أقلام حرة

دية الملك البريء .. فيصل الثاني شهيد العسكرية الهوجاء / منير حداد

عادت الى بلدها؛ كي تلقى العقاب الذي فرت منه؛ فاستقبلها ذووها مستغربين، كيف تترك العراق عائدة الى سلطة حكومة تعارضها، ولسوف تعاقب فيها وتنصاع الى ما تعترض عليه، فاخبرتهم بان المثل العراقي يقول: من يرى الموت يرضى بالسخونة!

لا اظن الواقعة بحاجة لتعليق، فالعراق العسكري، بقعة ملعونة الفظاعة، منذ اطاح الخاكي بالوان السماء السبعة، وتفرد بضرب اطناب جبروته.. طغيانا كابوسيا على العراق.

العسكر الغوا الشرعية الدستورية التي تأسس الحكم الملكي بموجبها، واحلوا الشرعية الثورية بديلا عنها، في 14 تموز 1958، الامر الذي بلغ ذروة طيشه، خلال حكم البعث بفصليه الحرس القومي وديكتاتورية المقبور صدام حسين.

استقراء الواقع الاجتماعي خلال الحكم الملكي، لا يخلوا من هنات وثغرات، في بناء الدستور وتركيب نظام الحكم واجراء السياقات ادائيا، فهو نظام وضعي وليس منزلا.. الكمال لله وحده.

مع اتفاقنا على ان الحكم الالهي على الارض يشهد ازمات تذهب بالنص الدستوري المقدس الى نطاق الاحتراب؛ لان للبشر اهواءً، توجب الردع الذي يأخذ معه مجموعة من الابرياء، يتعذر فرز المجرم من بينهم لاختصاصه بالعقاب فردا.

ثمة افراد تحكموا بالملكية سحبوها الى مناطق جارت خلالها على فئات وشرائح وطبقات، من مكونات المجتمع العراقي، لا جرم، انما حكم العسكر، الذي بلغ ذروة الجور بطشا بالفقراء العزل الابرياء، خلال حكم الطاغية صدام، يشكل سلسلة اخطاء متلاحقة.. الاعدام والسجن والحروب والحصار الارهاب، متن سائد، بينما السلام والطمأنينة والمكتسبات الاقتصادية والعمرانية والاجتماعية، مجرد هامش.

من خلال مسلسل تلفزيوني بعنوان (آخر الملوك) عن سيرة حياة الملك فيصل الثاني، مدعوما بقراءات سابقة ولا حقة على مشاهدتي لاجزاء كبيرة من المسلسل، لمست حكمة ووعي ورفعة الملوك، وشخصياتهم السمحاء المتواضعة من دون ابتذال او سفح للذات عالية الجناب، انما تواضع لاشعار المواطن بقيمته وليس للحط من قوة الدولة.

في حين.. بالمقابل، عشنا ولمسنا مباشرة، ضعة وعقد شخصيات العسكر الذين يطويهم كرسي الحكم.. يتلفلف حول ادمغتهم الخالية الا من اصوات البنادق الجبانة، التي تطلق بقوة على الضعفاء، وتنخ متهافتة امام الاقوياء.

وهذا ما لمسته من قراءتي في وقائع صباح ثورة 14 تموز 1958 عندما خارت قوى الجنود المحاصرين لقصر الرحاب، فاعطاهم آمر المراسيم الملكية ماءً وافطارا، ثم ظهر الملك متنازلا عن العرش، طالما ثمة من لا يريده ملكا، لكن رصاصات غادرة من بندقية النقيب عبد الستار العبوسي، حطت من رجولته قبل ان تردي العائلة المالكة.. قتلى.. وهم عزل لا يقاومون، بل تركوا المغانم للعسكر اللاهثين وراءها، وتوجهوا لمغادرة قصر الرحاب بشجاعة وابتسامة واثقة ارتسمت على وجه الملك الشاب فيصل الثاني.

نظير اقتتال مهووس بالسلطة بين العسكر تلى نجاح الثورة، وهي ليست ثورة بالمعنى القاموسي للوقائع انما انقلاب عسكري للاستحواذ على السلطة بالقوة، تواصلت بعده سلسلة الوقائع الشنيعة تدمر العراق حتى هذه اللحظة، وكما تقول العجائز (حوبة شباب الملك البريء).

قَتَلَ العسكرُ براءةَ العراقِ يومَ اسقطوا الملكية وقتلوا العائلة المالكة.. عزلاء من دون مقاومة! وهو سلوك اهوج... ما زلنا ندفع دية الملك المغدور، وهو يرحل من دون ان تفارق الابتسامة وجهه الصبي.

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2265 الأحد 04 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم