أقلام حرة

مؤتمر الدفاع عن الاديان والمذاهب في العراق (3) / امين يونس

.. تَحّمستُ للحضور والمُشاركة، أنا الذي لا أطيق الإجتماعات والمؤتمرات .. وذلك لسببٍ بسيط: هو فرصة اللقاء المُباشر، مع بعضٍ من الذين أنا مُعجب كثيراً بكتاباتهم .. آخذاً بنظر الإعتبار، إحتمال ان لا تسنح الفُرصة، للتعرف والتحدث، مع الكثيرين، لضيق الوقت .. ولكن الإلتقاء بواحدٍ أو إثنين منهم يكفيني . ومع إحترامي الشديد، للمرامي النبيلة والمقاصد الإنسانية، للمؤتمر، بصورةٍ عامة، وأهمية ما طُرح فيه من افكار ورؤى .. فأنني أعترف، بأن أكثر ما دفعني الى المُشاركة، ليسَ هو الإقامة في فندقٍ راقٍ ولا الطعام المُقّدَم ولا الإستماع الى محاضراتٍ بعضها مُمِل [كما وردَ في بعض التعليقات المُتحاملة، على مقالي الأول] .. ولكن هو إستغلال فترات الإستراحة، والجلوس مع الشخصيات الثقافية التي أحترمها كثيراً، والتحدث اليهم وتبادل الآراء معهم .

في الدقائق الأولى لوصولي، تعرفتُ على الكاتب المُحترم "صفوت جلال الجباري"، الذي سبقَ لي وقرأتُ الكثير من مقالاته، وعلمتُ انه مع آخرين أسَسَ " الجمعية الكردية / الامازيغية " وشرح لي بإختصار أهدافها .. وبعدها بقليل، إلتقيتُ بالكاتب الجميل  " دانا جلال" الذي اُتابع مقالاته بإستمرار وأراه قريباً مني كثيراً، تعرفتُ عليهِ دون وسيط، من صورته على الأنترنيت، وكذلك فعلَ هو ! .. كنتُ أعتمد على ذاكرتي والصور المنشورة مع الكتابات في الانترنيت ..

لكن عندما إكتشفتُ ان السيد الذي أتحدث معه، هو "عقيل الناصري" الذي أقرأ له بإستمرار، والذي لم يكن يشبه الصورة المطبوعة في ذهني، عنهُ .. هذا السيد ذو الشعر الأبيض، المملوء بالحيوية والنشاط، دائم الحركة هنا وهناك، المُبتسم على طول الخَط والمُهتم بالجميع بروحهِ الشبابية الرائعة .. كَمْ جميلٌ إندفاع هذا الرجُل وتفانيهِ . 

طالما تابعتُ القاضي "زهير كاظم عبود" على شاشة فضائية الفيحاء خاصةً، في السنوات السابقة، وقرأتُ بعضاً من كُتبه القيمة والكثير من مقالاته.. فإزدادَ إعجابي به، بعدَ التعرف عليه عن كثب وملاحظة تواضعه الجَم، وأخبرته بأن صديقي الأيزيدي المهندس في دهوك، من أشد المُعجبين بكتاباته ولا سيما كتابه الأخير .

لا اُخفي إعجابي الشديد، بِكُل كتابات " فارس كمال نظمي "، الذي سبق وإلتقيتُ به لدقائق معدودة، في مؤتمرٍ للبيئةِ في دهوك قبلَ أسابيع .. فأسعدني التعرف عليه أكثر هنا في مؤتمر السليمانية .. وأهداني كتاباً من كُتبه .. وكُتيباً او ديواناً صغيراً، يَضُم " تفاجأتُ بذلك " بعض أشعارهِ ! . هذا العبقري في " علم النفس " .. شاعرٌ أيضاً .

رأيتُ "عبد المُنعم الأعسم" قادماً، فنهضتُ لمصافحتهِ .. وعرَفتهُ بنفسي .. فتَّذكَرَ فوراً، بأنني أرسلتُ مقالاً قبل أشهر الى جريدة التيار الديمقراطي، وان ذلك المقال سببَ بعض الإشكالات في حينها .. وأعطاني العدد الاخير من الجريدة . الغريب أنني شعرتُ بالألفة مع الأعسم وكأنني أعرفه منذ زمن بعيد . وكان قريباً جداً لِما رسمتهُ، عنهُ، في مخيلتي : واثقاً، بسيطاً متواضعاً، مرحاً مبتسماً، قريباً الى القلب .

انا من المتابعين لِكُل كتابات "رشيد الخيون" .. والمعجبين بإسلوبه الفذ، في مزاوجة التراث مع الحاضر .. ونظرته النقدية للواقع الاجتماعي . أخبرتهُ بذلك مُباشرةً، بعد تعارفنا .. وكانتْ محاضرته او مشاركته في اليوم الاول للمؤتمر، من الفقرات الممتعة والمفيدة .. إذ كّثفَ آراءه العامة في العشرين دقيقة المُخصصة له .

كنتُ جالساً على مقعدٍ، أثناء الإستراحة .. مُقابل رجُلَين تتوسطهما أمرأة .. مندمجين في الحديث .. ثم قَدم آخر ذو شعرٍ أبيض بالكامل، وسّلَم على "العجوز" الذي كان جالساً قبالتي .. وجلسَ على مقعدٍ قريب .. وسرعان ما سمعتُ الرجل ذو الشعر الأبيض، يسأل الذي بجانبهِ مُشيراً إلَي: أليسَ هذا امين يونس؟ إنتبهتً ونظرتُ تجاهه، وسألتهُ فوراً: ألستَ الدكتور صادق؟ فقام وتصافحنا طويلاً .. انه "صادق البلادي" الذي اُتابع كل كتاباته، والذي يقوم بدورهِ كما يبدو، بقراءة مقالاتي .. وسعدتُ فعلاً بملاقاة هذا الانسان الطيب، وإكتشفتُ ان لنا صديقاً مُشتركاً، وهو إستاذ في جامعة دهوك .

غادرتْ المرأة التي كانتْ جالسة بجانب العجوز قبالتي .. فسألَني " العجوز " : من أينَ أتيتَ أيها السيد ؟ قلت : من دهوك وانا كاتب . مّد لي يده وقال : أنا "صلاح نيازي" أتشرف بمعرفتك . سألني : أين تكتب في العادة ؟ قلت : في الحوار المتمدن . قال : زوجتي أيضاً تكتب في نفس الموقع .. هل سمعتَ بها .. أسمها " سميرة المانع " ؟ نعم وانا مُعجبٌ بكتاباتها بالفعل . قال ضاحكاً : أنتَ معجب بكتاباتها، أم انت معجب بها، لأنها جميلة؟! أجبتهُ: الإثنينِ معاً . تذكرتُ ان في مكتبتي كتابَين على الأقل ل "صلاح نيازي"، لكن لم تسعفني الذاكرة بإسترجاع العناوين .. تركَ نيازي، لديَ إنطباعاً قوياً .. فهو لايشبه أحداً من الحاضرين .. فهو أكبر الجميع عُمراً كما يظهر .. لكنه كالمغناطيس يجُركَ جراً الى الحديث، والإستماع الى كلماته التي ينتقيها بِدقة .. ولكن بسهولةٍ ويُسر .. والإستمتاع بالإستماع .. وسرعان ما تنسى، انك أمامَ قامةٍ ثقافية عملاقة .. وتنساق الى الحديث، وكأنكما صديقان قديمان .. أعتقدُ انه من أندَر الموجودين واكثرهم تأثيراً في النفس !.

يبدو ان إعتقادي، كان خاطئاً .. بكون الكاتب الكبير والمترجم البارع "صلاح نيازي"، هو الأكبر عُمراً في المؤتمر .. ففي إستراحة العصر .. رأيتُ شيخاً طاعناً في السن جالساً بجانب نيازي، وهما يتبادلان حديثاً مَرحاً كما يبدو، من خلال ضحكهما . إقتربتُ وجلستُ قربهما .. وإذا بالطاعن في السن "خالد القشطيني" بعظمه وجلدهِ "إذ يفتقر القشطيني لللحم والشحم" .. صورة القشطيني في عموده في الشرق الاوسط، قديمةٌ نوعاً ما .. فلقد أحنَتْ الأيام، ظهر الكاتب القدير وجعلتْهُ يمشي بمساعدة عُكاز .. لكنه على أية حال، كما يبدو عالي المعنويات، مرحاً، ساخراً .. كما هو في كتاباته .

في الركُن البعيد من القاعة .. ترائى لي .. أن هنالك رجل دينِ مُعّمَم، وفوق ذلك عمامته سوداء .. فكرتُ انه رُبما يكون "أحمد القبانجي" الذي طالما رأيتُ صوره في الانترنيت، وشاهدتُ مقابلاته في التلفزيون .. لم اُصّدِق ظني في البداية .. لكنني بعد إقترابي أكثر، تأكدتُ انه هو بالذات . لم أتوانى في الذهاب اليه مُباشرة (انا المُترَدِد عادةً) .. وتقديم نفسي له، والإعراب عن إعجابي بأفكاره وطروحاته .. المُختلفة عن الشائع والتيار العام . بَهرَني بتواضعه الجَم وبساطته، وترحيبه بالتعرف علي، ونيته بزيارة دهوك في المستقبل القريب ! .

تعرفتُ عن كثب، على "مموعثمان" الإنسان والمثقف الكبير، ورجعنا معاً الى دهوك .. وعلى "سعيد عدنان" النجفي المولد والديواني الإقامة .. على "كاترين ميخائيل" الشاهدة الشجاعة في محاكمة صدام .. على الفنان الكبير "عقيل مهدي" .. على دينامو المؤتمر "نهاد القاضي" .. على المبدع " ابراهيم الخياط " وعلى الكبير "ياسين النصير" .. وعلى الكاتب "علي يحيى". ولو إمتدَ المؤتمر لأيام اُخرى .. لكنتُ تعرفتُ على شخصياتٍ مرموقةٍ اُخرى بالتأكيد .

  

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2287 الثلاثاء 27 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم