماذا لا تخصص الوزارة وقتا لتعليم الموظفين اسس التعامل مع من عاد من الخارج قسرا او طوعا ليخدم الوطن؟ آخذين بعين الاعتبار ان مَن خرج قد التقى بالعالم المتحضر حتى في ريف كيسمايو وعند قبائل البقارة في السودان الجنوبي والزولو وآكلي لحوم البشر، وأنه يرفض هذا الاذلال الممنهج والهادف لطرد الكفاءات العراقية!!

و لماذا يعتقد الموظف والمدير والوزير والرئيس وغيره أن العراق بعيد عن الربيع العربي أو الثورة، في الوقت الذي نجد أن مسبباته متوفرة فالفجوة بين المواطن والدولة تكبر كل يوم بسبب تصرفات "فردية واسعة الانتشار" تسيء الى الدائرة والوزير وبالوطن في النهاية.

هل يعلم السيد الوزير أن الكلمات التالية هي المستخدمة بكثرة في كل اروقة وزارته:

ما ادري، ما اعرف، شسويلك، انت دا تتملعب، اطلع بره، اني مو فارغلك، ما عندي وكت، تعال فد اسبوع، الموظف مو موجود، الموظف دا ياكل، الموظف بالاجتماع، الموظف ما جاي، الموظف دا يتابع ملفات جايه من الوزير، هذا استثناء، هذا مو شغلي، لا تناقشني، ما تشوفني مشغول....الخ

ختاماً، إذا كان السيد نوري المالكي الذي وعدنا بعودة (معززين مكرمين فيها) يطالب طلابنا في الخارج بالعودة لبناء هذا الوطن، اليس من الافضل له اولا الحفاظ على من تبقى من قدرات العراق العلمية في الداخل قبل أن يهربوا من جحيم العراق وقوانينه؟!

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2246 الثلاثاء 16 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم