أقلام حرة

"الحلول" سهلةٌ في العراق / امين يونس

.. بمساحة 200 متر مُرَبَع .. وقبل أيام حين تهيأتْ له الظروف للشروع في البناء .. إصطحبَ " مَسّاحاً " لكي يُحّدِد له الأرض .. فإكتشفَ المساح، ان الدار المَبنِية المُلاصقة للقطعة، مُتجاوزة على أرض صاحبنا ( 60 ) سم، وإذا عرفنا ان عرض القطعة هو عشرة أمتار فقط، فأن الستين سنتمتر، ستؤثر كثيراً ! .. وعندما سؤلَ صاحب الدار عن هذا التجاوز .. قالَ ببساطة : انه يعرف ذلك .. لكنه إضطَر لهذا الفعل، لأن الدار المجاورة له والمبنية قبله، كان قد تجاوز .. الذي بدورهِ إضطرَ لأن المجاور له سبق له فعل ذلك .. وهكذا ! .. حيث تبينَ ان صاحب البيت الأول قد بنى قبل سنين وتجاوز .. وسارت الامور على هذا المنوال . بعد التباحث مع المحامين والمساحين والمهندسين .. تَوّصلَ الجميع الى حَلٍ عبقري : ان يتجاوز صاحبنا أيضاً .. ويترك المشكلة الى صاحب البيت الأخير الذي سوف يبني مُستقبلاً ! . وهكذا جرتْ الأمور بالفعل .

حال حكومتنا المُوقّرة يشبه حال البناء في المحلة أعلاه .. فالذي يتجاوز القانون في البداية، إذا كانَ مدعوماً بشكلٍ من الأشكال .. فأنه لا يُحاسَب .. ثم يأتي الذي بعده .. فيُقّلِده .. ويستمر المُسلسل الردئ ! . كُل ذلك لأنه ليسَ لدينا في الحقيقة " نظام حُكم " .. بل مُجّرد هيكل فوضوي وتوزيع للحصص والمكاسب والنفوذ .. على طريقة تقسيم الغنائم . فمنذ حوالي العشرة سنوات .. وعندما بدأ " جي غارنر " ثم " بول بريمر " والرهط السياسي العراقي الفاسد المُصاحِب لهم، الذي تَوّلى الأمور .. عندما بدأوا " التجاوز " على كُل القوانين والاعراف .. ثم توالى زُعماء الطبقة السياسية .. في لُعبةٍ شبيهة  بالركض 4 في 400 متر حواجز .. فكُل لاعب يركض بأقصى سرعته لمسافة مُعينة ثم يُسّلِم الراية الى لاعبٍ آخر حيث يهرول ويقفز على الحواجز .. وهكذا تستمر اللعبة ! . في لعبتنا السياسية .. يجمع اللاعب الاموال والغنائم والحواسم بِكُل سُرعة ويهرول جاهداً، قافزاً على القوانين من ألفها الى يائها  ومُتخطياً الأعراف والأخلاق مُستَخِفاً بشعاراته الدينية والقومية والوطنية ! .

هل بقى مَرفقٌ واحد في العراق من أقصاه الى أقصاه .. لم ينخر فيه الفساد؟ هل هنالك وزارة لم يُعشعش فيها النهب والسرقة؟ هل هنالك لجنة برلمانية كفوؤة ومُخلصة؟ هل هنالك في العالم برلمانٌ أفسد من برلماننا؟ هل هنالك حقاً مفوضيات " مُستقلة"؟ هل بقى كيان يُمكن الإعتماد على نزاهته وحياديته، مثل المحكمة الإتحادية او مجلس القضاء الأعلى او هيئة النزاهة او مفوضية الإنتخابات؟ .. ان هذا اللانظام القائم عندنا .. بُنِيَ على اُسُسٍ خاطئة منذ البداية .. وصاحب الدار الاولى .. تجاوزَ عمداً على القوانين والأعراف .. ولم يُحاسبه أحد ولم يتعرض لأي مُسائلة .. ثم جاء الثاني .. و" نُصِحَ " أن لا يُثير المشاكل وأن يتجاوز هو أيضاً قليلاً حتى تمشي الامور ! .. وتبعه الثالث ... الخ .

ان [الحلول] في العراق سهلة للغاية .. فبدلاً من مُعالجة التجاوز، ومُحاسبة المُقّصِر .. يُشّجَع الكُل على مُزاولة التجاوزات .. كُلٌ حسب حجمه ووزنه وإنتماءه ونفوذه ! .

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2250 السبت 20 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم