تنبيه: نعتذر عن نشر المقالات السياسية بدءا من يوم 1/5/2024م، لتوفير مساحة كافية للمشاركات الفكرية والثقافية والأدبية. شكرا لتفهمكم مع التقدير

أقلام حرة

تذكروها .. إنها جيزاني الجول / توفيق التميمي

سبقت مأساة حلبجة والدجيل وجريمة تجفيف الاهوار بتعرضها لجريمة منسية عندما داهمتها اسراب من الطائرات الصدامية بغارة وحشية في يوم حزيراني من العام 1981 مستهدفة شبابا لم يبلغوا الحلم، روّت دماؤهم عطش بساتين جيزاني للحرية وترجمت رفض اهلها الانصياع للذل والهوان الصدامي، وظلت اسماؤهم تتهادى مع جريان جدولها البائس وتفتح اشجار برتقالها عاما بعد آخر .

ولكن لسوء حظ "جيزاني الجول" لم يُقدر لها من يسوق فجيعتها  للإعلام والتاريخ كما سُوقت نكبات وإبادات مدن حلبجة والدجيل والاهوار، فظلت نكبتها منسية وفاجعتها مهملة في الذاكرة، ولم يكتف البعثيون بجريمتهم تلك بل عاقبوا جميع اهلها بالملاحقة والمطاردة وتهديم بيوت المعارضين منها بالشفلات وحرمان  ابنائها من الوظائف وفرص الدراسات العليا وحتى ترويج معاملاتهم العادية ووصل الامر بمطالبة السلطات الصدامية بمحو اسم قريتهم من عناوينهم في معاملاتهم الرسمية، ولان عشق قريتهم يتخطى عشق ارواحهم رفضوا ذلك الامر التعسفي، وواصل ايتام البعث الصداميون من المرتزقة الظلاميين قتل وتصفية ابناء جيزاني لاسباب طائفية مقيتة، وظلت جيزاني تواصل جراحاتها الماضية بحاضرها الاليم، دون ان تستفز المسؤولين في الدولة الجديدة التي قامت على انقاض من ابادوا بساتين جيزاني وقتلوا ابناءها المعارضين لسلطتهم.

بدعوة من الصديق الشاعر (ابراهيم الخياط) زرت هذه المدينة المنكوبة وأمنية في نفسي بأني سأجد قرية مزدهرة بخضار بساتينها وروعة بيوتها وجمال شوارعها وتقدم الخدمات فيها، وذلك استحقاق طبيعي لانها قرية عراقية اولا، وثانيا لانها مدينة تم استهدافها مرتين، مرة من النظام المباد واخرى من ايتامه الارهابيين.

ولكن احزنني ما رأيت من واقع واحوال هذه المدينة من الاهمال والتردي في خدماتها، حيث كشفت الامطار التي تنتظرها بساتين جيزاني بفارغ الصبر عورات النظام الخدمي وغياب المجاري وسوء الاحوال، كما كشفت لي احاديث وقصص اهاليها الذين التقيت بهم عن جحود ـ مع سبق الاصرار ـ لاستحقاقات اهالي جيزاني من التقدير والمكافأة على تاريخ القسوة والظلم اللذين تعرضت لهما القرية، فثمة امراة جيزانية ولدت ابنها في معتقلات النظام بعد ان اعدم زوجها امامها، وثمة شباب عزل ابادتهم سلطة البعث المبادة وسط بساتين المدينة وهم يعلنون رفضهم للانخراط في سلطة وجيش النظام الدكتاتوري ولا يزال اخوانهم وآباؤهم يعانون البطالة والعوز.

حملني اهالي "جيزاني الجول" الذين خرجوا في اليوم العاشر من محرم عن بكرة ابيهم اطفالا ونساء وشيوخا ليعيدوا تمثيل مأساة كربلاء وما جرى عليها وكأنها تناغي مأساة الجيزاني ومأساة شهدائها من البشر والبساتين، وكأن رسالة طقوس العزاء الكربلائية التي مارسوها بمنتهى الصدق والايمان على مدى يومي التاسع والعاشر من محرم هي صرخة ابناء جيزاني لكل من جحد حقها وأنكر استحقاقها، حمّلني الجيزانيون امانة ايصال حكاياتهم الحافلة بالمآسي ومطالباتهم المشروعة بقرية حديثة تليق بتضحياتهم وتاريخ مواجهتهم لانظمة القسوة والظلام.

انه فعل متواضع حيال امراة ثكلى ولدت في ظلمة زنازن البعثيين وامام أب ثكل بابنه وهو يقاوم جيش الدكتاتورية بين بساتين الجيزاني، وامام بقايا حجارة لبيت تهدم بشفلات النظام الدكتاتوري.

"جيزاني الجول" رغم مرارة وغصة الجحود ونسيان نكبتها فهي لا تزال تزدهر بأشجار البرتقال وتنجب المزيد من الاطفال المعمدين بحب العراق والتضحية من اجله في مختلف الفترات والظروف.

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2293 الأثنين 03 / 12 / 2012)


في المثقف اليوم