أقلام حرة

نجاح أوباما يُثبت نسب "الربيع" إلى ليفي بن صهيون وحمد بن موزة! / إيناس نجلاوي

ردّ جحا: لا. فقال الرجل: ما دمت لا تعرفني، فلماذا تسلّم عليّ بحرارة؟!

أجاب جحا: سبحان الله. لقد رأيت عباءتك مثل عباءتي، وعمامتك مثل عمامتي، فظننتك أنا!!

 

حِرْصُ الديمقراطي أوباما على خدمة مصالح اللوبي اليهودي مثل حِرْصِ الجمهوري رومني، وانحياز أوباما السافر للكيان الصهيوني مثل انحياز رومني. فيظن المرء أنّ الحاج حسين أوباما والسيد مِيتْ رومني شخصان متطابقان لا فرق بينهما، ووجهان لعملة واحدة مرسوم عليها عين الدجال الأعور؛ إله الماسونيين المنتظر والذي سيحكم العالم باسمهم، ويحكمون العالم باسمه (ورسم العين داخل مثلث موجود فعلا على ورقة الدولار)...

قبل ولوج أوباما البيت الأبيض لأول مرة، كتبت مقالا بعنوان ("البلاك بيري ثم الكلب"... وغزة، يا سيادة الرئيس؟)، وقد نشر في أسبوعية المحقق عدد 150 (من السبت 31جانفي إلى الجمعة 6فيفري 2009). وكتبت في آخر المقال: "هذا ما يشغل بال الرئيس الجديد ويقض مضجعه: هاتفه المحبوب وجرو لابنتيه، أما غزة فلها أولمرت وعليها مبارك. هذه المقدمات لا تبشر بخير أبدا، بل بعهدة سوداء على العرب، أكثر سوادا من سحنة أوباما الداكنة. (...) هذا الجديد الهجين الغامض الذي لا ندري بعد إن كان ماكرا يتخفى وراء السخافة أم هو ساذج في الأصل. وبرأيي، فإن أبيضا معتوها خير من أسود تافه."

كتبت أيضا –في نفس المقال- أن الأيام سوف تثبت أن عهدتي بوش –بكل مساوئهما والدمار الذي حل بالعراق- "أرحم" و "أهون" بكثير من القادم...

والأيام قد أثبتت أن سياسة بوش العدوانية المباشرة "أخف" ضررا من سياسة أوباما الماكرة المستترة خلف شعارات نشر الديمقراطية ومساندة تحرير الشعوب العربية...

من المتعارف عليه، أن اللوبي الصهيوني في أمريكا يتحكم في الجمعية الانتخابية وله اليد الطولى في تعيين حاكم الولايات المتحدة؛ المتحكمة بدورها في العالم. فإذا ما أراد اللوبي الصهيوني شن الحروب واحتلال الدول، اختار مرشح الحزب الجمهوري؛ حزب الصقور الكاسرة. أما إذا رغب في الهدوء السطحي المؤقت، مالت كفته نحو مرشح الحزب الديمقراطي؛ حزب حمائم السلام.

وليس معنى ذلك أن الحزب الديمقراطي اقل كفاءة واستعدادا من الجمهوري في تأدية فروض الطاعة والولاء لحراس المعبد الماسوني. كلا الحزبين يضعان صوب أولوياتهما المصلحة العليا للكيان الصهيوني وأرض إسرائيل الكبرى، ويلتقيان عند هذا الهدف، لكنهما يختلفان في الأسلوب. فالحزب الجمهوري وحش مفترس ينقض بسرعة على فريسته ويمزقها إربا إربا بكل برودة، كما فعل بالعراق. ولا يخفي الجمهوريون ازدراؤهم للعرب والمسلمين عامة، وهوسهم بالحروب، وينتهجون علنا سياسة الدفاع المطلق عن الكيان الصهيوني ويفخرون بذلك، حتى أن ابرز الجمهوريين هم المحافظون الجدد ذوي الأصول اليهودية الصهيونية كديك تشيني، كونداليزا رايس، دونالد رامسفيلد...

أما الحزب المنافس الديمقراطي فهو أشبه بالأفعى السامة؛ جلدها ناعم وملمسها حرير، لكن لسعتها مميتة، مِثل أوباما: ظاهره نصف مسلم ونصف مسيحي، لكن باطنه شيطان ماسوني. يركن الديمقراطيون غالبا إلى الحوار لإحلال الديمقراطية والسلام؛ يلوّحون من بعيد بجزرة، وبمجرد الاقتراب يتضح أن الجزرة ليست سوى عصا غليظة!

يترقب اليهود بفارغ الصبر نشوب حرب عالمية ثالثة (معركة هرمجدون) تتقاتل فيها كل شعوب الأرض (الأغيار) وتفنى باستثناء اليهود. وتكتب تلك الحرب الكونية نهاية العالم وتكون إيذانا بتملك اليهود للعالم وإقامة مملكة إسرائيل؛ مملكة الرب حسب تلمودهم.

لأجل هذا الغرض يحيا اليهود ويسعون على مدى كل التاريخ القديم والحديث لتحقيق هذا الحلم المجنون وتحويله إلى حقيقة و أمر واقع. بسبب هذه الرغبة المريضة، تتسارع وتيرة الأحداث في العالم –خاصة العربي- وتشتد حدة الأزمات وتزيد بؤر الاضطراب ويحتدم الصراع. والرقم 11 له ما له من قداسة وعظمة ورمزية في العقيدة الصهيونية (وقد أشرت إلى ذلك في مقال سابق). فبعد11سنة من حرب الخليج الأولى، جرى انتخاب بوش الابن ليكمل ما بدأه الأب. ولكن خلال انتخابات 2005، كانت كل التكهنات تشير إلى فوز المنافس الديمقراطي بسبب أن بوش سقطت أسهمه سقوطا حرا، ليس فقط لغبائه وجهله الفاضح وانعدام ذوقه وسوء تقديره. بل أيضا لأنه أرهق الخزينة الأمريكية وجيوب دافعي الضرائب الأمريكان الذين تحملوا نفقات حرب غاشمة لا أسباب ولا دوافع ولا مبررات لها سوى سرقة البترول والآثار وتركيع البلاد التي علمت الكون القانون والحضارة والثأر لأسر اليهود في بابل في فترة من التاريخ القديم. وفي الأخير، لم تثبت أية صلة لصدام ببن لادن ولم يعثر على أي قنابل نووية في العراق ولا حتى محاولة لتخصيب اليورانيوم، بل على العكس جعل الغزاة الفلوجة حقلا لتجريب أسلحة الدمار الشامل الأمريكية!

فكانت شعبية بوش تتناسب تناسبا عكسيا مع التوابيت القادمة من العراق، والتي كانت تحط سرا في ظلام الليل في أرضية المطارات العسكرية الأمريكية حاملة رفات جنودها الذين دنسوا ارض النحرين وقضوا هناك. فكلما ازداد عدد العلوج القتلى، تناقص التأييد الشعبي لسياسة بوش وازداد السخط والحنق عليه. ورغم كل ذلك، تمكن بوش من الحصول على عهدة ثانية (2005-09) وذلك لأن اللوبي الصهيوني الحاكم قدّر أن المهمة القذرة في العراق لم تنته بعد، فقرر الإبقاء عليه لاستكمال تدمير بغداد.

بعد عهدتين متتاليتين، كان لزاما على الحزب الجمهوري أن يركن إلى "الراحة" ويبتعد قليلا عن تصدّر واجهة الأحداث، خصوصا وأن سمعة الولايات المتحدة كدولة متحضرة و رمز للديمقراطية وراعية لتحرر الشعوب؛ تلك السمعة نزلت أسفل سافلين إلى الدرك الأسفل.

وجاء عن الحزب الديمقراطي باراك أوباما، فتنفس العالم العربي الصعداء واستبشر العربان خيرا بقدومه، فزايدوا في التمجيد بجذوره "الإسلامية" والتغني بأصله الإفريقي الطيب. وقد كانت القاهرة أول محطة عربية له بعد انتخابه؛ فهلّلت الصحافة المصرية للحدث الجلل، واعتبرت تمييزه لمصر عن سائر الأقطار العربية وتفضله بزيارتها دلالة على أفضلية ارض الكنانة. ومن جامعة القاهرة، أعلن أوباما عن انطلاق تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الكبير، لكن كثرة التطبيل لـ"القائد المسلم حسين أوباما فاتح القاهرة" حالت دون استيعابنا لمغزى كلامه ودلالة زيارته، إلى أن وقعت الطامة الكبرى وباغتنا ربيع برنارد ليفي في شتاء 2011.

المتفائلون بما اصطلح عليه الإعلام العالمي الصهيوني "الربيع العربي"، يرون في أضغاث أحلامهم قيام ثورات شعبية –من والى الشعب- أزاحت الطغاة وحررت المواطن العربي من قيود الظلم العسكري ومن أغلال العبودية والذل والخوف، وحققت العدالة الاجتماعية والديمقراطية وأتت بقيادات صالحة "تخشى الله" جاءت اثر انتخابات "نزيهة". ويتمنى الذين لم يطلهم بعد الربيع، أن تهب نسماته سريعا على دولهم لتخليصهم من الزمرة الحاكمة الفاسدة.

المستبشرون بالربيع لا يريدون الاستيقاظ من نومهم الحالم لرؤية الحقيقة البشعة. لا يريدون إدراك التهديد الذي يمثله السلفيون التكفيريون المتخلفون على تونس الخضراء. لا يريدون الاعتراف بأن ليبيا تفككت وانقسمت إلى قبائل مسلحة متناحرة، وأن سيناء انفصلت فعليا عن مصر. لا يريدون رؤية مسابح الدماء التي تغوص فيها سوريا. ولا يريدون أن يلعنوا حمد بن موزة بن صهيون ومفتيه القرضاوي اللذان أشعلا نار الفتنة وحرضا على القتل بمباركة صديقهم وسيدهم برنارد ليفي الذي يظهر دوما وسط "الثوار" الشباب ويشاركهم احتفالهم عقب كل "تحرير" و "إسقاط ديكتاتور" و "نجاح ثورة"!!

يظن المتفائلون أن الربيع صناعة شعبية خالصة ولدت من رحم القهر والحرمان، طوت صفحة الاستبداد، و رست بالدول الربيعية على شاطئ الحرية والديمقراطية والتطور، ويتوهمون أن موعد تحرير فلسطين قد اقترب. وفق وجهة النظر هذه، فإن "الربيع" "العربي" يشكل تهديدا لوجود الكيان الصهيوني وبقاءه!

لكن –في واقع الحال- لم نسمع أن الكيان الصهيوني دق ناقوس الخطر أو ارتعدت فرائصه لوصول الإخوان الحكم أو استنجد بماما أمريكا لتعرقل مسيرة الربيع وتفشلها. بل على العكس، نراه مستمتعا بالتفرج على العرب يقتلون بعضهم البعض وسعيدا برسالة الغرام التي أرسلها مرسي إلى بيريز ومنتشيا بإعادة تقسيم الوطن العربي وتفكيكه إلى دويلات صغيرة متخاصمة. وهذا ما يفسر مباركة إعادة انتخاب أوباما لعهدة أخرى (بدأت كسابقتها بالاعتداء على غزة) كدليل على إتقانه للدور المرسوم له وتنفيذه القسم الأول من خطة سايكس بيكو 2 بحذافيرها، والآتي أمرّ...

من الطبيعي أن تتم الاستعانة بالحزب الجمهوري بعد مرور 11سنة على أحداث سبتمبر الاصطناعية، لكن حدث العكس وفضل اللوبي الصهيوني الإبقاء على أوباما عوض إنجاح رومني. وتعود أسباب اختيارهم هذا إلى أن إستراتيجية الحرب الناعمة التي انتهجتها إدارة أوباما كانت أكثر نفعا وأقل خسائر بالنسبة للولايات المتحدة والمخطط الصهيوني في المنطقة. وقد تميزت سياسة أوباما بالانتقال من استعداء الخارج لأمريكا واستعداء أمريكا للخارج –بسبب عدوانية الجمهوريين- إلى استعداء العرب بعضهم لبعض داخل الدولة الواحدة؛ أي تدمير الدول العربية بأقل التكاليف من خلال نظام الإدارة عن بعد، مع الإيحاء بأن كل ما يحدث هو صناعة عربية بحتة.

الآن ليس على أمريكا حرج، فالعرب –والأفارقة أيضا- يتقاتلون فيما بينهم، وأمريكا تراقب من بعيد وتدعم بقوة "حق الشعوب في تقرير مصيرها"!! ولا تتدخل إلا حين تتلقى طلب مساعدة أو يصلها نداء استغاثة، شريطة أن يكون المستغيث نفطيا، أما في حالة غياب البترول –كما في سوريا- فيتعذر على أمريكا والغرب تلبية النداء!

هذا هو الأسلوب الأمريكي الجديد؛ استغلال العرب وتوريطهم في الإقتتالات الداخلية لتحقيق المشروع الصهيوأمريكي في المنطقة. فأن يدّمر العرب أوطانهم وأنفسهم بأنفسهم "أحسن" و أرخص من أن تحرك أمريكا قوافلها العسكرية وأساطيلها لتدميرهم، عملا بمثل الحاجة هيلاري كلينتون القائل: "إن رأيت عدوك مشغولا بتدمير نفسه، فلا تقاطعه."

إذًا، نجاح أوباما في اقتناص عهدة ثانية يعني أن أسلوب الحرب الناعمة أتى بثماره. ويعني أيضا أن الربيع فشل بالنسبة للعرب، ونجح بالنسبة للمخطط الصهيوني. وتأكد اليهود مجددا أن تحرير العرب لفلسطين مازال بعيدا، بعيدا جدا، أبعد ممّا نتصور ويتصورون. الربيع عاد بنا إلى الوراء بسنوات ضوئية، أبعد مما رمى بنا حكامنا المستبدون. وبدل السعي لإعادة فلسطين للبيت العربي، انفرط العقد وسقط العديد من الدول العربية.

سقوط فلسطين سنة 1948 كان النكبة، ثم جاء الربيع بعد 63سنة ليكون النكبة الثانية. فالربيع الذي تباركه أمريكا وترعاه فرنسا وبريطانيا ويسكت عنه الكيان الصهيوني يستحيل أن يكون في مصلحة العرب ونهضتهم و وحدتهم... و لعنة الله على من أوقد نيران الفتنة وتسبب في سفك الدماء...

 

بقلم: إيناس نجلاوي- خنشلة

أستاذة بجامعة تبسة- الجزائر

 

 

تابع موضوعك على الفيس بوك  وفي   تويتر المثقف

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2277 السبت 17 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم