أقلام حرة

ابو بكر وعلي طرفا الهجرة والخلافة / منير حداد

حداثة معاصرة وسلفية معتقة، فرقت ما جمع الرب، خلال هجرة الرسول محمد (ص) من شيخ توكأ عصا ايمانه، التي لم تقل عن عصا موسى التهاما لكيد المشركين، وشاب مكث في فراش الرسول، يفديه بنفسه ايهاما لمن يبغون سفك دم الايمان؛ بقتل محمد (ص).

انطلق الرسول في هجرته من الشباب مستعينا بخبرة الشيوخ، في موعظة كبرى اعطتنا اعظم دروس الوعي بفلسفة التاريخ وفقه الايمان.

كأن الرب يتحرز للفتنة المقبلة، جاعلا خط سير الرسول من علي الى ابي بكر، اللذان بدأت الخلافة الاسلامية وانتهت بهما، درسا وحكمة الهية كبرى!

اذ قال الرسول محمد (ص) بان الاختلاف في امته رحمة، وتنوعت تفسيرات ناقلي الحديث النبوي وتضافرت ايضاحات شارحي معانيه العظيمة، لتلتقي التباينات عند المعنى القاموسي لمفردة (اختلاف) انسجاما مع الازاحة التداولية لها.

فالاختلاف يأخذ بعدين اجرائيين هما الاختلاف في الارض، التوزع بين افاقها نشرا لهدى الاسلام، والاختلاف بمعناه المعروف كتباين في وجهات النظر، وما يترتب على هذا التباين من كيفيات في تمريره.. احتقانا او تفريجا.

رب اختلاف يفهم على انه سعي في مناكب الارض يشرح الصدر المهموم، واختلاف في الرأي يوضح اللبس ويفك شفرة خطأ ما بنيت عليه المواقف.

كلاهما افتدى الرسول بنفسه.. والجود بالنفس اسمى غاية الجود.. من بات في فراشه تحت جنون القتلة المتآمرين على رسول الله، ومن هاجر معه مطلوبا للملاحقين يتناهشون الصحراء بسيوفهم.

وبهذا تحقق تكامل فقهي في معنى الجهاد، من مكث في السرير ومن هاجر في الصحراء، كلاهما جاهد بطريقته، وذاد عن حمى دعوة الايمان بالله من خلال الاسلام.. دينا حنيفا.

وهنا يأخذ الاختلاف معنى اجرائيا ثالثا يرحله من بين سطور القاموس، والفهم الاجرائي، الى منظومة جهادية جديدة تبنى على تباين الموقفين، فكلاهما مجاهد.. ابو بكر الصديق (رض) وهو يهاجر مع الرسول بثقل سنوات عمره، كي يدافع عنه ضد طالبي رأسه الشريف، من المشركين، الذين علموا في هجرته تأسيسا حقيقيا لحضارة الايمان الاسلامي التي ترصنت في ما بعد وما زال بنيانها يعلو حتى هذه اللحظة المتردية من تاريخ المسلمين.. وعلي بن ابي طالب (ع) كان لمكوثه في فراش الرسول جهاد يعرضه لنهب سيوف المشركين.

ما يتطلب تحررا من رسوخ الوعي الاستاتيكي القار في موضع لا مرونة فيه ترتقي الى فضاءات الفهم، تخففا من اعباء الخبائث التي دست على الاسلام، والاسلام يتطهر منها باسقاط الورق اليابس كي تظل شجرته الوارفة خضراء تسر الناظر والعقل.. وتبهج المؤمنين.

" اما الزبد فيذهب جفاءً واما ما ينفع الناس فيمكث في الارض".

وتلك هي الحكمة الكبرى التي قدمتها هجرة الرسول آخذا ابا بكر معه "اذ هما في الغار" ومخلفا عليا في فراشه، ليتكامل  الاسلام برجال توحدوا في الايمان برسالة محمد التي بعثه بها الله الى العالمين.

الامر الذي يلجم المتقولين حجرا، عندما يتبصر الناس بالمعاني الالهية الكبرى التي جعلت ابا بكر وعليا طرفا الهجرة وهما طرفا الخلافة بعد الرسول.

انها لموعظة كبرى، تتجدد في كل زمان ومكان من دون ان تبلى.

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2281 الاربعاء 21 / 11 / 2012)


في المثقف اليوم