أقلام حرة

الحاجَة .. وبيع الأعضاء البشرية / امين يونس

شابٌ في مُقتَبل العُمر، من محافظات الوسط .. ليسَ له موردٌ ثابت .. ولا وظيفة ولا راتب .. يعمل بصورةٍ مُتقطعة في أي عملٍ مُتاح، لكنه عاجزٌ عن توفيرِ أي مبلغ . أحبّ هذا الشاب الجميل، فتاةً من منطقتهِ .. وبادَلَتْهُ الحُب .. وجرتْ عملية الخطوبة حسب الأصول .. وكانتْ الفتاة، تعرف الظروف المادية الصعبة لخطيبها، وكانتْ هي وأهلها، مُتفهمين .. ولا يُطالبون العريس وأهله، بطلباتٍ ثقيلة . وفي هذه الأثناء .. إلتقى الشاب ب [دّلال أو وسيط] يبحث عن مَنْ [يبيع] كِليته مُقابل نقود ! . ولّما شعرَ الشاب، ان الأبواب مُغلَقة بوجههِ .. والامل مفقود، في تحسين دخله وتوفير مبلغٍ يُمّكِنه من الزواج بحبيبته .. فلقد سارعَ بالموافقة على العَرض .. أخبرَ الشاب أهلهُ ..بأنه ينوي الذهاب الى الشمال للعمل، حيث ان العمل مُتوفرٌ في اقليم كردستان، وكذلك رّدّدَ نفس الكِذبة على خطيبتهِ .. إذ كان مُتأكداً .. لو أنه قالَ الحقيقة، لِما وافقوا .. لا الأهل ولا الخطيبة !. والأدهى من ذلك .. فلقد إتفقَ الدّلال معه .. ان المُشتري سيدفع (15) مليون دينار " في حالة مُطابقة الفحص النسيجي " .. منها (7) ملايين للدّلال .. و (8) ملايين للشاب المُتبرِع ! . إضطَر الشاب للموافقة على العَرض المُجحِف .. آملاً ان المبلغ الذي سوف يحصل عليهِ .. سيُحّقِق اُمنيته بالزواج من التي أحّبَها .

- في الجانب الآخر .. هُنا .. شابٌ آخر مُتزوج من فترةٍ قريبة .. مُصاب بعجزٍ كامل في الكلية، ويحتاج الى زرع واحدة جديدة . جميع المُتبرعين من أهلهِ .. لم تتطابق فحوصاتهم النسيجية مع أنسجته، او كانتْ هنالك موانع اُخرى . ويا للمُصادفة .. فأن كُل الإختبارات التي اُجرِيَتْ على الشاب المُتبرِع القادم من بعيد .. كانتْ متوافقة مع جسم وأنسجة المريض ! . ومن المفروض ان تجري العملية في الأيام القليلة القادمة .

- المأساة تكمن في عدة مُستويات: إفتقار العراق عموماً .. الى [بنوك] لحفظ الاعضاء البشرية، وفق المواصفات العالمية، من اجل إستخدامها لإنقاذ حياة المرضى المُحتاجين والحالات الطارئة .. كذلك النقص في الوعي الإجتماعي والثقافي، ونُدرة وجود اُناسٍ يوافقون مُسبَقاً، على التبرع بأعضائهم في حالة وفاتهم المفاجئ او تعرضهم لحوادث .. او حتى إمتناع الأهل عادةً .. على الموافقة على تشريح الجُثة وإستخدام الأعضاء السليمة في إنقاذ مرضى مُحتاجين . إضافةً الى، عدم إهتمام الحكومات، بصورةٍ جدية .. بهذا الجانب الإنساني المهم، وتوفير السُبُل المعقولة والإستفادة من الخبرات الأجنبية في هذا المجال، وتخصيص أموالٍ كافية لذلك .

من الناحية الإنسانية والإجتماعية .. فأن [الجشع] المُفرط، للدّلالين والوسطاء، واضحٌ في المثال الواقعي أعلاه، فأن نصف المبلغ الذي إستطاع أهل المريض (والذي أعرفهُ شخصياً) جمْعَهُ بالكاد .. يذهبُ للدّلال . كما ان العراق بميزانيته السنوية التي تتجاوز المئة مليار دولار .. عجزَ في السنوات العشرة الماضية .. عن توفيرِ عيشٍ كريم لمواطنيه .. بحيث يضطرُ شابٌ في بداية العشرينيات من عمره .. الى بيع كليتهِ، من أجل ان يتزوج ! .. لعدم توفُر عمل مناسب ولا رعايةٍ من الدولة .

- عدا عن هذا الدّلال او الوسيط أعلاه .. الذي يُتاجر بآلام وإحتياجات الطرفَين، ويحصل على نصف المبلغ .. ويستغل حاجة الجانبَين إليهِ .. ويُفلسِف الأمر ويّدعي بأنه يقوم بعملٍ إنساني ! . فأن هنالك عصابات ولا سيما في بغداد وغيرها، مُختصة بالمُتاجرة بالأعضاء البشرية، اما عن طريق خطف الاطفال والشباب .. أو بالإتفاق مع " المتبرعين " الذين يُعانون من أزمات مالية، وبشروط مُجحفة .

- ان المريض وأهل المريض، في الحالة أعلاه على الأقل .. الذين يحاولون [بِكُل الطُرق المشروعة وغير المشروعة]، الحصول على " كِلية " .. لهم الحق في ذلك، من اجل إنقاذ حياة إبنهم . وحتى لو كانوا، مُتدينين أو يمتلكون شيئاً من الوعي .. فأنهم يحاولون [تبرير] تصّرُفهم، تحت ذريعة : ان التّبَرُع جرى بالتراضي وموافقة الطرف الآخر، بدون أي ضغط ! .

- الجانب الآخر من الصورة السوداء، يتمّثل بالمُتبَرِع .. فهو تحت [ضغط الحاجة والظروف المادية الصعبة] .. يضطر الى القيام، بهذهِ المُجازفة الخطيرة، ولا يحسب تبعاتها المستقبلية .. ولايُفّكِر أساساً بالجانب الإنساني من الموضوع .. بل انه ببساطة " يبيع " جزءاً من جسده، مُقابل مبلغٍ بسيط، يستولي الوسيط على نصفهِ !

- اما الجانب الشديد القتامة، من الموضوع بِرمّته، فهو: الفساد المُستشري في كُل مفاصل دولتنا، والفوضى العارمة وسوء التخطيط، وإستهتار الطبقة السياسية عموماً بمصالح المواطن .. وإنشغالها بالنهب والمنافسات الرامية الى الإستحواذ على مزيد من السلطة والنفوذ، والتحضير لمعارك سخيفة وعبثية، سيكون المواطن البسيط، هو الوقود فيها كالعادة ..

فكل هذه الأموال الطائلة المتحصلة من النفظ .. والميزانيات الضخمة التي تفوق ميزانيات عدة دول .. تذهب هدراً وتختفي في دهاليز الفساد .. في حين ان الأنظمة الصحية في تلك الدول، أفضل مما عندنا بِمراحل !.

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2291 السبت 01 / 12 / 2012)

في المثقف اليوم