أقلام حرة

سمات الشخصية الكوردية .. سوريا انموذجا / هيفي قجو

وتوازي أي شخصية سياسية وثقافية أخرى خارج المنطقة رغم معيقات التطور الطبيعي لها، وقد تكون أكثر وعياً وثقافةً، لأنها ساهمت وبمبادرة ذاتية في تثقيف نفسها، وواكبت مستجدات الفكر والحضارة، لذا فهي شخصية قوية (في داخلها) لكن لماذا لا تمارس دورها في الواقع؟ الشخصية الكوردية و بغض النظرعن مراتبها أو خبراتها أو فئاتها (السياسية والثقافية) أو عملها (ككاتب أو رجل أعمال، وفنان) وسواء كانت مستقلة أو منضوية تحت راية حزب سياسي تفتقد إلى الثقة بالنفس. و لعدم الثقة بالنفس أسبابه منها :

شعور الشخصية الكوردية في سوريا بالنقص والدونية أمام الآخر، ومعاناتها من مبادرة القيادة والإبداع. كونها تعاني من عقدة (الخواجة) متأثرة بتلك الهالة التي رسمتها حول الآخر بوصفه أعلى مرتبة منها.

التأثر بالفكر العشائري مازال سائداً، فترى الشخصية هنا أنها سليلة أصول عشائرية راقية وأصيلة، تُكسبُها القوة والمصداقية، ولا تحتاج إلى الخروج من خيمتها القوية.

سياسة الأنظمة المستبدة الحاكمة ساهمت بشكل كبير في تقزيم الشخصية الكوردية، وفي استلاب الصفات الإيجابية مع المراحل الزمنية، وسلبت منها القوة، وذلك من خلال إثارة المشاكل ولعبة المصالح، ووضع العراقيل أمام تطورها الطبيعي، فتاهت في الأزمات المعيشية والحياتية، ونسيت دورها في صنع التاريخ. إضافة إلى ذلك غرقت قوارب مساراتها في مشاحنات وصراعات أدت إلى ضعف شأنها واهتمامها بالشأن العام، وسهّلت مهمة القوى المسيطرة عليها.

ثم من خلال قراءتنا للتاريخ يتبين لنا أن الشخصية السياسية الكوردية في سوريا تحتمي بمظلة غيرها، لذلك نرى أنّ ساسة الكورد (أفراداً،وتياراتٍ،

وأحزاباً) لايخرجون من معاطف غيرهم، ويربطون مصير الشعب الكوردي بزعاماتٍ كوردية من خارج حدود سوريا. هنا يحقّ للمرء القول بأنّ الشخصية الكوردية لاتمتلك مشروعاً ولا تحاول إيجاد مثل هذا المشروع مما يترك فراغاً في الرؤى السياسية، يستغله الآخرون لتنفيذ أجندات خاصة في الساحة الكوردية السورية لا تخدم الكورد، ولا نستبعد أن تنزلق الشخصية الكوردية لتنفيذ تلك الأجندات من حيث لا يدري، إن لم نقل بشكل مقصود، وربما تتحول إلى وقود لعتادهم ومعاركهم. كما يحق لنا أنْ نجزم أن غياب الاتحاد الكوردي حال دون ولادة مشروعهم السياسي المتكامل.

و قد تسلقت قيادات كوردية عديدة إلى الصف الأول في أحزابها رغم عدم توفر المؤهلات والطاقات اللازمة لها لقيادة هذه الأحزاب، وقيادات أخرى صعدت نتيجة التكتلات والانشقاقات في جسم الأحزاب المترهلة ثم تشبَّثت بالكرسي تاركة الحبل على غاربه خوفاً على مصالحها وفقدان ذلك الكرسي (الذهبي) هذا ما يجعلنا أن نصف الكثير من هذه القيادات بـ(المترهّلة والمستهلكة) بل وعقبة في طريق ارتقاء الجيل الجديد. وهنا يترتب علينا أن نذكر أن هذه القيادات لا تمتلك الجرأة في تقبل الآخر مما يجعل الاختلاف والانتقاد البناء، كأداتين في تطوير الفكر والسياسة، غائبين.

ويمكن إضافة سمة أخرى، وهي أن هذه القيادات غارقة في النرجسية المرضية التي ترجع جذورها إلى الأنانية وضعف الأفق وقصور في الرؤية والوعي وسطحية في التفكير، وبرزت هذه النرجسية كثيراً في حالات تشرذم الحركة الكوردية السياسية وكانت سبباً في عجزها على الاتفاق فيما بينها، وعلى صياغة مشروعٍ استراتيجي للسياسة الكوردية.

إضافة إلى كل ذلك ثمة أمر آخر ذات أهمية وهو غياب الشخصية الكاريزمية في الحركة الكردية التي يمكن أن تستقطب الطاقات الكردية، وتكون قوية وحازمة في اتخاذ القرارات، وتنفيذها على أرض الواقع.

ولا يعني أنه لا وجود لشخصية سياسية أو ثقافية مؤهلة لاحتلال المركز الكاريزمي في الحالة الكردية، لكن القيادات الكوردية تحول دون بروز هذه الشخصية خوفاً على مصالحها وكرسيها كما ذكرنا.

وقد يكون غياب مثل هذه الشخصية ناتجاً عن عدم ثقتها بنفسها، وعدم وجود المناخ الملائم لها، والدعم اللازم لنموها واكتمالها. على الرغم من انتشار الوعي الجمعي على الصعيدين السياسي والثقافي،وهذا مؤشر آخر على ضعف الشخصية الكوردية.

مما ورد نلاحظ أن الشخصية الكردية تمتلك المؤهلات والطاقات ما تجعلها قادرة على التفوق، وأخذ زمام المبادرة كي تلعب دورا محورياً في عملية التطور السياسي والثقافي، ويبقى السؤال المحيّر:

لماذا لا تبرز مثل هذه الشخصية رغم كل الطاقات؟ هل هناك عوامل أخرى تحول دون بروزها ؟ وتبقى الإجابة غامضة لي وربما للقارئ أيضاً.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2249 الجمعة 19 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم