أقلام حرة

حمامات لغسل العقول والادران!! / لطفي شفيق سعيد

بشكل كبير وواسع حتى شملت جميع الحارات والمحلات واشهر تلك الحمامات منذ القدم والى فترة قريبة هي

1-        حمام ايوب 1713م في جانب الكرخ

2-        حمام السيد يحيى 1400 م في جانب الرصافة في سوق الغزل

3-        حمام مرتضى القرن 18 م في الكاظمية

4-        حمام رؤةف 1880م في محلة المربعة

5-        حمام المالح القرن19م في محلة القره غول

6-   وهناك اسماء اخرى لحمامات انتشرت قي ارجاء مختلفة من بغداد اهمها في جانب الكرخ – حمام شامي وحمام الجسر بالقرب من مشهد بنات الحسن وحمام الجعيفر وفي جانب الرصافة- حمام حيدر قرب سوق الشورجه وحمام كنجه علي مقابل سوق الصفافير وحمام كجو في باب الآغا ويونس في الميدان وعيفان والباشا قرب سوق الهرج والكهيه والراعي في باب الشيخ وحمام القاضي بجانب المحكمة الشرعية في شارع النهر وهو حمام يأمه التجار ويشتهر بنظافته وحمامات اخرى ومنها م تم استبدال اسمه كحمام الملك غازي وسمي بحمام الجمهورية.

للعراقين مزاج معين في اختياراتهم فلكل واحد منهم حمامه الخاص ومقهاه المفضل وصحيفته الخاصة وزعيمه الخاص الذي يستبدله مع تبدل الاوضاع وكما يكون لكل منهم حمامه الخاص فيتعين كذلك اختيار مدلكجه الخاص والذي لايرغب باستبداله .

والحمامات على نوعين حمامات خاصة للرجال واخرى للنساء وقد يصادف ان يكون الحمام للرجال وللنساء ايضا ويخصص وقت الصباح للنساء ووقت المساء للرجال.

يطلق على تلك الحمامات (حمامات السوك) ولكل واحد منها مراسيم وادوات خاصة وحمام الرجال يتكون من مدخل يتصدره صاحب الحمام ويجلس على تخت خاص به وامامه منضدة عليها صينية يضع فيها النقود وبجانبه وحوله مجموعة من التخوت لجلوس الزبائن بعد الانتهاء من الاستحمام وتلقي عبارات (نعيمن آغاتي فيرد عليهم انعم الله عليكم وشكرا) وبعدها يرتشف استكان الشاي او الدارسين وقد تسبق ذلك احيانا اكلة كباب عراقي وفي جانب آخر من المدخل يوجد المنزع ويقوم الزبون بخلع جميع ملابسه ويسلمها الى شخص يقوم بمهمة استلامها وتسليمه ثلاثة مناشف الاولى تسمى (البشطمال) يلفها حول جسمه من منطقة الخصر والثانية يغطي بها ظهره وصدره والثالثة يغطي بها رأسه تسمى (الكطيفيه) ثم يذهب الى فناء الحمام التي تغطى ارضيته بالقار ويتوسطه حوض بداخله ماء ساخن وتحيط بالحوض دكة عريضة من الآجر يستلقي عليها من اجل التعرق وبعد ان يستنزف كمية من العرق يتوجه الى (المدلكجي) وبدوره يأخذ بتدليكه بكيس من الصوف الخشن ويحاول ان يجمع من جسمه اكبر كمية من الفتالات ويريها له وبهذه المناسبة تحظرني نكتة مصرية وهي ان حظر احد الصعايدة الى مثل هذه الحمامات واخذ المدلكجي يدلك جسمه ويخرج منه كميات كبيرة من الاوساخ والفتالات وبعد محاولات عديدة من التدليك ظهرت الفانيلة التي كان الصعيدي يرتديها.

وعند انتهاء الزبون من كل تلك المراسيم يرجع الى مكان المنزع ويسلم المناشف ويستلم ملابسه ويذهب لدفع اجرة الاستحمام والتي لاتتعدى بضعة فلوس مع البخاشيش وتحظرني هنا نكنة يتداولها العراقيون من مجموعة نكات تتعلق بالحمامات والاستحمام والنكتة قوامها هو ان احد رجال الشرطة دخل الحمام بملابسه الرسمية لغرض الاستحمام وتوجه الى المنزع وخلع تلك الملابس وعند الانتهاء من الاستحمام ذهب الى المنزع فلم يجد سوى السداره والنطاق والبسطال فلم يكذب خبرا فارتدى تلك الاشياء وذهب الى المحمجي واستعد امامه وبعد ادى التحية العسكرية وقال له (بالله عليك آني هيجي دخلت الحمام) والمثل يقول ان (الدخول الى الحمام ليس مثل خروجه) .

هذا هو حال حمامات الرجال والامر مختلف في حمامات النساء فتتميز تلك الحمامات بالضجيج والهرج وادواته تختلف ايضا ومن مستلزماته وعدده (الركيه) وهي حاوية من المعدن تشبه الركية ولها غطاء توضع بداخلها صابونة ركي وطين خاوه ومشط خشبي وكيس التدليك الخشن والليفه وبعضهن يجلبن ادوات الزينه كالسبداج والخطاط والحمره والديرم لطلاء الشفاه وهو من لحاء بعض الاخشاب ويعطي للشفاه لونا بنيا غامقا ومن المستلزمات الاخرى التي تتطلبها كسلة الحمام والبقاء فيه لمدة طويلة قدر الدولمه والفواكه وبالاخص النومي والبرتقال ولاتنس ان تجلب معها القباقيب الخشبيه لكي تنطبق عليها كلمات الاغنية التي تقول (اسمع رنة قبقابج) ويزداد الضجيج وتتعالى الاصوات عند جلب عروس للحمام فتاحذ النسوة التي تصاحب العروس باطلاق الزغاريد والاغاني والصفكات والدبكات حتى تصل اصواتهن الى خارج الحمام ومن هذه الحالة اطلق على كل صخب او كلام عالي صفة حمام النسوان. وهنا اعيد بذاكرتي الى عام 1952 وعندما كنت في الصف الخامس الادبي في ثانوية بعقوبة وكان مدرس الاجتماعيات آنذاك المرحوم الفنان الشهير شاكر حسن آل سعيد وقد صادف ان انطلق الطلاب يتحدثون بصوت عال بوجوده وعندما كان منشغلا بمناقشة احد الطلبة فما كان منه الاان يقول (هاي شنو خوما انتو بحمام النسوان) فردت عليه الطالبة نوار حلمي وكانت تتصف بالجرأة والشجاعة الادبية (استاذ انت وين شايف حمام النسوان؟) فاجابها شاكر حسن وبضحكته المتميزة والتي تقترب من زقزقة العصافير او تغريد البلابل (آني من جنت ازغير امي تودين لحمام النسوان) رحمك الله ايها الفنان الهاديء المحبوب من جميع طلاب الصف لدماثة اخلاقه ومظهره وهندامه المتواضع فقد كان يرتدي في ذلك الوقت بنطلون الجينز وفانيلة (تي شيرت) يتصدرها دبوس لحمامة السلام وهو الشعار الذي صممه الفنان العالمي الايطالي (بيكاسو) وبالمناسبة ان بعقوبة في تلك الفترة لاتوجد فيها ثانوية للبنات ففي صفنا كانت هناك ثمانية طالبات يجلسن في الصف الامامي وان هذه الحالة فرضت على الطلبة ان يتحلوا بالادب والاخلاق الحميدة والتانق بالمظهر والملبس واظهار التفوق بالادب والشعر والرسم والفنون الاخرى عسى ولعل احداهن تنجذب الى المتميز ولكن العرف والعادات تحول دون تحقيق ذلك وقد كانت ستة منهن يرتدين العباءة وقد خرق احد طلاب صفنا تلك الالتزامات وكتب رسالة الى ابنة مدير المعارف ودسها في احد كتبها وكانت تلك الطالبة سافرة وذات بشرة بيضاء وتمتلك مسحة من الجمال وقد شكت الطالبة الامرلابيها وطلب التحقيق بالامر وبعد سين وجيم واستدعاء جميع طلبة الصف واخذ نماذج من خطهم انكشف امر ذلك الطالب وهو من قرية الهويدر ونطلق عليه (بالابرش) وهي صفة معروفة عند العراقيين فكان جزاء هيامه ولوعته ان تم فصله من المدرسة فصلا نهائيا وسقط صريع الحب العذري.

نعود الى موضوع الحمامات فقد كانت تلك الحمامات تحمى بواسطة فضلات الحيوانات ومنها روث الحمير ويوضع بمكان يسمى (الكولخان) وهي كلمة تركية وتعني مكان الحرق ويستفاد من رماد النار في البناء بعد خلطه بالنوره (والمثل العراقي يقول الصيت للنورة والفعل للزرنيخ) والمادة التي تتكون من ذلك الخليط هي بمثابة السمنت في الوقت الحالي. ويستفاد من الكولخان وحرارته العالية بشوي الشلغم شتاء ويطلق عليه شلغم الطمه وهو الذ من شلغم السلق ويدور البائع به في الحارات وتحت المطر وهو ينادي باعلى صوته (شلغم مايع – مايع الشلغم) .

ان الاستحمام وارتياد تلك الحمامات يحس الانسان فيها براحة نفسية وهي تعبير عن المستوى العالي للجسد والشعور بنظافة مثالية وان البقاء فيها لفترة اطول تدفع المرء الى التأمل والاحساس براحة البال والشعور بالارتخاء والانسجام مع الآخرين وقد ورد في الحديث النبوي الشريف (النظافة من الايمان) .

أن من المفيد جدا وخاصة في هذه المرحلة العصيبة التي يمر بها البلد ان يستحدث حمام شعبي خاص لغسل عقول وادران السادة والسيدات الذين ملآو الدنيا بضجيجهم وراحو يشغلون الناس بنقاشاتهم وصراعاتهم مما انعكست على واقع حياتهم وجعلتهم يلعنون اليوم الاسود الذي اوصلهم الى مثل هذا الحال . لقد ملت الناس من تلك الصراعات والدعوات المريبة والغير صادقة والتي تدعو احيانا لعقد المؤتمرات والاجتماعات بين تلك الاطراف المتصارعة والتي ادت الى خراب البصرة وبغداد وجعلت الفرد العراقي لايعرف (راسه من ساسه) والى اية جهة يتجه فخلال كل تصريح يطلقه اصحاب الشأن واولي الامر تنطلق سيل من العبوات الناسفة والسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة والاسلحة الكاتمة للارواح ويسبح المئات من ابناء الوطن في حمامات دم ولسان حال ذويهم يردد باي ذنب قتلوا؟ ازدادت حمى الدعوة الى عقد الاجتماعات بين الاطراف المتصارعة والتي تفتقر الى ابسط مقومات تلك الاجتماعات والمتمثلة بحسن النية فكل من يريد ان يجتمع بالطرف الآخر يرفع شعار (بالوجه خلقة باسمة وبالكوفة عبوة ناسفة) فما فائدة تلك الدعوات التي تدعو الى عقد اجتماعات رباعية وخماسية ومائدة مستديرة وبيضوية وخمسة زائد واحد وناقص اثنين اذا لم تتوفر حسن النية وصفاء السريرة ووضع مصلحة الشعب امام الاعين بدلامن وضع صورة الدولار والعقار وهجمان الدار؟ وعليه اجد من المناسب والضروري ان يطلب من كل السادة والسيدات والذين لايتجاوز عددهم اكثر من الفين مقارنة بعدد ابناء الشعب من الملايين التي اتعبها طول الانتظار وترديدهم (ياقريب الفرج ياعالي بلادرج) .

ان غسل عقول السادة والسيدات المثيرين للنكبات والملمات وتنظيفها تماما من الدرنات يخلق عالما مستقرا ووطنا ينعم بالخير الوفير والعيش الرغيد وتحظرني بهذه المناسبة مقولة رددها الحاج خليل ابراهيم وهو من رواد مقهى (حسن عجمي) في الحيدرخانة وقد ذكرها قبل خراب البصرة وبغداد بالتمام (آغاتي كانت الناس ايام زمان تدخل للحمام لتنظيف اجسامهم اما اليوم فلن تستطيع كل حمامات الدنيا تنظيف نفس توسخت بالحرام وتلطخت ايديها بالدماء) فالى حمام شعبي خاص ادعو لغسل عقول من جعل من الحرام حلال وهدفه لغف المال بلا خوف او سؤال.

 

لطفي شفيق سعيد

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2253 الثلاثاء 23 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم