أقلام حرة

الأقصى بين كماشات: التدنيس، والخزي، والتآمر الكوني

 الأربعاء من أكتوبرعام 2009...هل هواستحقاق؟ أم تقديس. أم تدنيس؟... يتساءلون !!!

 

 أولا :التدنيس الاسرائيلي والتآمر الغربي

ان قضية الأقصى: قضية كونية بالمعنىالانساني النبيل، وليس بمعنى اصطلاح الكونية  الانسانوي humanisteالغربي، كمفهوم مستورد، يتكررتكرارا أهبلا لدى زمرة من الكتاب عندنا، حين يلقفون جزافا مصطلحات من غيرهم، مستغفلين كونها منشآت ( سوسيو- أنثربو - ثقافية)، أفرزتها حضارة الغرب التكنولوجى المعاصر، وولدت على الأرض الأوربية، لتعكس قيمه المتصارعة داخل أمهاته الكبرى، من هيلينية ورومانية وتوراتية ومسيحية ووضعية وعلمانية وتنويرية واستعمارية وحداثية وما بعد – حداتية - وهلم جرا، وانعكاساتها على تاريخه الطويل والمعقد الذي أفرزمفاهيم انقلابية حداثية، للاجابة على تساؤلاته وصراعاته التي هي من مميزات كيانه العام التي لا يخرج عنها في تفاعله اليومي مع الارتجاجات التي تصيبه مع الآخر أوالعوالم الأخرى، وهذه من صلب طبيعة الغرب الجوهرية-لمن لا يعرفه من الداخل-

 

وما هو انساني كوني بالجزرالبريطانية ومنظري رؤاها الفلسفسة والفكرية، لايسري كذلك على الاثنيات والحضارات والثقافات في ما وراء البحار، في مستعمراتها التي لا تغيب عنها الشمس،

 

 كما أن التنويرالكوني لفولتير، وروسو، ومونتسكيو وديدرو، لم يعرف النور قط في مستعمرات فرنسا حتي آخر مجازرها بالجزائر واباداتها بافريقيا السوداء بدءا من البونابارتية التنويرية في القرن التاسع عشر الى أوحر الستينات من القرن الماضي،

 

 ومن هذا المنظور، فان الاقصى والقدس لايحركان أشجان الفرنسي أو الأسباني، أوأوالانجليزي، أو الايسلندي، بقدرما يحركه موت دب في أعالي الآلب الفرنسي، اوفيل أبيض في الموزامبيق، أو اضطهاد مثلي شاذا في السودان أوالرباط

 

 ومن باب الشيء بالشيء يذكرأقول :

هل من الصدف أن يتم الهجوم على غزة، مباشرة بعيدا جتماع مجموعة بروكسل لوزراء خارجية المجموعةالأووبية، في شهرديسمبرمن عام 2008 تحت رئاسة كوشنير وزيرالخارجية الفرنسية، عندما اختلت به وزيرة الخارجية الاسرائيلية ليفني لساعات أمام دهشة وتساؤلات المؤتمرين، ليخرج من خلوته الحميمية مع ليفني، لدفع المؤتمرين الى التصويت بالاجماع على رفع سقف المساعادات اللامحدودة واللامشروطة على جميع الأصعدةلاسرئيل؟ ثم كان ماكان من حرب الابادة على غزة أمام صمت مجموعة بركسل حين أعلنت المجموعة الأوروبية بأن اسرائيل تدافع عن نفسها في ابادتها النازية على غزة

 

وهل من الصدف أن يعلن ممثل الدبولوماسية الأوربية ورئيسها خافيرسولانا من القدس على العالم يومه الأربعاء 21 من شهر أكتوبر لعام 2009 أمام حشود ديبلوماسيين أوربيين، ورجال أعمال دوليين بأن اسرائيل عضو رسمي بالمجموعة الأوربية بدون أن تكون عضوا في مؤسساتها علما بأن اسرائيل لم تكن مرشحة قط للعضوية الأوربية،

 

فما السر وراء هذا التكريم؟ استحقاق؟ام تقديس؟.. ثم تتزايد الحملة على تدنيس الأقصى مجرد اعلان هذا التكريم؟.

 

 فأين هي الأخلاق الكونية و المبادئ الانسانية الكونية ؟؟ و العدل والسلم الدوليين ؟؟ وعن أي أخلاق كونية (كانطية-هيغلية) نتحدث؟بل وعن أي كونية يتحدثون؟؟؟؟؟؟؟

 

لكن رباه !!أي بوارحاق بأمتنا ونخبناوشعوبنا، حتى أضحى الأقصى على شفيرالتدنيس الكلي، والضياع القطعي، فصرنا الى قحط كاسح من الايمان والكرامة والنخوة والعزة، ننعم في دياجيرالبرابرية الأخلاقية والانسانية والعته والبله.

 

 تالله ما أفجعها من مأساة هاته التي يرزح تحت سماجة فصولها نخبنا، ومثقفونا، وساساتنا، وشعوبنا

 انها وضعية انحلالية لا انسانية شاذة لا تطاق..، فان ما يجرى حاليا في القدس، لهومن الخطورة التاريخية بمكان، بحيث لا يتعلق الأمربمجرد محاولة لطمس لمعالم المسجدالأقصى، أومجردعملية استفزازيةعابرة لقطعان اليهود الشاردة، أوشطحة تلمودية-صوفية لليمين المتطرف اليهودى–كما يحلولبعضنا تسميتهم جهلا-أو مجرد ضغوط جماعات محدودة للوبي الصهيوني كما كتب البعض، بل انه مشروع ومخطط منظم (غربي- اسرائيلي ) !!!.. بل انه مؤشرخطير لمفترق طريق صعب حاسم بين الشرق والغرب، وانحراف تاريخي للمنعطف الخطير لمسار حوارات الحضارات، وسد كل السبل أمام امكانية تلاقحها أو تلاقيها، بل يهدف الكيان الصهيونى بمعية المجموعة الأوربية، على الاصرار علىخصوصية المنظورالتاريخي التلمودى الكوني للمنطقة والتذكير بخصوصية الغرب الحضارية والدينية والثقافية عبراسرائيل، باعتبارها العضو النابض والاداة التنفيذية للتراث الغربي الحي للحضارة الغربية في المنطقة، وتسويغا لما يحدث من عمليات التفكيك (اسرائيل في فلسطين، والأورو–أطلسي عبروليده الشرعى الولايات المتحدة الأمريكية في باقي مناطق العالم الاسلامي) ..

 

والا فلماذا لم تتحرك المنظمات الانسانية الدوليةالمكلفة بحماية التراث الحضاري الانساني

 أين هي منظمة اليونسكو؟ والمؤتمرالاسلامي؟ والجامعةالعربية؟ والجمعيات ا لمدنية؟ والمنظمات الحقوقية؟ ورابطات العالم الاسلامي والكنائسي العالمي بستراسبورغ؟ ورابطات الكتاب؟ ونقابات المحامين والحقوقيين؟ وكل ذي ضمير حي من المبدعين والاعلاميين والصحافيين؟

 

 فلا بد من محاسبة خافير سولانا المفوض الأوروربي، وتحميله نتائج ما قد سيحدث للأقصى وللمعتصمين به ومضايقته بالكتابات والفاكسات والانتقادات !!!!! والى فننتظر كلنا الطوفان

 

أم أن مسجد القدس ليس تراثا انسانيا بالمفهوم الغربي ؟وأن الفلسطينيين المعتصمين بالأقصى ليسوا من بشرهذا الكوكب؟في انتظار ميلاد منظمة انسانية دولية بعدابادتهم وتدنيس مقدساتهم على هدي ما حدث للهنود الحمر؟..

 

ولذا فان من يود فهم ما يجرى فىهذه اللحظات في القدس وفي المنطقة، فلا يملك الاالى العودة الىفهم مصطلح السيادة imperium بمعناها الامبريالى الرومانى القديم... وان عمليلت التدنيس التهويد لمقدساتنا، قد تجاوزت كل التصورات الساذجةلطبيعةوسمات الغرب وخصوصياته...، فالغرب هنا كمفهوم اغريقي -وثني-روماني-تلمودي -بروتستاني حسب ما يجرى في المنطقة، يسفرعن كل مفاتيح أسراراه التي تستهف فصل هذا الانسان الشرقي وحرمانه من وجهه المرتبط بالسماء، وسلخه عنها وبطحه على الأرض قصد مسخه.. (أى مسخ انسان الشرق بمسخ معتقداته).

 

فلسان حال الغرب الراهن يمكن اجماله باختصار في... صيحة الجنرال الفرنسي جورو المنتشية المشهورة. استيقظ ياصلاح الدين لقد عدنا (عندما وطئ قبرقاهرالصليبيين بقدميه بدمشق اثرمعاهدة فرساي لتأكيداستيلاء فرنساعلى بلاد الشام)...

 

 ان تكريم اسرائيل لتشجيعها لما يجري في الأقصى ليتسفرعن الضمير الجمعى-التاريخي-الثقافي) للغرب نحوالمنطقة كلها، التى ماهى الاانعكاسا لسيرورته عبرالزمن الطويل، والتى تمتد جذوره فى ثقافة السيادة التى ما زالت تهتدى بهدى روماالخالدة-ابنة أورشليم-منذ أن نصبت نفسها أم البشرية وعبقريتهاالأولى، تسويغاللغزووالتدمير والابادة المقدسة، مستلهمة قوة روح عدائها للشرق باستمرار، من الحماس المتولد من قلق آلهات الاغريق في عليائها، ومن هواجس انتظار اليهود للمخلص، للهيمنة النهائية على العالم، مما يلهب ايمان الغرب الأعمى في تجديد دماء روما الخالدة، التي تحولت الى رمزفى مسارتاريخ الغرب الفكري والثقافي والحضاري، والتى اقتدت بها كل أوربا لاحقا في ملحماتها الكبرى الكولونيالية

 

ولست هنا بصدد سردالتاريخ، وعرض التنظيرات الفلسفية الغربية، ولكن للتذكيرفقط بدورالارادة القوية للتركيبة المعقدة لذلك المزيج الغريب المتكون من التصورات- اليهودية الهيلينية-الرومانية الكالفانية (البروتستانتية) التى تجذر للمفهومية الامبريالية المتعالية بالتبشير برسالته الأخلاقية في تحريرالبشرمن بؤسهم و اعلاء شأن الأفراد بتخليصهم من معتقداتهم بسحقهم واستغلالهم وابادتهم، ومسخهم بالمعاداة الثقافية واستأصال الجذور.

 

ان تشريح الانسان... هو مفتاح فهم تشريح القرد.. . كارل ماركس

فهناك جدلية مفصلية ومحورية بين سجع الكهان فى التوراة اليهودية (صاحب الابادة المقدسة للأغيار) وما بين أعراف أثيناوتقاليد روما، والتصورالضمني الغربي اليوم الذي كشر عن أنيابه وأضراسهأ واسفر عن مشاريعه القادمة للمنطقة عبرالتدمير والحروب

 

وعلى الرغم من أن الالحاد المعاصر، واللامبالاة الدينية، وعقليات التغريب في العالم شرقاوغربا، تمنع الناس من حق حريةالتفكيرفي نظريةالمؤامرة فسنقول بأن الغرب نفسه-خارج نظرية المؤامرة- يقدم لنا أبجديات كيفية قراءته حسب التراث (الهيغلي- الماركسى) لفهمه وفق العبارة الشهيرة لماركس التي قالها لانغلز ان تشريح الانسان... هو مفتاح فهم تشريح القرد وبالتالى فلسنا بحاجة الى سبر حفريات الغرب، أوالبحث عن الخيوط العنكبوتية للمؤامرة لفهم تركيبته التشريحية المعقدة.. فيكفي معاينة ما يجرى الآن فى المنطقة بمسوغات عقلانية سواء للدمقرطة أوتخليص الشعوب من ديكتارياتها،، أو تنميتها أو تحديثها، لفهم مغاليق تلك العلاقة الجدلية بين أسفار التوراة والسيادة الرومانية... و النزوع الى الابادات المقدسة المتأصلة في الدولة العبرية ولدى الغرب التنويرى الحداثي

 

 الخزي العربي

 

انه لامجال للحياد فى التاريخ، فالبشر منذ القديم اتفقت على قراءته كأحداث ووقائع، فهو لايرحم، و لا يمكن تفسيره بالغفلة أو بالتغافل أو التحايل..

 

وأحيانا للغز، تتكررأحداث فنسميها –رغبة منا في التبسيط- باعادة التاريخ لنفسه... وقد يعيد نفسه أولا ليعيده، فلايهمنا، فهذا طرح وذاك نقيضه، ولكنه بمنطق الأحداث الحالية يعيد نفسه..

ولعبثية القدر !!يأبى العرب الا أن يعيدونه،. والفرق الشاسع بين صنع التاريخ، والتعرض للعنته

وبمنطق الغفلة والتغافل، تدخل الأنظمة العربية التاريخ من بابه الأوسع، ولكن.. لا لصنعه...

وبمنطق الغفلة والتغافل حدثت سايكس –بيكو.. وكانوا كلهم علىعلم بها، لأن لينين زمنها فضح لعبة السمسرة الغربية في المنطقة بعد التآمرعلى طرد العثمانيين المسلمين حماة القدس بعد رفض هولاء بيع فلسطين مقابل سد كل ديونها المتراكمة

وبنفس المنطق، فضلوا التغاضي عن الانذار، وتغافلوا تحت هدهدة وطمأنينات الخارجية البريطانية ومراوغات الخارجية الفرنسية.

وبمنطق الفهلوة والشطارة غطوا في نومهم وازدادوا غفلة..، متيقنين من الظفربهبات وصدقات سماسرة سايكس- بيكو وبلفور

وبمنطق الاستغفال، استيقظواعلى لعنة التاريخ، منكصين رؤوسهم، وراضين منالغنيمة بالاياب، ، مستيقظين على نحيب الثكالى، وبكاء الاطفال، وأنين العجزة ودماء شباب فلسطين..

 

وبمنطق أهل الكهف وأصحاب الرقيم يستيقظون لقراءة التاريخ من آخره، مكتفين بالحوارت  والاعتدال و الواقعية و الحكمة و التعقل مع الجهل بأبسط قواعد ترشيد الصراع مع الكيان الصهيوني–عقلانيا-للحفاظ على مصالح شعوبهم بطرح بدائل كثيرة يملكونها تزكية لقوة مفاوضاتهم

 

 

 

وبمنطق العدالة واحقاق الحق.. سيقرلهم التاريخ غدا بخيانة الأمانة والاصرار على النذالة

انها الشطارة العربية البديلة عن النخوة العربية بالانبطاح أمام العنجهية الصهيو-غربية

 فمتى كانت القزامة مأثرة ومنقبة

ومتىكانت الفهلوة والشطارة عبقرية

ومتى كانت الغفلة والاستغفال والبلادة كياسة وفطانة

ولو سألتهم ما سلككم في هذا السبيل؟ لأجابوا :انها قرارات المبصرين الشرفاء هناك في الغرب. فسحقا للغفلة والمغفلين.. والانهزاميين

 

فالغرب نفسه لايدري أين المفر، فأزماته الفكرية قاتلة...، وفقاعات فلسفاته المتضاربة والمتناحرة التي يولدهاعند غروب كل مساء متبخرة!فهويعيش ما بعدكل شىء ! بعدوصوله الى اللااستقرار واللامعنى واللاغاية و اللايقين بحثا عن اليقين...

 

 فكل البراديغمات الغربية الجديدة أقفرت... منذ أول مشروع الاحتواء المزدوج -لمارتن انديك فى الثمانينات... الى مشروع الشرق الاوسط الكبيرفى حرب افغانستان والهجمة على العراق، وحربي الابادة على لبنان وغزة، وصولا الى المشروع الربانى- التلمودى الحالىعلىالمسجد الأقصى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1209 الاثنين 26/10/2009)

 

في المثقف اليوم