أقلام حرة

الدموع مدرسة / فاضل جبر علوان

ولكن تظل الدموع تناضل لتستنهضه، مذكرة إياه باللحظات السعيدة التي عاشها، لتنتشله من اليأس القاتل الذي ألمّ به، وتنجح في الأخير في أن تعيد له النبض المفعم بالحياة، فينطلق من كبوته بنفسٍ جديد متطلّع وبأكثر شفافيّة، لغدٍ أكثر إشراقاً  وازدهاراً، فالدموع غالباً ما تتغير مجرى الأمور في الحياة، إذ تنهمك في سبرغور سريره النفس، بحثاً عن مكوناتها القيّمة وكنوزها النفيسة، لتوظفها في الواقع، وتظلّ هكذا ينبوعاً لا ينضب، يُتحف الحياة بالجديد وما لم يكن في الحسبان وتظل متنفساً لما يعتري النفس من هموم وويلات فلطالما بعثت في النفوس البهجة بعد طول عناء ولطالما هوّنت من هول الصدمات عبير النوائب والفواجع وامتصّت نقمتها وتأثيرها، وكم من المرات التي لا تعدّ ولا تحصى قد ليّنت قُساة القلوب وذوي الأمزجة الفظّة، فالدموع ألهمت الكثير من الشعراء والرسامين والمفكرين والقادة في أن يقّدموا الخالد من أعمالهم، أمّا دموع الفرح فتشيع على الدوام السرور والنشوة إلى النفوس المتعبة، فالدموع كانت وتكون وستكون القبس الذي تهتدي به النفوس الضّالة . إنّ أسباب بقاء الطفل على قيد الحياة في دموعه وصراخه، فالدموع بالنسبة إلى الثكالى بلسم غراء لقلوبهن، إذاً فإن بحر الدموع هو المنتجع الصحي للنفوس والمدرسة الموجة في الحياة وهناك دموع الندم التي غيرت الكثير من نفوس البشر فحوّلت الطالح منها إلى صالح . إن فراق الحبيب هو الأعظم في هذا وذلك فدموع الحبيب غذاء وطهارة للروح  وسمو ما بعده سمو للأخلاق . إنّ ثورات الشعوب وهدّ صروح الظلم والطغيان كان للدموع اليد الطولى في وقوعها . فالدموع في ظاهرها تبدو معبّرة عن الخنوع والانكسار ولكن باطنها ثورة بركان لا يمكن كبحها. تحت سطوة الدموع يرضخ غرور الجبابرة والعتاه وينحني جبروتهم، فالحياة بلا دموع تكون ناقصة، نحن لا نبكي بإرادتنا بل بتأثير ما يجيش بدواخلنا بفعل مؤثرات خارجية فالحياة تفاعل مع المحيط فأنت تؤثر وتتأثر، فحين تنصبّ الدموع مدراراً فهذا يعني أنّ حدثاً جللاً قد وقع، وإن كانت الدموع تنساب فذلك بتأثير حدث أقلّ وطأة، فتحت وطأة هذا وذاك تجري الدموع في مجرياتها بين زيادة ونقصان وتتغلب الأمزجة بين السكينة والعنفوان. إنّ الألم لا يجد لهُ متنفساً في دواخلنا حين ينضب معين الدموع، عندئذ تفقد الحياة عنصراً لا يُستغنى عنه من عناصرها . المجرم له نصيب كبير من هذه الدموع، فهي تحرّك فيه مشاعر الندم وتأنيب الضمير، فيصبّ لجام غضبه على ذاته وما اقترفهُ، فتكون الدموع الملاذ الآمن الذي يخفّف عن وطأة أفعاله الشنيعة وآثامه ولطالما كانت هذه الدموع المطهّر للنفوس التي علقَ به درن الجريمة، فالحياة مليئة بهذا النوع من البشر الذين غسلت الدموع أدرانهم وزرعت فيهم الغرس الصالح وسقتهُ

 

فاضل جبر علوان

  

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2293 الأثنين 03 / 12 / 2012)

في المثقف اليوم