أقلام حرة

مخاضات سياسية (2) اليسار الكردستاني / امين يونس

رُبما يكون هذا التساؤل إستفزازياً للبعض .. ورُبما يُفّسَر من قِبَل آخرين، على انه إنتقاصٌ من قيمة الحزب الشيوعي، أو غُبنٌ في حَق اليساريين بصورةٍ عامة . لكنني سأجازِف بالقول .. بأن هذا الإنطباع، حول ضُعف التيار اليساري ومحدودية تأثيره .. طاغٍ على الساحة الكردستانية، ومحسوسٌ في مختلف مناحي الحياة . وفي إعتقادي، أن هذا الإنطباع السلبي، لم يخلقه .. في جُزءٍ كبير منه .." اليمين " الكردستاني إذا جاز التعبير، ولا الأحزاب القومية الكردية ولا حتى أحزاب الاسلام السياسي [فعلى أية حال، هذه كلها أحزاب سياسية مُنافسة ومن الطبيعي ان تحاولإضعاف وتهميش اليسار].. بل ان " اليسار " نفسه بما فيه الحزب الشيوعي الكردستاني وبالتالي الحزب الشيوعي العراقي .. هُم الذين ساهموا في خَلق هذا الإنطباع عن أنفُسِهم، لدى " الآخرين " .. بسياساتهم الضعيفة والمُرتبكة، منذ 1991 ولغاية اليوم ! .

- النظرية الماركسية اللينينية، التي من " المُفتَرَض " ان الحزب الشيوعي الكردستاني، ينتهجها ويسترشد بها .. أرى انها تقتصرُ على الأدبيات وتَرِد في محاضر الجلسات والإجتماعات .. ولكن ليسَ لها نصيبٌ يُذكَر في الواقع العملي والسياسات المتبعة . وأعتقد ان الفقراء والكادحين في كردستان، لايشعرون ان الحزب الشيوعي، يعمل فعلاً من أجل مصالحهم ويناضل في سبيل حقوقهم .. ولا الفئات المجتمعية كالطلاب وأصحاب المِهَن والنساء، يتحسسون، ان الحزب ومنظماته، قادر على تحسين أوضاعهم، أكثر من الاحزاب القومية او الاسلامية .

- أعتقد ان الحزب إختارَ، الإبتعاد عن " المواجهة " في كافة المجالات، على قَدر الإمكان .. ورُبما كان هذا الموقف فيه بعض الحكمة، في السنين الاولى من تجربة الأقليم وسط الإحترابات الداخلية المُخزِية .. لكنه كما يبدو، إستساغ الأمر تدريجياً .. وأصبح نهجاً مُتبعاً وأسلوباً في التعامل مع الآخرين .. ومُرِرتْ هذه السياسات، تحت مُسميات عديدة، في المؤتمرات والكونفرنسات الحزبية على مدى السنين الماضية . وإرتضى الحزب، ان يكون " شريكاً " صغيراً في العملية السياسية .. شريكاً بلا سُلطةٍ حقيقية ولا أي دورٍ في صُنع القرار .. بل إكتفى أن يستلم " مبلغاً " نقدياً صغيراً من الحزبَين الحاكمَين كُل شهر لمصاريف مقراته ورواتب كوادره، وان يكون له ممثلون في النقابات والاتحادات، ويكون لهم وزير في التشكيلة الوزارية وبعض الموظفين هنا وهناك، وبعض الرتب العسكرية ، وبعد 2003 .. حصلوا على حصةٍ صغيرة، من الرواتب والإمتيازات لكوادرهم .

أي بعبارةٍ اُخرى .. إنشغلَ الحزب في الدرجة الاساسية، في كسب الموارد المالية لمنتسبيه، في حدودها الدُنيا، مُقارنة بأحزاب السلطة وغيرها .. وتحولَ معظم كوادره واتباعه .. الى ما يشبه " الموظفين " الذي يداومون لساعات محدودة في المقرات، ويستلمون الراتب آخر كل شهر .. وإبتعدوا تدريجياً عن النشاط وسط الجماهير، وتلاشى تأثيرهم الفعلي على الشارع .

وليسَ هذا فقط، بل ان الحزب الشيوعي الكردستاني، طيلة سنوات حافلة بالأحداث الجِسام محلياً وأقليمياً .. لم يُبادِر الى القيام، بفعاليات ونشاطات، تُعّبِر عن آراء ومواقف مُختلفة، عن توجهات الحزبَين الحاكمَين في الاقليم، وإكتفى بإصدار بيانات خجولة لايقرأها أحد . وعلى سبيل المثال:  التدخلات العسكرية التركية والإيرانية السافرة وضرب القرى والمناطق الحدودية .. التضييق على حرية التعبير في مناسبات عديدة .. الفساد المُستشري على نطاق واسع في طول الأقليم وعرضه .. بعض مشاريع القوانين السيئة التي مُرِرتْ في البرلمان .. الإعدامات العشوائية بحق المعارضين في ايران .. حملات القمع المستمرة في تركيا .. التطورات في الملف السوري .. إضراب السجناء السياسيين الكرد في سجون تركيا ... الخ . كُل هذه الاحداث وغيرها .. كانَ من المفروض والمُتوقَع، ان يكون للحزب الشيوعي الكردستاني .. في كل مناسبة من هذه .. الدَور البارز والفعاليات الجماهيرية الواضحة والعلنية و[مواقف أكثر يساريةُ وثورية] . لكن هذا لم يحدث، إلا بصورةٍ خجولة وبسيطة ومُتأخرة وإعلامية على الاغلب !.

 

اليوم، وإنتخابات مجالس المحافظات على الأبواب .. ماالذي ينبغي ان يقوم به الحزب الشيوعي الكردستاني، على إفتراض أنه المُمثل الأبرز لليسار الكردستاني ؟ لتدارك الأخطاء السابقة، والضعف والنكوص الذي أصاب الحزب في السنوات الأخيرة ؟

أعتقد، ان بعض المواقف مطلوبة اليوم، من الحزب .. ولكنها بحاجة الى " التضحية " بما يُمكن أن نُسميهِ: الإمتيازات البسيطة الحالية .. فتحالفاته السابقة مع أحزاب السلطة، أثبتتْ قلة جدواها .. والكرسي الوزاري في الحكومات المتعاقبة، لم يُحَسِن وضع الحزب التنظيمي ولا رفعَ من شعبيته .. وحتى مقعد واحد في البرلمان او مجلس المحافظة " والذي يُفّسَر غالباً من قِبَل الآخرين على انه مُساعدة أو مِنّة من الأحزاب الكبيرة ! " .. لم يكن لهم صوتٌ يُذكَر طيلة السنوات الماضية . أرى من الأجدى والأنفع للحزب الشيوعي .. ان يتحلى ب [إستقلالية] فعلية عن الحزبَين الديمقراطي والإتحاد .. لكي يستطيع ممارسة دوره الطليعي المُفترض، للقوى اليسارية والديمقراطية والمدنية في الأقليم . ان الإعتماد مالياً، على الحزبَين الحاكمَين منذ عشرين سنة ولغاية اليوم (لعدم وجود مؤسسات رصينة تُنّظم عمل الأحزاب ومصادر تمويلها].. قَلَصَ من فُرَص إستقلالية موقف الحزب الشيوعي . من الممكن ان يكون قراراً صعباً .. لكني أعتقد انه حان الوقت، لكي يقوم الحزب بتغييرٍ جوهري في سياساته عموماً .

أرى من الضروري .. التنسيق منذ الان مع الحزب الشيوعي العراقي، لكي لاتتكرر تجارب الانتخابات السابقة ويتقاطع موقف الحزبَين .. وكذلك المُبادرة بتشكيل " تيار ديمقراطي " حقيقي وكبير في الأقليم، يضم تحت خيمته طيفاً واسعاً من جميع المتطلعين لِغَدٍ أفضل .

 

.......................................

من نافلة القول .. ان الآراء أعلاه هي آرائي الشخصية، وهي قابلة للخطأ بالتأكيد .. ربما تكون قاسية نوعاً ما .. لكنها على أية حال .. من موقع الحريص وليس المُتشّفي .

  

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2273 الأثنين 12 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم