أقلام حرة

رَبيعُ إسلامْ لاَيْتْ / محمد الشاوي

هذه  "الثورات" التي غيرت وأسقطت الإستبداد والديكتاتورية إلى حكومات جديدة قد تكون منبثقة من "روح الشعب" وقد تكون " منزلة" من أطراف خفية بهدف إماطة أذى النظام القديم وتأسيس نظام جديد على أنقاضه، باسم ديمقراطية الشعب الذي "يريد إسقاط النظام" وإستبداله بنظام آخر .

وبلغة أخرى لقد مل الشعب نفس الهندام الذي يرتديه طيلة عقود من الزمن، ورغم قدمه وظهور ثقوب وعيوب فيه، قرر الشعب أن يقوم "بترقيع" الهندام،لكن بعد طول فترة " الترقيع" قرر أن يلبس لباسا جديداً يتناسب مع "موضة العصر" أطلق عليه " لباس ثورات الربيع العربي " بنكهة " إسلام لايتْ" أو الإسلام المعتدل الذي لا إفراط فيه ولا تفريط، برعاية سامية لأمريكا داعية السلم العالمي، وكرد فعل ضد الإسلام السلفي لإبن تيمية وبن عبد الوهاب الذي طوره من بعده.

إنه رد فعل ضد الإشتراكية التي دخلت إلى الوطن العربي بهدف تنميته إجتماعيا وسياسيا نظرا لهجرة الكثير من الأدمغة العربية إلى الغرب الذي صدر إلينا هذه التجربة التي أُسيء فهمها حسب الفيلسوف الفرنسي " جاك ديريدا " فنجاحها في الغرب كان فشلا وإخفاقا في الدول العربية، التي لم تترجم المعنى الصحيح للإشتراكية  communisme الذي يعني ما هو إجتماعي sociale وليس بالمعنى الذي فهمت به على أن أشترك معك الملكية والأسرة والأكل ...

إن معناها الحقيقي هو الإجتماعي وليس الإشتراكي كما تمت ترجمته.إنها وكما نظر لها الفيلسوف الألماني " كارل ماركس" تخدم الطبقات المحرومة والعاملة  " البروليتاريا".أوليست الإشتراكية (الإجتماعية) هي أرقى ما ستصل إيه الماركسية حسب هذا الفيلسوف؟

لقد فهمت  الإشتراكية وكذلك الماركسية،  باعتبارها فلسفة إجتماعية بطرقة خاطئة ومغلوطة جنت على من تبناها باسم قدحي ك" الإلحاد" و " الخروج عن الملة"... 

إن " إسلام لايْتْ" هو رد فعل ضد " القومية العربية" التي دعا إليها الكثير من الساسة العرب و القائدة، على رأسهم " جمال عبد الناصر" الذي حاول أن يؤسس ما أسماه ب: " الناصرية" على إسمه كمزيج بين الإشتراكية والنظام الرأسمالي الليبرالي  وبعض ماجاء في الإقتصاد الإسلامي، حتي

وإن لم يفصح بذلك، جاعلا من" الناصرية" كفلسفة ومذهب إقتصادي وسياسي، ولعل أبرز مثال على ذلك " الثورة الزراعية والصناعية " التي دعا إليها هذا القائد، فهو أول مصري صعيدي الأصل يحكم مصر منذ أن كان الأثراك في الحكم  بعد الفراعنة المؤسسون لحضارة مصر العظيمة.

لكن السؤال الإشكالي الأساسي الذي يشغل كاتب هذا المقال يمكن بسطه على النحو التالي: ماسر قيام هذه الثورات ضد النظام من جهة وضد الحكام من جهة أخرى؟

وما الحاجة إلى الإسلام لايت؟

يكمن هذا السر في كون الحراك الذي عرفه العالم العربي هو حراك تاريخي إنبنى وتأسس على تراكمات أساسها صراع جدلي إرتبط بالبنية الإقتصادية التي إنعكست على السياسة المتمثلة في النظام، الشيء الذي ساهم في بروز هذا النوع من الإسلام الذي ليس بالسلفي المحض وليس أيضاً بالشيعي، إنه إسلام جاء بين - بين، يتوسطهما خلسة وبدون إستأذان، بعدماأصبح الإسلام السلفي يمثل في نظر الغرب (وأمريكا على الخصوص) يمثل " الإرهاب" بينما الإسلام الشيعي فهو يمثل الإسلام الخارج عن ما جاء به الرسول عليه السلام لإرتباطه بالإتباع ل علي كرم الله وجهه،كأنه هو الذي يجب أن يختص بالوحي والرسالة ؟ 

وهذه قراءة لا أساس لها من الصواب يُرَوَجُ لها،لخلق صراعات بين السنة و الشيعة، على مستوى العقيدة والشريعة...

 لكن حينما يكون هذا الإسلام " لايْتْ " وعلى "خفيف" يقبل بالغرب ولا يعمل دائماً بالشورى، بل يعمل بما تمليه أمريكا والدول التي تشترك معها الهيمنة والتسلح وعلى رأسهم إسرائيل في خفاء لا نظير له.

إذ سيفرز هذا الإسلام وجوها جديدة نحت نحو إعتناقه والدعوة إليه ك " تركيا"التي تصدرت الواجهة ويأتي بعد ذلك الدول التي إقتدت بها وسعت نحو منوالها خصوصا دول المغرب العربي من جهة ومن جهة أخرى دول " ثورات الربيع العربي " في كل من تونس ومصر وليبيا واليمن وسوريا ...مع موقف قد يكون متحفضا ل إيران .

أما دول الخليج والحجاز فهي تحتفظ بتوجهها في الظاهر أما الباطن فيعلمه الله، وتبقى السعودية راعية الإسلام السلفي والمدافعة عنه باسم الحرمين، ورغم ذلك فهي تعتبر نفسها "المنقد من الضلال" وإسلامها هو الحقيقي ولا تشوبه الشوائب، مادامت هي من يعمل على مد يد العون ل " صندوق النقد الدولي" حينما تشتد أزمته فإنها تنفرج على يد "الإسلام السلفي " وبالأموال المدخرة من الحج والعمرة ؟؟

أما عندنا في المغرب فلا تستغرب، فهو الذي حارب وعلى مر التاريخ المد الإشتراكي وخصوصا اليساري الذي دعاإلى النهوض بالبلاد نحو فلسفة إجتماعية كانت ستقودنا إلى منافسة الصين و اليابان وباقي الدول الصناعية، مع أول حكومة ترأسها عبد الله إبراهيم باسم " الإتحاد الوطني للقوات الشعبية" (التي كانت بعد حكومة بلافريج الإستقلالية)، فقد عملت هذه الحكومة على هيكلة البنية الإقتصادية للدولة وتأسيس عدة منجزات،مازالت إلى اليوم كصندوق المقاصة وصندوق الإيداع والتدبير، العملة النقدية ...

لكن سرعان ما أُجهضت هذه المحاولة وتم نسفهامن طرف جيوب المقاومة من الداخل من خلال تأسيس حزب " الفديك" " جبهة الدفاع عن المؤسسات الدستورية" من طرف رضا كديرة وآخرين.وبالموازاة مع ذلك تمت محاربة اليسار من طرف أحزاب اليمين من جهة، ودعم سلفي مشرقي من جهة أخرى، الشيء الذي ساهم في خلق صراعات بين قلعة اليسار وقلعة الإسلام السلفي الذي دخل في مواجهة مع الإسلام الطرقي الذي كان قديما قبيل الإستقلال الذي قعدت له الزوايا .

فضلا على ذلك سيظهر من داخل هذا الصراع إضطرابات ومشاكل في سياسة الدولة وداخل المجتمع ساهمت في ظهور عمليات إرهابية باسم " السلفية الجهادية" التي حولت الإسلام إلى إرهاب في نظر الغرب .

وكان الحل أن تلجأ الدولة إلى  خلق إسلام معتدل " لاَيْتْ " لضرب المد السلفي المشرقي في المغرب الذي تدعمه السعودية ولتوجيه ضربة قاضية لليسار.

إن هذا الإسلام المأمرك سيجعل المغرب دولة لم تعد إرهابية في نظر الغرب مادام هو الواجهة التي يرحب بها بديمقراطية تم إختيارها من طرف مختلف الشرائح الإجتماعية وكفرز لما قدمه الحراك العربي والثورات العربية، إنه إسلام إكتسح صناديق الإقتراع بنزاهة لا تكتمل إلا بالتحالف على شكل حكومة إئتلافية لانظير لها، حينما يتحالف اليسار مع اليمين ..؟ والسلفي الليبيرالي( حزب الإستقلال)  مع الإسلامي المعتدل ومع اليسار

التقدمي والإشتراكي ؟؟أي تحالف هذا؟ 

إنه تحالف مهجن مصيره كمصير الحيوانات المهجنة قد تصمد لفترات بسيطة تم مآلها الموت .

وتحالفنا مصيره الموت في قبر  سبق وأن دفن به الكثيرون يسمى "مزبلة التاريخ ".

 

أستاذ وكاتب مغربي

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2283 الجمعة 23 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم