أقلام حرة

متاريس الأصولية الدينية بين التحجر العقائدي والفقر المعرفي / سامان سوراني

وثنائيات خانقة وتدمير إرادة الخلق ومصادر القوة، بعد الوقوع في فخ العقل التقليدي بكل رؤاه الرافضة والمتزمتة. وأن إحتكار المعن? والمشروعية والتمثيل وتأليه الذات لا تولد إلّا الإستبداد أو الإقصاء والأرهاب.

قبل فترة وجيزة ظهرت في إقليم كوردستان مرة أخر? أصوات متعصبة، تر? بأن طريق الحراك قد سدّت أمامها وأن آمالها قد أحبطت في مسع? للعودة ال? طريق الحياة الطهرانية المساواتية، لذا بدأت تنادي ال? حجب مقدمي البرامج من النساء والمذيعات الجميلات في القنوات التفزيونية، لأن التجمّل حسب تفسيرها محرّم وجمالهن تؤدي ال? ثوران شهوات الرجال، أولئك الذين لا يرون في المرأة إلا الجانب الجنسي فقط. هذه الأصوات تواصل دعواتها للتحريض على العنف والتمييز ضد النساء تحت راية الدين والسنة والأخلاق وتحاول تسييد أنماط معينة من الملابس ومنح صاحباتها فرص أكبر للعمل والظهور الإعلامي.

أما في ما يخص الديمقراطية والأنظمة البرلمانية فإنهم ينظرون اليهما كبدعة محرّمة لا تقلص الفجوة الإجتماعية. عقلهم التقليدي هذا هو الذي يمهد الطريق، برأي رائد حركة ما بعد الحداثة الفيلسوف الفرنسي جان بودرّيار (1929-1997)، لنشأة العقل الإرهابي بين الجماعات المتأسلمة، الذي يدفع صاحبه للعنف، فهو ير? بأن عنف الخطاب لا يعادله إلا عنف الإرهاب.

الإنسان في عقله وإنسانيته الحرة وكرامته والأخلاق المتربطة بها وإختيار الغيتو النفسي والذهني والفكري كبرنامج للتعامل اليومي وقيادة المجتمع ينتج النّظر إلى النّفس وإلى الآخر  المغاير باستعلاء مضمر أو إحتقار.  ولغة التحريض عل? العنف ضد كل من لا يريد أن يبق? داخل إطار الثوابت والقوالب والنماذج الدينية الموروثة هي نوع من أسلحة الدمار الشامل، مآلها تلويث فضاءات التعايش السلمي والأفكار والممارسات الحية، التي تعمل عل? كسر الأيقونات المقدسة والأصنام النظرية.

الأصوليون الدينيون يريدون بهرطقتهم ومواقفهم المصبوغة بالتبريرية الذرائعية التلفيقية أن يصبحوا ملوكاً عل? حقول من الجثث بعد تحويل الحياة بأساليب غير متوقعة ال? جحيم لا يطاق ولنا في الحركات الأصولية الدينية المتطرفة في أكثر من مكان من هذا العالم نماذج بارزة ليصبحوا لنا خير دليل وأعظم برهان. أصوليتهم الدينية يمكن تحليله ثقافياً من خلال تعريف مفهوم رؤيتهم للعالم. ولا يمكن إخترال أسباب ظهورهم فقط في الفقر والقهر السياسي، بل في تحجرهم العقائدي وفقرهم المعرفي وتزّمتهم الفكري، لأن من لا يعمل في تحقيق مصالحة وإنسجام مع مفهوم الحداثة من خلال قيم الحرية وأصالة حقوق الإنسان وقبول الاختلاف والتعددية لا يستطيع أن يساهم في نشر مفاهيم منفتحة عقلانية أو إنسانية. نحن لا نأمل بأن يعود الدين ليمارس ذروة العدمية والهمجية أو ليتأله دعاته وحماته، لكي يصبحوا عبيداً لنزواتهم وأحلامهم المجنونة وخططهم الجهنمية أو لكي ينتهج أصحابه الهيمنة الشمولية على تفكير الرأي العام والسيطرة على ردود افعاله. إن الخروج من القوقعة العقائدية يفتح الإمكان لملاقاة الآخرين ويتيح للإنسان تكوين ذاته وإعادة بناء الثقة مع سواه وهذا بدوره يتيح التعارف الوجودي أو التعايش السلمي أو التبادل المتكاف?ء من المساحات واللغات والأدوات أو الصيغ والأطر.

فمن يؤله رموزه‌ فقط ويجحد رموز الآخرين يعيش في تكاذب مشترك ويتحول كلامه الذي يعلنه عن الوحدة الكوردستانية مجرد خداع، يكون مآله الخلاف والإنشقاق. نهجه‌ الآيديولوجي السلبي القاطن بين أنياب الإيمان الأعم? وجحيم الحلول القصو? يسعى لنصرة معتنقيه وحمايتهم على اساس استثارة معاداتهم.

أما حكومة إقليم كوردستان الفعّالة فهي تسع? اليوم ال? تنظيم الإقتصاد والإنفتاح عل? الخارج، بقدر ما تنفتح في الداخل عل? المجتمع بمختلف قواه ومستوياته وهيئاته وعناصره، بهدف بناء معادلة مركبة تؤلّف، عل? نحو خلاق ومثمر، بين الأهلي والمدني أو بين الخصوصي والعمومي، أو بين الوطني والإقليمي، أو بين المحلي والكوكبي، وهذا هو الرهان، تحويل عدم الثقة والخوف ال? مجالات ومساحات وأسواق للتعايش السلمي والتبادل الغني. 

نحن نعرف بأن وراء كل منظومة تقدم قيماً ومبادئ، كالتربية على الحرية والمساواة، وحق الشعب في إختيار حكامه، وحرية التعبير والصحافة، وسيادة القانون والمساواة، وهذا ما نناضل من أجله، فلا مجال بعد اليوم للجُبن الثقافي، الذي كان وللأسف تحت ظل النظام الشمولي الدكتاتوري في العراق التخصص الأساسي.

وختاماً نقول، بأن من يريد بناء عالم مشترك يتيح التعايش والتواصل عل? نحو سلمي تبادلي في إطار إقليم كوردستان هو من يحسن الإشتغال عل? خصوصيته ويقوم بتغيير عدّته الفكرية، سواء من حيث التوجه الفكري أو من حيث شبكة المفاهيم وقواعد المداولة، بتركه العقليات السائدة والمقولات المستهلكة ولا يستخدم المنابر والساحات والشاشات لإعادة عباءة الفقيه والحجاب والبرقع ولنصب جدران الكره والعداء للتمترس في المعقل الأصولي أو لتحويل الدين ال? أداة أو محاكم للإدانة والإقصاء.


الدكتور سامان سوراني

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2257 السبت 27 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم