أقلام حرة

من بغداد الى طرابلس .. هل وصلكم بريدنا؟ / ملهم الملائكة

يجتاح المنطقة ضمن مشروع الشرق الأوسط الكبير. ويجهل أغلب العراقيين أن بلدهم ما زال رائدا للعرب وهم  يتعلمون من تجربته بلا وعي.

 

لست أريد أن أقارن ولكني أبحث عن جواب لسؤالي: ماذا فعل العراقيون قبل 9 نيسان 2003، وماذا فعلوا بعده؟

"عمود البيت وأحنا نصير الك سور" أغنية كانت شعارا للعراقيين منذ تولى صدام حسن السلطة في تموز 1979. ألم يلتف كل العراقيين حوله؟

بالحديد والنار والسجون طبعا؟

لكنهم فعلوا، فقادهم الى حرب السنوات الثمان. مليون قتيل ليعود البلد بعدها الى اتفاقية الجزائر.

ستة أشهر من احتلال ونهب الكويت، ليعود العراق بعدها الى العصر الحجري وتنهار بنيته التحيتة الى الأبد، وتنهار معها منظومته الاخلاقية التي عمادها دائما كرامة المواطن: أين كرامة العراقيين بعد تعودهم السلب؟

 

ثلاث صور وصواريخ "الى وراء"

*صورة في صحيفة كويتية: وطبان المجيد جالس على كرسي صغير في ميناء الكويت، امامه صندوق مثلجات، يشرب ويبول في الخليج ويسب الكويتيين والعراقيين.

*صورة أخرى: عراقيون ينهبون بيوت الكويتيين.

*بعد أكثر من عقد تنتشر صور على اليوتيوب لمئات ألوف العراقيين وهم ينهبون متاحفهم وأسيجة الأوتوبان وأجزاء المصانع حافلات النقل العام والدبابات والمدافع والقطارت والمصارف وكابولات الهاتف والكهرباء حين سقطت حكومة صدام التي علمتهم أن يكرهوا الوطن. لقد تعودوا على السلب فماذا سيبقى من مفهوم الكرامة؟

39 صاروخا على صحارى اسرائيل، جوابا على قيام اسرائيل بتدمير مفاعل تموز في بغداد عام 1981. ثمن ذلك، تراجع العراق الى مرتبة الصومال، بل إن إحدى اذاعات الصومال كانت تحذر شعبه قبل سنتين من خطر "العرقنة"، وهذا لعمري منتهى الرزء.

بدأ صدام حكمه باعدام عدنان حسين ومحمد عايش وعبد الخالق السامرائي وشلة كبيرة،، وتتابعت الاعدامات كلما أشتد الخلاف حول مغانمهم من حكم العراق المسكين. السرقات كانت تجري في بيته، أموال الشعب حكر على أبناء العوجة والدور والفساد لا أحد يعرف شيئا عنه لأن لا أعلام من أي نوع سوى صوت السلطة.

 

عمود البيت بلا كهرباء!

صدام في الحفرة، العراقيون يلتفون حول أعمدة بلا كهرباء، والبلد - لمليون سبب أولها البعث - لم يعد وطنا بل ملاذا مؤقتا للمنتفيعن اللصوص والقتلة من العراقيين والعرب وغيرهم.

العراقيون اليوم أحرار في أن يقولوا ما يريدون، بل أن ديمقراطية العراق هي الأحسن في المنطقة (وضمن المنطقة تركيا وإيران)، ولكن العراق منذ 9 أعوام دون كهرباء ودون مياه صالحة للشرب ويستورد  الكرفس من أيران وسوريا، ومياه الشرب من السعودية والأردن، ولا يمتلك شبكة هواتف ارضية، بل إن العراقيين المساكين صاروا يحسبون أن الحاجة في هذا العصر قد انتفت للهاتف الأرضي!! فيما تملك شبكات هواتفهم الخليوية النقالة شركات كويتية ولبنانية ومصرية.

ولكي يحل العراقيون مشاكلهم، يختلف الغرماء الحلفاء فيما بينهم، فيخوّن الشيعة الاكراد، والكرد بنوا وطنا بحزبين ملكا السلطة بالإرث، لكنهما في المحصلة أقل فسادا من أحزاب المركز .

السنّة بمرارة الخسارة يتهمون الشيعة بالعمالة لإيران، وإيران تقول إن الشيعة الذين تحبهم هم شيعة لبنان وقد انجبوا حسن نصرالله الذي شتم العراقيين لأنهم اطاحوا بصدام حسين بوساطة الأمريكان، وصار يحرض الفصائل المسلحة الشيعية على محاربة الإحتلال، وبمنتهى الجحود ونكران الجميل فعل أراذل الشيعة ذلك وقتلوا بضعة أمريكيين وانتهى بهم الأمر في سجن بوكا ليطلق سراحهم بعد سنوات في بلد الصفقات، ويعاد الدقدوق المتهم بقتل 5 أمريكيين سالما غانما الى فصائل حزب الله ليبصق في وجه العراقيين وهو راحل ويقول لهم " ما فيكم زلمة"، كما نقلت تسريبات صحفية مشبوهة عن مصدر رفض الكشف عن إسمه في سجن الكاظمية . 

فضيحة البنك المركزي العراقي، حيت تشير تسريبات صحفية غير مؤكدة الى أن سوق العملة في طهران (شارع فردوسي)  خلال يوم الإثنين الذي سبق إعلان خبر إقالة الشبيبي قد شهد انهيار قيمة التومان بقيمة 350%، وقد طلبت طهران من بغداد تحويل مليار دولار بشكل عاجل لأنقاذ انهيار العملة، كيف السبيل لذلك وسنان الشبيبي الرجل الشيعي التكنوقراط الذي تحبه الولايات المتحدة وتريده هو محافظ البنك المركزي العراقي والأمين على أموال العراقيين؟

وهكذا تسارعت الفضحية وأطيح به أثناء سفره الى اليابان، وتسرب المبلغ بالتمام والكمال الى إيران- والحديث ما زال لمصادر صحفية غير مؤكدة.

 

غابة من الفضائح

فضيحة نسفت فضحية البنك المركزي هي الأسلحة الروسية. أسماء كبيرة في الملف بينها علي الدباغ الذي أنهت الحكومة عقد عمله، وهو لحسن الحظ،عقد عمل وليس منصبا بالوراثة كما كان عليه الأمر في عهد صدام، وتسريبات صحفية غير رسمية- مرة أخرى هذا المصدر المشبوه-  تتحدث عن تورط أحمد نجل المالكي رئيس الحكومة في العملية .

لوكان هذا جرى قبل 2003 لأعدم صدام المتورطين غير المقربين وأبعد أبناء عمومته الى مناصب أقل ظهورا، سفير في جنيف أو البرازيل أو بيروت أوممثل العراق في مكتب الجامعة العربية في السنغال، أو السكرتير الثالث لسفارة العراق في الفاتيكان، أو سكريتر المؤتمر العالمي للتخلص من الملاريا، أو ممثل العراق في اليونيسيف أو اليونيسكو أو.. غير ذلك.

أما اليوم فالحكومة التوافقية الديمقراطية لا تستطيع أن تخفي شيئا، لأن الاعلام مطّلع على كل شيء - والفضل في ذلك لأبناء العم سام الذين نشروا الديمقراطية في المنطقة الغارقة في الفساد- والحكومة اليوم لا تلجأ لسياسة الأعدام ولا الإبعاد بل يمكن أن تثير فضيحة أخرى قد تغطي على هذه (ولا ينسى المراقب هنا فضيحة بنك الزوية،  وفضيحة/ مجزرة دائرة البعثات، وفضيحة / مجزرة اللجنة الاولمبية) وها هو زيكو يفجر فضيحة من العيار الثقيل وينشرها على مستوى العالم، حيث سرق إتحاد الكرة العراقي مليون دولار من رواتب أشهر لاعب في العالم، والكلام منسوب لوكالة الانباء الفرنسية.

 

العراق رائد العرب ولكن ...

لست أريد أن أقارن، فالكفة تميل إيجابا الى الماضي، الماضي السحيق، وكلما كرّت مسبحة الزمن، تناقصت الحسنات وتنامت المثالب.

هم يتحدثون عن ربيع عربي وضع قضيبا معدنيا في مؤخرة القذافي، وركزخشبة في صدر صالح، وملأ بالرصاص رؤوس العلويين في سوريا. ربيع وضع الأخوان المسلمين على رأس السلطة في مصر ليقولوا للدستور والشعب : طز فيكم فنحن الفائزون !

نفس الربيع أعاد غزة الحمساوية الى مظلة إخوان مصر لتصبح إمتدادا شرعيا لسيناء جحر العقارب السلفية الغارقة في الجريمة والتخلف.

وكذا فاز السلفيون في تونس والناس تناضل هناك لتعيد الوضع الى ما كان عليه أيام زين العابدين بن علي، لماذا التغيير إذا؟

العراق اليوم رائد للعرب فيما يمكن أن تصير إليه بلدانهم بعد 10 سنوات من التغيير، إنه رائد ولكن تحت الصفر، وهذا عزاء للعراقيين وهم يبحثون عن الخلاص - عبر الانترنيت والهاتف الخليوي ومبادرات الشباب ، خلاص تعتقد نخبتهم الدايناصورية الهاربة من العصر الطباشيري الأول وتقنعهم بأنهم واجدوه في العودة الى الدين القديم، والدين كما يظن الخيرون : من كل هذه السياسة براء.

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2293 الأثنين 03 / 12 / 2012)


في المثقف اليوم