أقلام حرة

لو وزعت الميزانية على العراقيين لاشتروا الكرة الارضية من الله / عمار طلال

لكن اقوى منها.. تمزعت الدولة بقوة (المصارين العور) التي تفجرت في بطنها.

امانة بغداد ومحافظة بغداد ومجلس المحافظة، والدولة بسلطاتها: الرئاسة ومجلسي النواب والوزراء وهيئة القضاء، كلها قوى تتعارك داخل بغداد العاصمة، من دون ان تسميها عاصمة، دأبا على تهميش الطاغية المقبور صدام حسين للعراق برئاسته دولة من دون عاصمة ولا عمال.. اذ قلبهم موظفين و(احتار بلمها المد إيده).

ازداد هيكل الدولة تذبذبا، بعد 9 نيسان 2003، وهو يتلجلج في مهاوي الاخطاء، اذ ان أولي الامر الجدد اخذتهم العزة بالاثم وهيمنت عليهم رغية المال التي لم ترتوِ؛ وهم يضيفون الى تخبطات صدام اللادستورية، في ادارة الدولة، فسادا دستوريا يكافئ السراق ويعاقب المخلصين.

تعدد السلطات يجعل الدولة تنسخ نفسها فيضعف القرار تشظيا وتمسخ رفعة القرار وهيبة السلطة، فـ (السفينة اذا كثر ملاحوها تغرق).

تعددت السلطات في العراق، فرية، لا سند دستوري لها؛ ابتدعها المفسدون بغية شمول اكبر عدد من (جماعتهم) بالمناصب التي لا حاجة واقعية لها، انما هي منافذ لهم تيسر السطو على اموال الدولة.. انها محاصصة توفيقية، تعد جزءاً مهيضا من المحاصصة الادارية.

تعدد السلطات يغرق سفينة العراق، ارضاءً لتعدد القوى الفاعلة في البلد، وهو غرق يميت الفقراء، بينما الاقوياء تكتب لهم النجاة.. بالحق والباطل على حد سواء.

تراتبية السلطات، يبطئ التنمية.. واضعا عصا (التوفيقية الادارية) كنوع من محاصصة، في عجلة التنمية، المتوقفة حد التصدئ، على حساب متطلبات واقع الشعب العراقي، الخارج من نكبات التفرد الديكتاتوري بالسلطة، الى تشظي القرار حد التمويه، من خلال تشرذم ديمقراطي لقوى تتصارع داخل الكتلة الواحدة.

اذا ما انيط منصب ما - من حصة احدى الكتل - بعضو كردي داخل الكتلة، قال السنة والشيعة لماذا كردي من بيننا؟ واذا ما انيط بسني قال الكرد والشيعة ما قاله السنة بخصوص الكردي واذا شيعي فعل الكرد ما فعله الشيعة والسنة بهم، وهكذا يدور ناعور الخلافات داخل الكتلة يبدد مياه بئر العراق الفائضة، في الهباء.

بني الدستور على اسس غير مسؤولة، تغذي تراتبية مستويات الخلاف في العراق وتجعلها مركبة بشكل مضاعف.. خلافات طائفية عامة، واخرى بين الكتل النيابية، وخلافات بشأن توزيع العراق غنيمة تحت لافتة المحاصصة، التي لا احد يجد لها مبررا لكن الجميع يعمل بها كما لو كانت قدرا نستسلم له باتجاه الهلاك.

ومن متطلبات ارضاء الجميع وفق بدعة المحاصصة، هو تعدد السلطات، وبالتالي تعدد مصادر القرار، الذي ادى الى ان تصل ميزانية العراق الى مائة وسبعة مليارات، اي بواقع ثلاثة ملايين دولارلكل عراقي، والعراقيون معظمهم تحت خط الفقر.

طيب (أشلون؟) لو قسمنا (107 مليارات) على (30) مليونا؛ لاستحق كل مواطن ان يتسلم ثلاثة ملايين دولارٍ سنويا، لو اقتطعنا منها مليونين لاستطعنا ان نبني (الجبايش) بافضل من (نيويورك) ونعيد هدمها.. سنويا، مع ان مليون دولار يحصل عليها المواطن لمرة واحدة في العمر، كافية لان تغير حياته ومستقبل احفاده الى الابد؛ فكيف وهو يتقاضى ثلاثة ملايين دولار سنويا.

هذه الارقام الفلكية في الاقتصاد العراقي، تنعكس سلبا على المجتمع.. تفقره، وهي تتبدد؛ بسبب وجود سبع سلطات مقرة، في بغداد وحدها، في حين تدخل على صيرورة القرار كتل غير منظورة الوجود لكنها مشهودة الافعال والنتائج، التي تتضح على المواطنين دمارا، وليس رخاءً بالمعنى المفترض ان يتحقق لمواطني بلد يبلغ تعداده ثلاثين مليونا وميزانيته السنوية (107) مليون دولار، لو اختزلت الحكومة تعداد السلطات، مبقيةً على السلطات الضرورية، لمصلحة المواطن، ووزعت الميزانية على المواطنين باليد، لاستطاع العراقيون ان يشتروا الكرة الارضية من الله! بعقد موثق، شهوده الانبياء والملائكة.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2252 الأثنين 22 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم