أقلام حرة

أكثر الآحاد دموية

والعكر لتتبادل إطلاق الاتهامات الجوفاء الخرقاء المغرضة التي تتناسب مع التوجه العام لمطلقها ضد هذا الطرف أو ذاك، فمنهم من يتهم دول الجوار ومنهم من يتهم أزلام النظام المقبور ومنهم من يتهم نوابا آخرين أو كتلا سياسية أو قوائم انتخابية بعينها. والذي يهمني من كل أنواع هذه الأنواع هو ما يخص اتهام النواب بعضهم للبعض الآخر بشكل علني أو خفي مستور واتهام الكتل السياسية بعضها للبعض الآخر لأني أجد أن هؤلاء القوم أبرياء حقا بقدر ما هم مجرمون.

 أبرياء لأنهم جميعا باستثناء الأسماء المعروفة التي ثبت تورطها بالدم العراقي وثبت اشتغال عوائلهم وأبنائهم  بالإرهاب الفعلي المنظم والمؤثر والتي لم يتجرأ المجلس على رفع الحصانة عنها إلى الآن رغم الإدانات المتكررة لها، هم أضعف من أن يقوموا بمثل هذه الأعمال الكبيرة ولا يملكون عقليات لها قدرة التخطيط لمثل هذه الهجمات الخسيسة ولا إمكانية القيام بهكذا عمل تخريبي كبير.

 ولكنهم في ذات الوقت مجرمون حقيقيون ولا يقل عملهم الإجرامي عن عمل الإرهابيين الذين نفذوا الجريمة الغادرة لأن الكثير من المعلومات المهمة تصل إلى الإرهابيين عن طريق بعضهم، ولأن بعضهم يشارك مشاركة فعلية في تنفيذ العمليات، وبعضهم يستخدم هوياته الرسمية وباجاته وتخويلاته لتمرير الإرهابيين وإيصالهم إلى أهدافهم ولأنهم بعدم توافقهم على أمر ما مهما صغر، وباختلافهم على كل الأمور التي من الممكن أن تدفع العملية السياسية للأمام، وبمحاولاتهم المستميتة لتحقيق المكاسب الفئوية على حساب مصلحة الشعب والمكاسب الشخصانية على حساب مصلحة الأمة ونيل رضا أسياد الخارج على حساب فقراء الداخل مما أوهى العملية السياسية برمتها وخلق فجوات ومنافذ ومناطق رخوة يسهل اختراقها وتنفيذ الأعمال العدوانية من خلالها.فهم لو لم يكونوا مختلفين في كل الأمور حتى التافهة منها لما تمكن الإرهابي من الوصول إلى عقر دار الحكومة والطرق على رأسها بتفجيرين كبيرين وليس بواحد فقط، وإذا كانت الحكومة لم تتأثر أو تتأذى جراء التفجيرات لأنها تضع الشعب عازلا فالمصيبة التي أصابت الشعب تدمي القلب وتوجع الفؤاد ولاسيما أن الضحايا لم يكونوا من فئة بعينها بل من كل ألوان الطيف العراقي بما يؤكد أن مرتكب الجرم الخسيس ليس عراقيا بالمرة ولا دين له ولا يؤمن بعقيدة سماوية أو أرضية.

من جانب آخر نجد أن كل القائمين على العملية السياسية والإدارية في الدولة لا يقلون مسئولية عن النواب ورؤساء الكتل لأنهم مشغولون في نفس الأعمال المخزية التي شغلت النواب تحت قبة البرلمان ولذا يتحملون وزر الجريمة ويجب أن يتحملوا عقابها.

وبعد هذا أجيب من يسألني عن المجرم الحقيقي الذي نفذ جريمة الأحد قائلا بلا خوف أو وجل أننا جميعا نقع تحت طائلة المسئولية بأنواعها الشرعية والوطنية والأخلاقية والمهنية ونحن جميعا مقصرون ونستوجب العقاب وغضب الإله ابتداء من أكبر رجل دين وأكبر رجل دولة إلى اصغر مؤمن وموظف في الدولة وإلى الشرطي الواقف في أقصى سيطرة أمنية في أرض العراق وصولا إلى كل عراقي ساهم ولو بكلمة في إذكاء نار الفتنة الحمقاء التي كانت جرائم تفجير قبة الإمامين العسكريين وما تلاها من أعمال إجرامية وصولا إلى جرائم الأربعاء الدامي والأحد الذي لا أعرف ماذا سيطلقون عليه من اسم من تداعياتها من تداعياتها. ولا يوجد بيننا بريء أبدا لأن مجرد سكوتنا على ما يحدث جريمة كبيرة وعقابها كبير.

أما الذين يتهمون سوريا وإيران والسعودية وغيرها من الدول فهم محقون أيضا لأن كل هذه الدول وبلا استثناء ساهمت بشكل أو بآخر في كل الجرائم التي وقعت لكنني أسألكم بالله ماذا عملنا لهم وما هي الإجراءات المقابلة التي اتخذناها بحقهم؟ ماذا عملت هيئة علماء المسلمين وهي ترى بأم عينها ملايين الدولارات تجمع بعد الصلاة في المساجد السعودية من السذج والبسطاء والمخدوعين والمغرضين والأغبياء باسم الجهاد لتنفيذ عمليات الأربعاء والأحد؟ماذا عمل الوقفان السني والشيعي وهما يريان ويسمعان ويعرفان أن ألإرهابيين ومتفجراتهم يتسللون من الدول السنية والشيعية بشكل منظم؟ ماذا عملت السلطات وهي كما ورد على لسان إحدى النائبات اليوم تعرف بدخول إرهابيين من سوريا لتنفيذ هذه العمليات قبل يومين من الجريمة؟ ماذا عمل رجل الأمن الذي يحمل جهاز كشف المتفجرات المتطور ويقف في السيطرات الأمنية القريبة من مكان الجريمتين؟ ماذا عمل التاجر والمثقف والصحفي والمواطن البسيط ؟ ماذا عمل السياسي وهو يرى المجرمين يسعون لإفشال العملية السياسية برمتها؟

ماذا عملنا؟ وماذا يمكن أن نعمل؟ وهل من المعقول أن نبقى جميعا واجمين بانتظار أحد الإرهابيين المجرمين السفلة لكي يأتي محملا بحقد التاريخ كله ليصبه على رؤوسنا متى شاء أسياده ذلك ؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1209 الاثنين 26/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم