أقلام حرة

طاس الاغلبية وحمّام الحكومة / ابراهيم الخياط

(وكلهم من طائفة واحدة) الى تشكيل حكومة جديدة تستند الى الاغلبية السياسية، بزعم أن الحكومات "الوطنية" التي حملت ماركات "التوافق" و"الشراكة" و"الوحدة" قد فشلت.

وهكذا، بعد تسع سنوات مهلكات ونيف من سقوط الطاغية، يكتشف ساستنا الفطاحل أن الخطأ والخطيئة في مفردات التوافق والشراكة والوحدة، وان جنّي (الاغلبية) سيخرج من قمقم (المحاصصة) ويحلّ المشاكل والمعضلات والكوارث جميعها، ولن نكون بحاجة الى أربعة مليارات من صندوق النقد  ولا الى مليارين من البنك الدولي حتى نغطي عجز ميزانيتنا الفلكية التي أهدرها التوافقيون والشركاء والوحدويون فيما ستأتي الاغلبية الراقية لتهدم النفق المظلم الطويل وتجعل من الضوء الخافت في نهايته ليس سراجا بل تيار كهربائي وهاج كالشمس.

ولكن، حين ننظر الى الامور بعين وطنية صافية، ونركن العصبيات الطائفية والقومية جانبا، سنعرف بأن حكومة (الاغلبية) ماهي الا رقعة لا تمنع السوء الطافح، وماهي الا توابل قد تغشغش انوفنا الخربانة أصلا ولكنها لا تشفع السمكة (الخايسة) برمتها، وما هي الا بنت هوى من بنات أفكار الاخوة الاعداء.

طبعا، وعدم قناعتنا متأت من سبب بسيط جدا، وهو ان نظام المحاصصة الطائفية المقيت غير قادر وغير مؤهل للقضاء على الازمات بل هو نظام منتج للازمات، ولذا فليست فكرة حكومة الاغلبية سوى ازمة جديدة يطرحها أصحاب الازمة أنفسهم، أصحاب النفوذ والكراسي والمال السياسي، أهل الكتل المتنفذة.

وبدورنا نسأل، ترى من هم أهل الاغلبية السياسية؟ ويأتيك الجواب سهلا سريعا، انهم المتحاصصون أنفسهم، هم أنفسهم الذين، بأغلبيتهم وأقليتهم، كانوا ومازالوا سبب الداء الذي نخر وينخر في جسم العراق، ولايغرنك ان اختلفوا فيما بينهم فهم لا يتخاصمون من أجل المواطن أو الوطن بل لمصالح تتلألأ في ثريا الحكم، والان، حتى لو تشكلت الحكومة المزعومة فبعد تشكيلها ستجد مليون عراقي يردد: (يابه طلع نفس الطاس.. ونفس الحمّام)، لان حكومة الاغلبية المحروسة ما هي الا عبارة عن اعادة توزيع للغنائم، وما هي الا فرصة لمكافأة الموالاة ومعاقبة الخوارج، وأيضا ما هي الا محاولة للتخلص من عقدة ان اربيل باتفاقها الشهير قد نصبت الحكومة الحالية.

 اننا لسنا بحاجة لارباع وأنصاف الحلول، بل بحاجة لان نعبر الطوائف والقوميات والهويات الفرعية، فوزارة الكهرباء ـ مثلا ـ لاتحتاج وزيرا شيعيا أو سنيا أو مسيحيا أو كرديا كي يتحسن أداؤها بل هي تحتاج مهندسا كهربائيا يتحلى بالكفاءة والنزاهة والاخلاص والوطنية، وهكذا دواليك الصحة والتجارة والداخلية وسواها، لذا فعطار الاغلبية لا يمكن أن يصلح ما أفسده دهر الاستبداد والاحتلال والارهاب والمحاصصة الشنيعة.

يقـــول الــــــراوي:

يــا سادة يــا كرام.. كــان يــا مـا كان.. في قــديم الزمــان.. كان في إحدى المــدن عطار، وكانت تعيـش فيها أيضا إمـرأة تتمتع بمسحة عالية من الجمال، ومــع تقدمهـا فـي الـعمر فـقدت الكـثير مـن جمـالها، وكـان يسكـن فـي جـوار مـنزلها ذلك العطـار، فعـرض عليـها بعـض الأعشـاب التـي تعيـد للأيكات بعضـا ممـا يفقدن، فاستغلها العطار مــاليا دون فــائدة تـذكر، فقـال الشــاعر يصـف هــــذه الحـالة:

وعــجوز تـمنت أن تـــكون صبية

                 وقــد يبس الجنبان واحدودب الظهر

تــروح الى العطار تبغي شـــبابها

              وهــل يصـلح العطـار مـا افسـد الدهر

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2266 الأثنين 05 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم