أقلام حرة

الفرعونية الجديدة .. ثورة ام انتخابات / منير حداد

تحت عنوان (الاعلان الدستوري) المكمل التي اثارت جدلا تسرب من اجتماعات الهيئة القضائية العليا في ارض الكنانة، الى نقابة الصحفيين المصريين، مرورا بميدان التحرير، وشوارع مصر وسيناء والمحافظات الاخرى.

ردة فعل الشارع المصري، صححت الوهم في حسابات من ظن ان شعب مصر قابل للاحتواء في احضان جماعة (الاخوان المسلمون) بعد ان نجحت المرحلة الاولى من مخططهم بالوصول الى السلطة، مستعجلين لوي الثوابت لصالحهم، على حساب الديمقراطية.

ما يعني ان صالحهم يتنافى مع الديمقراطية، فهم يلجأون الى الشكل القمعي من الاسلام.. سياقات الدولتين الاموية والعباسية، وليس دولة الرسول والخلفاء الراشدين.

يضع الاعلان الدستوري، السلطات كافة بيد رئيس الجمهورية، وكأن الذين اسقطوا (الحتة) الديمقراطية في حسني مبارك، من خلال ثورة  الخامس والعشرين من يونيو 2011، ارادوا نشر الديكتاتورية الاخوانية التي تشغل مرسي كله وليس (حتة) منه.

جمع سلطات الدولة كلها بيد رئيس الجمهورية، اقل ما يرضى به الاخوان المسلمون، تواضعا في غض الطرف عن اشتراطات اخرى، كانوا سيلزمون الشعب بها، وهم سائرون الى الالزام، حتى يستحيلون (طالبان) ثانية ويحيلون القاهرة الى وزيرستان! لولا ان انتفض الشارع المصري تلقائيا؛ فشعب مصر لا يدجن، مهما اغلظ الاخوان التلويح بالعصا، من خلال صلاة مليونية اعقبت صلاة العشاء، مساء السبت الماضي، نظموها مبتهجين الى الله، وليسوا مبتهلين، كي تتحول مصر من بلد ديمقراطي الى فرعونية معاصرة شبيهة بتلك التي سامتنا.. نحن في العراق.. خسفا، طيلة خمس وثلاثين سنة من حكم العسكر البعثي الذي تفرد به الطاغية المقبور صدام حسين، ديكتاتورا لا قبل لمجلس قضاء ولا نواب ولا وزراء ولاحتى حزب البعث الذي اوصله للسلطة، بمناقشة سلطاته المطلقة.. الله في السماء وهو على الارض، وليس ابعد من هذا التناظر قوة في الايغال بجوهر الدولة نفاذا.

الاعلان الدستوري الذي فجع مرسي المصريين به، يفضي الجهات القضائية والدستورية من قوتها، يتغيى وضع هذه القوة بيد الرئيس، من خلالها يسوس الدولة ويصفي غرماءه، الذين بالتأكيد سيطلق عليهم (غرماء الله) لان الاخوان وجهات اسلامية كثيرة، تتصرف على انها ممثلة الله على الارض، بل اكثر من ذلك، يحق لها الاستعجال.. في الدنيا.. بتنفيذ العقوبات التي ارجأها.. سبحانه وتعالى.. الى الاخرة.

ولسوف يمنح الاعلان الدستوري للرئيس حرية.. بل انفلات التفرد بشؤون الدولة، على هوى (الاخوان المسلمون) في البدء، ثم الانقلاب عليهم، كما فعل من قبل هتلر وستالين وفيدل كاسترو وصدام حسين كلهم تنصلوا من التزاماتهم الحزبية التي سوغت لهم قلب ظهر المجن للشعب، لذا فمن يخون لاجل الحزب يخونه بالتالي ومن يقتل لارضاء كيان اوصله الى دفة الرئاسة، يعد القتل تمرينا اوليا على قتل الكيان ذاته، وهذا ما فعله الطغاة اعلاه.

مجرد سماعي لسلسلة القرارات الواردة في الاعلان الدستوري، ادركت ان (الاخوان المسلمون) يعيدون بناء هيكل دكتاتور شبيه بصدام حسين، الذي نشأنا مقموعين في المعتقلات على كيفية انبثاقه من قمقم حزب البعث، ماردا، انفرد بالسلطة مهمشا التنفيذية والتشريعية والقضائية، كلها جمعت بقبضته، ما جعل قرارته الهية قطعية على مبدأ "واطيعوا الله والرسول وأولي الامر منكم".

تنازلت الهيئة العامة في نقابة الصحفيين العراقيين ابان التسعينيات عن صلاحياتها للنقيب المنتخب بقوة الاجتماع والتزكية والعنبر (!؟) عدي صدام حسين، تنازلا نظيرا لشعار ابيه (اذا قال صدام قال العراق).

ومصر.. اذا مرت عليها قرارات مرسي الاخيرة، ستلتف عليها افعى الطغيان، تطويها، فيجد الشعب المصري نفسه ازاء مرسي و(الاخوان المسلمون) بالتهافت الذي انتهى اليه الشعب العراقي، خواءً، نظير قوة صدام حسين المطلقة.

فهي قرارات مفضوحة، يراد بها صنع ديكتاتور مكفول دستوريا، على مبدأ من انفسكم يسلط عليكم.

لكن الشعب المصري العظيم، اثبت انه تلقائي الكرامة، واعتداده باحترامه يسري في دمه نبضا لا يحتاج تحريضا ولا تأليبا، للانتفاض؛ متى ما شعر بان ثمة مؤامرة تحاك للنيل من حريته، تجير الوطنية الى شكل مفبرك من اشكال العبودية.

لان الاخوان راهنوا على تشتت القوى الوطنية في هذه المرحلة التي تمر بها مصر، وظنوا تعذر توحيد الكلمة الشتات، قياسا بتوحد كلمتهم (العليا) وتشظي كلمة الشعب (السفلى) سيركع ارادة بناة الاهرام، لفرعون اخواني جديد، لكن فاجأهم المصريون بان الكرامة لا تخضع لتفاوت في التعريفات النسبية انما هي مطلقة فوق تباين الاراء التي ظنها الاخوان المسلمون انقسامات بين الوطنيين يفيدون منها، في تمرير قرارات تفصل السلطة على قياسات مرشحهم الى يوم القيامة.

فكان الشعب المصري اذكى دراية بمستقبل الحكم، ولسوف يعلم الذين ظلموا اي منقلب ينقلبون.

 

القاضي منير حداد

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2290 الجمعة 30 / 11 / 2012)

في المثقف اليوم