أقلام حرة

بعض ملامح الوضع في الأقليم / امين يونس

وبتعبير آخر: هل هنالك إمكانية حسب المُعطيات الحالية، ان يستمر (الإزدهار) في أربيل، على الرغم من سوء الأوضاع في بقية العراق " علماً ان هنالك تحفظات جدية على حقيقة " الإزدهار " المُفتَرَض ؟ ثم هل من المنطقي، ان تشتعل الحرائق في دمشق وحلب بصورةٍ مُتصاعدة .. وللأقليم حالياً ستين كيلومتر من الحدود المُشتركة مع سوريا، ولا يصل اللهيب الينا؟ هل يجوز ان تتفاقم الخلافات مع الحكومة الإتحادية وتصِل الى مدياتٍ خطيرة، وسط فوضى المواقف الداخلية المتباينة؟ ثم هل ستنجح "سياسة" رئاسة وحكومة الأقليم تجاه التعامل مع الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني، في إستتباب الأمن وحل المشاكل المُزمنة؟ .. هذه الأسئلة تُؤرق الكثيرين مِنا هنا في الأقليم وفي بغداد .. أدناه بعض الأفكار التي قد تُساهم في الإجابةِ عليها :

- مادام أقليم كردستان جزءاً من العراق الفيدرالي، ومازال مرتبطاً معه عضوياً حسب الدستور " على الرغم من ان الدستور يعاني من الغموض وفيه الكثير من الأفخاخ والفقرات القابلة للتأويل المُختَلِف " .. فأنه حسب إعتقادي، فأن الأقليم لن يتطور من جميع النواحي، بِشكلٍ حقيقي .. إلا بالتزامُن مع التطور في بغداد، وبالتوازي مع بقية أنحاء العراق .. أي انه مِنْ مصلحة الشعب الكردي ان يستتب الأمن في بغداد وتتحسن الخدمات وتستقيم الديمقراطية ويوضع حدٌ للفساد .. بعكس الرأي القائل، بأن الكُرد [ينبغي ان يُلاحَظ دوماً الفرق بين " الشعب الكردي " وبين " الأحزاب الكردية الحاكمة"] .. من مصلحتهم، ان تكون بغداد ضعيفة الآن وفي المُستقبل ! .. إذ أعتقد ان ضُعف بغداد لا يؤدي بالضرورة الى تقوية أربيل .. بل ان يكون الأقليم جُزءاً قويا وفعالاً من عِراقٍ قوي ديمقراطي مُقتدِر .. هو الأفضل بالتأكيد . ولكن .. المُشكلة الكبيرة، ان الحُكم في بغداد وملامح النظام التي ظهرتْ للعيان في السنوات الأخيرة .. بَيّنتْ انه بعيدٌ كُل البُعد عن الديمقراطية ولو بشكلها البدائي .. وفاشلٌ بإمتياز في توفير أهم ما يريده المواطن وبالتسلسل حسب الأولويات : الأمن / الغذاء والخدمات / الحُريات . أرى ان (الفشل المُزري) لحكومات بغداد، قد لقى هوىً في نفوس حكومات أقليم كردستان المتعاقبة .. ولا سيما في ملف الفساد المستشري والفوضى الأمنية والخدمية .. ذلك الفشل الذي يحاولون ان يُغّطوا به .. سلبيات الأقليم والفساد المُزمن فيهِ ! . أقول [لو] كانتْ حكومة بغداد طيلة السنوات الماضية " علماً ان الأحزاب الكردية تُشكل جزءاً مهما منها " .. تمتلك الحد الادنى من النزاهة والمصداقية والإخلاص .. لِما إستطاعتْ حكومات الأقليم الإستمرار في تجاهُل المطالب الشعبية قي الإصلاحات الجذرية .. وبالمُقابِل لو كانتْ إدارة الأقليم، تتصف بالشفافية والنزاهة والإستقامة بدرجةٍ كافية .. لِما تمادتْ حكومة بغداد في إنغماسها في الفساد والفوضى العارمة . إذن كِلا الحكومتَين، تُكّملان سلبيات بعضهما البعض ! .

- " الإيجابية " البارزة في أقليم كردستان والمناطق الأخرى التي يُديرها الأقليم .. هي الإستقرار الأمني . وكذلك الخدمات ولو بحدودها الدُنيا " بعض الخدمات أفضل من بغداد، ولكنها أقل كثيراً من الطموح المشروع تبعاً للموارد الضخمة " . أما الإزدهار الذي يكثر الحديث عنه .. فأعتقد انه " مظهري " أكثر مما هو جوهري . بمعنى ان هنالك ملايين السيارات، لكن الشوارع بائسة بصورةٍ عامة ولا توجد حلول جادة للإزدحامات والإختناقات . هنالك آلاف البنايات الكثيرة الطوابق والفنادق الفخمة .. الى جانب أزمة سكن ولا سيما للشباب والفقراء . هنالك تبذيرٌ لا معنى له في بناء المولات وأماكن الترفيه .. في حين يوجد نقصٌ حاد في بناء المدارس وحتى الموجودة منها، تُعاني من النواقص الجّمة ولا تليق بتعليمٍ مُحتَرَم . هنالك العشرات من المستشفيات الخاصة والعديد من المؤسسات الصحية الحكومية .. من غير نظامٍ يوفِر التأمين الصحي الجيد للمواطنين .. فيضطرُ المرضى الأثرياء للتوجه الى الخارج، ويبقى الفقراء والمهمشون ليعانوا من الإهمال . هنالك إستيرادٌ مُفرِط لكُل شئ ولا سيما الغذاء .. ومئات آلاف الدونمات من الأراض الخصبة خاوية .. وحتى المزروعة منها، يتلف إنتاجها نتيجة سوء الإدارة والفساد .. ليستْ هنالك بُنى تحتية ولا خطط بعيدة المدى، لسياحةٍ .. يمكن ان تُشكل أهم موردٍ إذا اُحسِنَ التعامُل معها .. ولا كذلك صناعة يمكن الإعتماد عليها، رغم توفر أرضيات جيدة لذلك . هنالك مطارات في المدن، بينما لاتوجد شبكات صرف صحي . بناءً على كل ما ورد اعلاه : فأن " الإزدهار " الحالي مُصطنَع وشكلي حسب رأيي .

- المُشكلة الأساسية في إعتقادي، بالنسبة الى العلاقة المُتشابكة بين أقليم كردستان، والوضع السوري والتركي والايراني .. تتمثل في تَباعُد المواقف بين الزعيمَين "مسعود البارزاني" و"جلال الطالباني" .. فمنذ أكثر من سنة، بدأتْ ملامح الإختلافات تظهر للعيان .. وآخرها هو التنافُس والمُزايدات الكلامية بين الطرفَين، حول " الدولة الكردية " وأي منهما أكثر جدية في ذلك ومَنْ له قصب السبق في رفع الشعار !؟ .. مع القضايا الاخرى الثانوية المُرافقة، مثل : كيفية مُعالجة المشاكل مع بغداد .. سُبل التعامُل مع الملف السوري .. وكذلك العلاقة الشائكة مع كُل من الحكومة التركية وحزب العمال الكردستاني . وانه أمرٌ ذو مغزى .. ان تتقاطع كلمة مسعود البارزاني في مؤتمر "حزب العدالة والتنمية" في انقرة، مع كلمة " ملا بختيار " في مؤتمر " السلام والديمقراطية " في ديار بكر .. فالبادي للعيان على الأقل، هو : تقارب الحزب الديمقراطي الكردستاني، مع حكومة تركيا متمثلة بأردوغان .. مع تقارب الإتحاد الوطني الكردستاني مع حزب العمال . علماً .. انه لا الحزب الديمقراطي، يستطيع في الواقع ان يعتمد كلياً على " الحكومة التركية " .. ولا الإتحاد الوطني بإمكانهِ الركون الى توثيق العلاقة مع حزب العمال .. لأن " مسعود البارزاني " في كُل الأحوال، هو الذي تصدى لمسألة " الدولة الكردية " في عدة مناسبات، وهو الذي يتعامل بوضوح اكثر مع كُرد سوريا، وهو الذي دعا الحكومة التركية وحزب العمال، الى إنهاء القتال والجلوس على طاولة المفاوضات، ولا زال ينشط في ذلك الإتجاه .. وحين شعرَ الإتحاد الوطني بزعيمه جلال الطالباني، ان صوت الديمقراطي أصبح مسموعاً أكثر، أقليمياً وكردياً .. سارعَ الى تغيير نبرته .. والدليل هو دعوته (المتأخرة) الى تغيير نظام الحكم من رئاسي الى برلماني .. وكذلك تصريح " ملا بختيار " يوم أمس، بأن لا أحد يستطيع ان يعلن دولة كردية " قبلَ " الإتحاد الوطني ! . وكأنها مُباراة " كلامية " بين الطرفَين .

ان أبرز ما يمكن ان يوصف به الوضع في اقليم كردستان اليوم .. هو : تشّظي مواقف القادة السياسيين، في التعامل مع الملفات الساخنة .. سواء الداخلية منها او الأقليمية .

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2251 الأحد 21 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم