أقلام حرة

عصافير / امين يونس

لتأخذ نصيبها وسط زقزقة جميلة .. وأراقب المشهد من النافذة وأنا أحسُ بسعادةٍ غامرة .. لا أستطيع وصفها ولا تفسيرها بالضبط ! ... أفعلُ ذلك عادةً في الصباح الباكر بعد الفجر مُباشرة .. وحين أتأخرُ يوماً لأي سببٍ من الأسباب .. فأنني أشعرُ بنبرة " العتاب " في زقزقة العصافير .. صدقوني ! . تحّول هذا الامر الى طقسٍ يومي .. وحتى حين لاأجد بقايا الخبز والصمون .. فأنني اُقّطِعُ صمونة جديدة أو إثنتَين وأنثرها، بدون أخذ موافقة وزيرة الداخلية ومسؤولة إدارة التموين ! . ونتيجة الشكوى الدائمة، من ان العصافير تُوَسِخ المكان .. فلقد إضطررتُ مُؤخراً الى التَكّفُل بتنظيفهِ بين الحين والحين . أصبحتْ هذه العادة مُتحكمة بي، بحيث انني عندما اسافر في المرات النادرة .. فأن أول شئ أوصي العائلة بهِ .. هو ان لاينسوا تقديم بقايا الصمون الى العصافير صباحاً !.

أراقبُ عن كثب طيران العصافير، من على الأسلاك الممتدة من عمود الكهرباء أمام الدار .. ونزولها الى الفسحة العامرة بكسرات الخبز وبقايا الصمون .. وانها من النادر ان تحطُ دفعة واحدة .. من الأسلاك الى الفُسحة رغم ان المسافة بينهما لاتتجاوز بضعة امتار .. فهي في غاية الحذر، فتحط على سلك التلفون في منتصف المسافة وتنظر يمنة ويُسرة عدة مرات .. وحين تشعر بالأمان .. تقفز الى الفُسحة . لاحظتُ ان بعضها ولا سيما الأكبر حجماُ، تلتقط كسرة وتطير نحو العش القابع على عمود الكهرباء .. وتغيب للحظاتٍ ثم تعود لتاخذ كسرة اُخرى .. أما لإطعام الصغار أو لخزنها لأوقات الحاجة وأيام المطر ! .

أحياناً أجلسُ قريباً من المكان وعلى بُعد خمسة أمتار .. في الحديقة حيث يوجد كرسي ومنضدة عليها الكومبيوتر .. وأحاول ان تكون حركتي هادئة وبطيئة .. بحيث لااُخيف العصافير ولا أجبرها على الهروب .. وبالفعل فلقد تعودتْ على ذلك ولم تَعُد تهتم بوجودي .. ولكن ما ان تَمُر سيارة في الشارع المُحاذي او ينفتح باب الجيران بِقوة .. حتى تطير عشرات العصافير دفعة واحدة وكأنَ خطراً داهماً إقتربَ منها .

عموماً .. لا أدري، هل هي نتيجة التقاعُد المُبكر .. او البطالة المُقنعة، او الفراغ .. أو أشياء اُخرى لا أعرفها .. إكتشفتُ انه ليسَ بالضرورة ان يفكر أحدنا، بالقضايا الكبيرة والسياسة فقط .. بل أن المرء يستطيع .. إختراع أمورٍ صغيرةٍ " يهتم " بها أيضاً .. بل ويستمتع بها بشكلٍ ما .. قد لاتكون هذه الامور مُهمة .. ولكنها على بساطتِها .. رُبما تعطي معنىً للحياة ! .. من الممكن ان ترعى نبتةً صغيرة وتسقيها وتحميها وتنظف محيطها، الى ان تراها تنمو وتزهر .. من الممكن ان يكون ذلك .. مُجرد تقديم كسرات خبز الى العصافير ! . 

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2260 الثلاثاء 30 / 10 / 2012)

في المثقف اليوم