أقلام حرة

والعِيد إجانه وإنكِضه / امين يونس

تسعة عشر عيداً مَرتْ منذ التغيير أي منذ الإحتلال الامريكي وسقوط الحُكم الفاشي  ولم يحضر الفرح الحقيقي .. فحتى المّسرات التي نصطنعها إصطناعاً بين الحين والآخر .. ليسَ لها طعم السعادة ولا رائحة الحبور ... ولا نستطيع الفكاك من طعم الدَم المُسال على جباهِنا أو جِباه أحباءنا ولا نسيان رائحة البارود الكريهة التي تُغّطي على كُل رائحة . حتى صباحات العيد، لاتخلو من الإنفجارات والمفخخات والحرائق .. فأي نوعٍ من الإرهاب هذا .. الذي يمتلك إمكانية الإستمرار والمُواصلة طيلة السنين الماضية ولغاية اليوم؟ أية دولةٍ هي دولتنا، التي تعجز عن حماية مواطنيها من القتل المجاني؟ أية حكومةٍ هي حكومتنا، التي أدمنَتْ تأزيم الأوضاع وتعقيدها؟ أي مجلس نوابٍ، ذاك الذي يهتمُ بمصالح أعضاءه ويهمل مصلحة الشعب والوطن؟ أحتارُ .. أية أوصافٍ تليقُ بهذهِ الطبقة السياسية المتسيدة على المشهد العراقي من أقصاه الى أقصاه؟ ان قاموساً من البذاءات والشتائم والقباحات لايكفي لوصف هؤلاء ! .

كاميرات الفضائيات، التي تنقُل لقطات من جموع الجماهير التي تحتشدُ إحتفالاً بالعيد .. في متنزهات الزوراء في بغداد .. وتُجري لقاءات مع البعض وتسألهم أسئلة سخيفة ومُخادِعة عن رأيهم في الوضع الأمني وأجواء العيد؟ فتقول إمرأة كبيرة في السن وبسيطة : والله الوضع ممتاز وكُلشي ماكو ! .. فتتسع إبتسامة المراسل، ويُكرر عليها : والعيد .. وشجايبين وياكُم أكل؟ والله يُمّه العيد بخير مادام المالكي بخير والحكومة بخير .. والأكل نِعمة مِن الله .. دولمة وتفسي وبانيا ! . فيضحك المراسل ويقول : خاله .. راح أسألج سؤال، إذا عرفتي الجواب، تحصلين على جائزة : مَنْ هو مُخترع التلفون؟ فتقول المرأة المسكينة : شمدريني يُمّه ! .. فيُسارع المراسل : أعزائي المشاهدين، ننتقل الى عائلةٍ اُخرى وسط هذه الاجواء الإحتفالية الرائعة ! .. هذا نموذجٌ واقعي لمعظم برامج المحطات المحلية، التي واكبتْ أيام العيد في بغداد والمحافظات .. إعدادٌ بسيط وتقديمٌ ساذج وتلاعبٌ بمشاعر المواطنين والمُشاهدين .. وإستخفافٌ بكرامتهم .. وتصوير الأمور وكأن كُل شئ على ما يرام .. ودعاية مجانية للحكومة والاجهزة الامنية .

المُقابلات التي تتسابق محطات التلفزة، على إجراءها مع " المسؤولين والقادة "، أصبحتْ مُقرِفة ولا تُحتَمَل .. فالقائد الامني الكبير .. بكِرشهِ الضخم ورتبته العالية ونياشينهِ، " يُقّلِل "من أهمية الإنفجار الذي حصَل هُنا او العملية الارهابية هناك .. ويُصّرِح ان عدد الضحايا الذي تداولتْه وسائل الإعلام .. غير دقيق .. وأن " الشهداء " الذين سقطوا، عشرين فقط وليس خمسة وعشرين والجرحى ستة وأربعين لا غير وليس سبعين ! .. وأن الوضع مُسيطَرٌ عليه والخطة الامنية مُحكَمة .. وان السبب فيما حصل، هو " خرقٌ أمني " ناتج عن إهمال أو تواطؤ بعض المنتسبين .. وانه شّكلَ " لجنة " للتحقيق ومحاسبة المُقصرين .

بالله عليكم .. ألا تشعرون برائحة النتانة المُنبعثة .. من مثل هذه التصريحات البائسة؟ فبعد تسعة عشر عيد .. وبعد تراكُم الخبرات المُفترَضة .. لا زالتْ كروش القادة السياسيين والأمنيين .. تملأ شاشات التلفزيون .. ولا زالتْ " اللجان " تُشّكَل بعد كُل حادثٍ وعملٍ إرهابي .. وبلا أية نتيجة !.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2261 الاربعاء 31 / 10 / 2012)


في المثقف اليوم