أقلام حرة

ثورات الحد الأدنى / وائل مصباح عبد المحسن

بكثير وإن الخلاص من هذا الظلام تمثل في قيام الثورات العربية، ولكن من المؤكد أيضا أن هناك من سيندس ليسئ ويخرب ليحاول تغير المسار أو ليركب الموجة الصاعدة بعد أن أيقن أن الحكام الطغاة انتهوا، يريد أن يكسب ود الشعب ويقول له أنا معك في هذه اللحظة التاريخية، لذا وجب أن نعرف من أين أتت أفكار الثورات العربية؟

هل ولدت في كتابات الفلاسفة أو كبار الكُتاب و المفكرين أو حتى الإعلاميين؟
هل السياسيين المعارضين _ مجازاً_ هم من قادوا تلك الثورات؟

لا بكل تأكيد!
إن الثورة في أي بلد ما هي إلا حركة سياسية ينتقل بها المجتمع من حال سلبية إلى حال إيجابية، من الركود والموت إلى حال الحياة والحركة والتجدد والتي تطبع الإنسان والمكان والزمان بطابعها الجديد، وإذا لم تستطيع أن تنتقل به انتقالاً جذرياً سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وفكرياً فلا يمكن أن نطلق عليها أنها ثورة حتى ولو أسقطت نظاما وأقامت آخر!
ورغم أن لكل ثورة ثقافتها وقيمها وفلسفتها وأخلاقها وأثرها الاجتماعي السياسي والاقتصادي والفكري قد كانت ثورات الربيع العربي في تونس ومصر وليبيا واليمن والآن في سوريا متشابهة إلى حداً ما فلقد وضعت نهاية لفكرة المُخلص أو الفتوة التي طالما داعبت أحلام الشعوب العربية للخروج مما هي فيه من استبداد، على طريقة جمال عبد الناصر ومقلديه فيما بعد صدام حسين والقذافي، كما أكدت الثورة على قوة الجسد العاري وأنها وحدها تستطيع قهر ومقاومة القمع، في المقابل لا يستطيع أحد قهر ومقاومة الجماهير الغاضبة لتنتقل بالعالم العربي بدوله ومجتمعاته وبالقوة الشعبية السلمية من حال التخلف والظلم والعبودية إلى التقدم والعدل والحرية واستعادة الكرامة للإنسان العربي.
والملاحظ أن الثورات العربية لم تهدأ بعد وستظل كذلك حتى تطبع هذه الثورات أبنائها بطابعها الخاص فلا عبودية ولا ظلم ولا فساد ولا استبداد ولا طبقية اقتصادية تستأثر بالثروة، ولا طغيان يستأثر بالسلطة، ولا سجون ولا معتقلات!!
فعندما اندلعت الثورة الفرنسية_ الثورة الأم_عام 1789أعقبتها انتفاضات وارتدادات لان البعض قد ينتابه الحنين لعهود القياصرة والملوك، نعم هناك فئة من البشر لا تستطيع أن تعيش إلا في الظل ولا تحسن إلا التملق والتزلف للسلطات فإذا حرمتها الثورات من هذه الموهبة فسوف يضطرون للعيش بعرق جبينهم، ولكن عصر القياصرة في فرنسا وفي أوربا قد انتهى ولا عودة فيه والبوابة قد تحطمت ففرنسا_البلد الذي قامت به الثورة_

احتاجت لثمانين عاماً لكي تنعم بالديمقراطية الحقيقية، وألمانيا مائة وثلاثين عاماً.
أما في وطننا العربي فلن يطول هذا القدر من السنين حتى يصيغ الشعب نظريته الديمقراطية لمعطيات عصرنا الراهن السريع، المهم أن تكون هناك أسس ثابتة لتداول السلطة ولتكن هناك آلية واضحة سهلة لاختيار حاكم بجد، أو لاقتلاع أخر مستبد، وأن تكون هناك ثوابت محددة ومعلنة، ومثل هذه المقدمات متوفرة في بلادنا، ولكن ليتصارع المصارعون ولتهدأ النفوس ويبدأ الكل بالبحث عن الاستقرار، وسيجدونه حتماً، فالجسد الواهن العليل سيستعيد النبض وتعود الحياة لعضلاته آنذاك فقط سيتمكن من العمل والإنتاج، ولكن لا تطلبوا من الثورات الوليدة أن تفعل لكم المعجزات خلال أشهر أو سنين فهذه يقظة أهل المقابر!!
ويجب أن نؤكد على أن هدف هذه الثورات ليس مجرد الإطاحة بالأنظمة الاستبدادية وإنما بناء أنظمة بديلة تحترم كرامة الفرد وتحمي حريته، وإذا لم يتحقق هذا الهدف، فإن ثمة خللاً جوهرياً في فهمنا لإيديولوجياتها لذا فإن ما يجري الآن في العالم العربي يمكن وصفه بثورات (الحد الأدنى) التي حققت فقط جزءاً من المعادلة الشهيرة "إسقاط النظام"في حين لا يزال الجزء الأهم وهو بناء نظام جديد ومحترم يبحث عن هوية محددة من أجل بناء مجتمع حقيقي يضمن ألا يُعاد فيه إنتاج آليات الاستبداد وثقافة التوريث المهني مجدداً.
إلى اللقاء في المقال الثاني


وائل مصباح عبد المحسن

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك وفي تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2274 الثلاثاء 13 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم