أقلام حرة

الجواهري عام 2012 / ابراهيم الخياط

بعد سقوط النظام بشهور قلائل، وكان موعده في أواخر تموز من كل عام، حيث ذكرى ولادة ورحيل شاعر العرب الاكبر، ولكن الظرف المناخي وشحة الميزانية أديّا الى اختيار الخريف موعدا وهو الألطف حتى من الربيع في العراق.

وما تشابهت نسختان منه قط، ففي كل سنة يطغى جديد على المهرجان الاثير، وأقول الاثير لانه المهرجان الثقافي الكبير الوحيد الذي ينتسب خالصا للعراق الجديد، في انطلاقته وشكله واسمه، وفي هذه السنة 2012 جاء انعقاده بقرار يرقى الى التحدي، اذ تخلت وزارة الثقافة عن دعمه منذ العام الماضي، رغم وجود شعبة في الوزارة اسمها (شعبة المهرجانات!!)، ولكن الاتحاد قرر وعقد ودعا أكثر من مائتي أديبة وأديب، فحضروا، ولم يستطع دعوة أدباء عرب أو عراقيين من المنافي، وكانت الجلسات كلها، شعريتها والنقدية، تتألق في المسرح الوطني وعلى قاعة شارع المتنبي وعلى حدائق الاتحاد وفي اليخت المتبختر وسط دجلة الخير.

 وكان للنقد محوران، أحدهما عن أدب الاطفال، والاخر عن جدل الاشكال الشعرية، كما صدرت عن المهرجان جريدة أنيقة غطت فعالياته، وتميز المهرجان بأمرين، أولهما: الحضور النوعي الحاشد لمتابعة جلسات النقد والمشاركة فيها بمداخلات وأسئلة، في حين كانت ـ سابقا ـ لاتستقطب أكثر من عشرين متفرقين وجلهم صامتون، وثانيهما: الخروج من قاعة الاتحاد الى الاماكن الثقافية والسياحية، في رحلتي شارع المتنبي ومرسى الاعظمية.

وللسبب ذاته الذي جعل المهرجان السابق يحمل اسم الشاعر الكردي "عبد الله كوران" فان المهرجان لهذه السنة حمل اسم الشاعر التركماني "عبد اللطيف بندر أوغلو"، كي تتوضح الهوية الوطنية للاتحاد، فالعراق يتعافى بتعدديته، وتنوعه.

وهل حصلت هفوات؟، نعم، ولكن خروجا على السياق، وليس نتيجة لحالة فوضى، فالاتحاد أبلغ المحافظات بضرورة تحديد الشعراء ورفع القصائد، ولكن لم يتم العمل بهذا التوجيه على أكمل وجه، ما جعل المجال رحبا للانزياحات غير الشعرية، وأما العدد العديد الذي قرأ من الشعراء فهو نسبيا كثير ولكن الذي خلخل المعادلة أن المدة الاجبارية القصيرة للمهرجان لاتتناسب مع بلد يفوق عدد الشعراء فيه عدد النخيل، وأما عن معضلة اللغة وضبطها فهذا ما وقع في مطبه الكثيرون، وقديما قال عبد الملك بن مروان: شيبني صعود المنابر وتوقع اللحن.

ولان الاتحاد كان رهينة بيد صغار الفاشست لمدة زادت على الـ 3 عقود، ولان العلائق مع الاتحادات العربية والعالمية كانت مبتورة منذ سقوط النظام، ولان الميزانية عند الاتحاد شحيحة بما لايستطيع أن يرسل الوفود أو يستقبل، لجملة الاسباب هذه لاغرابة أن نكون تقليديين في اقامة مهرجاناتنا اذ لا نسخة لنا نقلدها سوى الطريقة المنبرية وهي ما أوقعت باقة من الشعراء الجميلين الذين يكتبون قصائد نثر هائلة تستدعي التأمل، فاذا بهم يشاطرون العموديين المتمكنين من الصنعة فيقفون على المنصات/المصائد، وليتهم ما وقفوا.

ولانه ليس آخر المهرجانات ولا الدورات ففي قابل السنوات ـ حتما ـ سنتخذ الورش طريقة لعقد الجلسات النقدية، وسنضيف قاعات جامعاتنا أمكنة للقراءات الشعرية وبخاصة في كليات الاداب والتربية، وسنقف بصدق لنشيد وطني جديد يقول:

     سلامٌ على هضبات ِ العراق ِ       وشطـّـيه ِ والجُرف ِ والمنحنى

     على النخل ِ ذي السعفات ِالطوال ِ  وشُـمِّ الجبال ِ، تُشـيعُ السَـــنا

     سلامٌ على نيّرات ِ العصور ِ         ودار ِ السلام ِ، مــدار ِ الدُنى

* * *

     سلام ٌ على خالع ٍ مِنْ غـَـد ٍ           فـَـخاراً على أَمسـِـه ِ الدابر ِ

     سلامٌ على طيبات ِ النــذور ِ           ســــلامٌ على الواهبِ الناذر ِ

     سلام ٌ على نـَـبـعـَة ِ الصّامـدينَ    تـَعاصت ْ على مـِـْوَل ِ الكاسر ِ

* * *

     سلامٌ وما ظلَ روضٌ يفوحُ       وما ساقطتْ ورقَ الدوح ِ ريـحُ

     سيبقى ويبقى يدوي طموحُ       لنجم ٍ يضيءُ وفـــجر ٍ يلــــوحُ

 

ان مهرجان (الجواهري)، بعد دورات تسع ناجحات، لايمكن أن يكون رقما في سوق المهرجانات بل جدير بالجواهري وبالأدباء وبالعراق.  

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2262 الخميس 01 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم