أقلام حرة

بلد ألمخاوف / ماجد العاتي

صباح الخير ياوجهي الذي حفر فيه الزمن والوسادة أخاديد منها  مؤقتة، ومنها دائمة لاتمحى .

 

(صباح الخير)

(صباح النور) الإجابة لابد منها وإلا اتهمت بقلة التهذيب والتعالي والغضب من لاشيء، وتبدأ رحلة ألخير ألمزعوم  ألذي تمناه لي الغير، والذي أملته لنفسي على الأقل . لكن أي خير أرتجي .

و (صباح خير) أخيره هي كمفتاح لقمقم مارد المخاوف في نفسي، وينهمر شلال ألقلق

مخاوف أن لا أجد ماء في حنفية ألحمام كي أغسل وجهي المجعد بفعل الزمن والوسادة، ومخاوف أن ترسلني ربة البيت كي اشتري بيضا لفطور الصباح وأنا اكره الحركة والثرثرة قبل الفطور، ومخاوف أن لا يعمل محرك سيارتي، وما ينتج عنه من بهذلة  وقلة قيمة، ومخاوف أن لايعجب مظهري رب العمل فيفتعل الأسباب كي ينهي خدماتي .

وفي الطريق لعملي تأتي المخاوف بصورة مزدوجة  لا تترك لي مجال للتفكير بحل احدها فمن جملتها مخاوفي أن  اصدم احدهم بسيارتي أو يصدمني أحدهم وما يتبعها من مشاكل وتدخل الشرطة والجيش والمحاكم  والعشائر وتبرز الرشوة كمفتاح لحل كل الأزمات، رغم إني لا املكها.

أهرب من مخاوفي فأبحث عن مفتاح المذياع كي يخفف عني ما أحمل من وساوس، لكني بهذا كنت كالمستجير من الرمضاء بالنار، فلو كانت فترة أخبار رأس الساعة ستسمع الأخبار السيئة كلها وبالجملة فمن الانفجارات ألظالمة  إلى القتل بدون سبب وحتى بسبب والاغتصاب للكبار والصغار والخطف وحوادث الطرق وسيكون أهونها هو أخبار الفساد واللصوص وهدر مليارات الدولارات وأرقام تصدير النفط الهائلة والمهولة، وأنا مستغرق بحساب ثروات العراق التي لا تنتهي ، تطرق فتاة صغيرة زجاج نافذة السيارة ألتي أستقلها  تستجدي مني ما تجود به يدي، وابحث في جيوبي عن مبتغاها وأنا العن النفط وبلدان النفط كلها وحتى منظمة (أوبك) أو (اوابك) وأنا اقسم للفتاة بأن هذا النفط الذي يسبح فوقه هذا البلد لم يأتيني منه مقدار نصف برميل، لعن الله الطريق فلقد زاد من مخاوفي،

أتنقل بين محطات الإذاعة  عسى أن اسمع شيئا يشرح الصدر، فأجد محطة تستضيف مسئولا يحاوره المذيع بشؤون البلد، وتعالوا استمعوا للمسئول وهو يصرخ في المذياع عن كيفية مكافحته للفساد والمفسدين وهو يكاد يخرج علي من المذياع من فرط حماسته، فتثار حماستي أنا أيضا واصرخ بالمذياع والمسئول معا، يا ابن العاهرة من هو مكافح الفساد هذا الذي تتحدث عنه ؟ هل هو أنت؟ الست أنت هو عراب الفساد في البلاد؟ الست أنت من كنت تستجدي أعقاب السكائر قبل فترة  لا تتجاوز الكثير، وها أنت الآن تملك ملايين الدولارات؟ من أين أتيت بهذه الملايين وأنت لا تملك شيئا إلا كذبك على الناس ونفاقك الأزلي، انفعلت جدا  ونسيت إني اكلم مذياع فقط مما استدعي شرطي واقف بسيطرة  لا زال ألنعاس يسيطر على قسمات وجهه أن يوقفني لأنه شاهد شيئا مريبا، سألني الشرطي على من تصرخ ألا يعجبك الوضع ؟ألا تحترم القانون؟   بماذا سأجيب ياناس الآمن معين يعينني على إيجاد إجابة اقنع بها  رجل القانون هذا ؟ ماذا سأقول له ؟ هل أقول له بأني كنت اكلم نفسي ؟ أي مجنون أنا  ؟ لعن الله النفط وفلوس النفط وسراق النفط فلقد ساقوني للجنون، اللهم بحق رسولك الأمين أن تجعل امة الغرب (الكافرة) تكتشف وقودا بديلا للنفط كي يعرف كل منا حجمه.ولكي يبقى (نفط ألعرب للعرب) يغسلون به ذنوبهم ألتي لا تنتهي، صدق من قال بأن ألنفط هبة لا نستحقها.

بقدرة قادر يخلي سبيلي رجل الشرطة بعد أن عجز عن فهم مايجول بخاطري، أخلى سبيلي بعد أن تفوه بكلمات مثل (بأنني خطر على القانون، ومثير للشغب، ومحرض على الدولة ومن المحتمل أن أكون إرهابيا وتوعدني إن هو رآني مرة أخري سيلقي القبض علي بتهمة 4 أو أكثر إرهاب  . أو سيحيلني إلى هيئة النزاهة لأنه سمعني أقول .كلهم لصوص،كلهم لصوص)

المخاوف ازدادت، وتصرفاتي أصبحت خرقاء بفعل الارتباك .

وأكمل يوم عملي بدون إبداع ولا اكتشاف ينفع البشرية بوسط تلك ألمخاوف ألعزيزة إياها، خوفي من حوادث ألعمل وما يجره من جعل أطفالي بمرتبة ألأيتام، ومن سيعيلهم ولا قانون هناك ينصفهم ؟ ولائحة كبيرة ومنوعة لمخاوفي.

أنهي عملي وأعود لبيتي ونفس أسباب ألتوتر والتوجس والريبة والقلق تحيطني  وتحلق حولي وهي ترفض مفارقتي أبدا.

وفي ألبيت جعلت أهلي يشعرون بملل مني وأنا أتسمر بمكاني أمام ألتلفزيون، أبحث عن أخبار وطني في كل محطات ألعالم، وطني ألذي أصبح أضحوكة لا تنتهي، وأخبارهم وأخبارنا عن بلدي كلها لا تسر أبدا، ومن أين يأتينا ألخير إذا كانت حكومتنا أو حكومة (الشراكة والشركاء) قد تحولت لمجموعات متناحرة، أعداء يجمعهم حسن المغانم، نسيج متنافر، اتهامات متبادلة، تخوين، إشاعات صحيحة وكاذبة، تحشيد جيوش البلد الواحد ضد البلد الواحد، عراقي يريد أن يلتهم عراقيا آخر، أخبار تجعل المخاوف تركبك من رأسك  لقدميك.

أشعلت سيجارة لا أعرف رقمها بتعداد ألقلق والمخاوف  وزفرت نفسا  كأنه سياط أللهب، وفجأة قررت ممارسة هوايتي الجديدة التي تخفف عني التوتر واعبر بها عن سخطي ورفضي لما يدور حولي، هواية رمي (ألرموت كنترول) لأبعد مسافة لغرض تحطيمه .

تثور زوجتي لتصرفي هذا وتقف على قدميها وهي ترتجف بعصبية بعد أن أعياها وضعي القلق وهذا بعض مما قالت (جاء بالعامية لأنه من ألصعب وصفه ألا بهذه الحالة):-

(شجاك يمعود؟ أنته أتخبلت؟ كل يوم امكسرلك ريمونت  شنو اشصار بيك؟ ذاب حركتك بينا أدري أحنا اللي خربنا العملية السياسية؟ لو احنا اللي نشرنا الفساد بالبلد؟ بعدين تعال اكلك انته يا هو مالتك  اشو همه حراميه ويتعاركون بيناتهم، شفتهم فد يوم ذبوا حرامي من عدهم بالسجن؟ ماكو ولا واحد تعرف ليش؟ لان اذا الزم حرامي راح ايجر وراه حراميه هواي وراح ينفضحون كلهم، كوم ادعي ربك احسن من هذا الخريط السياسي، شنو انته خايف على الكردي لو على السني لو على الشيعي؟ خاف على روحك يمعود الكردي عايش بخير وجاي ايبوك ما الله وعباده ورافع شعار (كردستان مو عراقيه) وفنه اللي يكرب يمنا، لو خايف على ألسنه أصحاب البعد العربي والمشروع الطائفي والله السنة مايرتاحون إلا يأخذون الحكم من الشيعة حتى لو تقسم العراق همه ما يهتمون . لو انته خايف على الشيعة؟ اشو الحكم بيديهم ومن فشل إلى فشل أخر، قادة الشيعة ناس تكره ناس وعندك الحساب، يله كوم نام أحسن الك تصبح على خير).

أذهب لفراشي، لوسادتي التي تجعد الوجه والأحلام  واستغرق في نوم غير مريح.

(صباح الخير) ياوطن لم ولن أجد فيك الراحة فيك أبدا.

 

ماجد ألعاتي

22/11/2012

ألبصره

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2288 الاربعاء 28 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم