أقلام حرة

"التسويق" لحربٍ قومية في العراق / امين يونس

من البلدان المحكومة فردياً .. ولكن في كِلا الحالتَين .. فأن فكرة الحَرب .. بِحاجة الى تسويق .. فالولايات المتحدة الامريكية، مثلاً سّوقتْ للحرب على العراق، من خلال، ترويج إمتلاك العراق لأسلحة دمار شامل، وتشكيله خطراً على الأمن الأمريكي والعالمي .. وإستَمرَ عزف هذه الإسطوانة لعدة سنوات .. حتى إقتنعَ " المواطن الأمريكي " بأن لاخيار لأمريكا سوى خوض الحرب ! " طبعاً كانتْ هنالك جماعات سلام أمريكية، ضد الحرب منذ البداية، لكن جرى التعتيم عليها وتهميشها " . صدام نفسهُ، إدعى ان النظام الايراني الجديد، يُريد الشَر بالعراق .. وفبركَ بعض حوادث العُنف في بغداد، مُتهما بها إيران .. وسّوَقَ فكرة، " البوابة الشرقية " للأمة العربية، ووجوب الدفاع عنها ... الخ . إذن .. لايُمكن المُبادرة بِشن الحرب، دون [سبب] .. وإذا لم يَكُن هنالك سببٌ حقيقي ووجيه، فيجب إختراعه ! . حتى جيش الإتحاد السوفييتي، دخل براغ في الستينيات، بإسم التضامُن الأممي والدفاع عن الإشتراكية، وكذلك فعل في أفغانستان . وقبلَ ذلك شَنتْ الولايات المتحدة، حرباً شعواء مُدمرة في فيتنام، مُسوّقةً شعارات الديمقراطية وحقوق الانسان ! . كُل هذه المُبررات، الزائفة على الأغلب .. تخفي الأسباب الحقيقية، للحروب : الهيمنة والسيطرة على الموارد، وتأمين وصولها الى الدول الصناعية الكبرى وتوفير أسواق جديدة . هذا بالنسبة للدول العظمى .. أما الحروب التي تشُنها البلدان الصغيرة والطرفية، ضد بعضها البعض .. فهي على الأغلب " حروب بالوكالة " .. مثل الحرب العراقية الايرانية، وحرب الكويت .. والحروب الأهلية في بعض الدول الافريقية ولبنان وليبيا والعراق .. الخ .

أما اليوم .. فأن التصعيد المُتفاقم في الأزمة، بين الحكومة الإتحادية وأقليم كردستان .. يتضمن " تسويقاً " لفكرة الحرب من الطرفَين . فالمالكي حسَمَ أمرهُ، وأصبحَ يتحدثُ مُؤخراً، بخطابٍ [قومي عربي] قريب شئنا أم أبينا، في بعض مفرداته .. من خِطاب حزب البعث المُنحَل . فهو يُسّوِق نفسه وحزبه، بإعتبارهم المُدافعين عن "عروبة " المناطق المتنازع عليها، ضد أطماع الكُرد . وبالتأكيد فأن هذا النوع من الخِطاب، يلقى هوىً في نفوس بعض القوميين العرب، من السُنةِ والشيعة على السواء " خرجت أمس مُظاهرة عشائرية صغيرة في الهارثة قرب البصرة، تأييداً لعمليات دجلة ! "، كما ان أغلبية عرب الحويجة والرياض، وقسماً من عرب كركوك والموصل، يُساندان توجهات المالكي، ومحاولته بسط سيطرته بالقوة على المناطق المتنازع عليها . يحاول المالكي مُستميتاً، تسويق " عروبة " هذه المناطق، كذريعة لخوض الحرب !.

في الطرف الآخر .. فأن البارزاني، الذي كان يبدو " وحيداً " في البداية، بتشّدُدهِ .. وإصراره على " تسويق " الحقوق القومية في المناطق المتنازع عليها، والتذكير المُستمر بالخوف من تقوية الجيش العراقي وإنفراد المالكي بالسيطرة عليه .. فأنه نجحَ في كسب الاطراف الكردية الأخرى الى جانبه " في كيفية التعامل مع المالكي، على الاقل " .. فلقد إقترب الطالباني من موقف البارزاني، في الأيام الاخيرة .. وحتى أحزاب المعارضة الكردية، وّحدتْ خطابها، في الخطوط الرئيسية، مع الحزبَين الرئيسيين . البارزاني يُسّوِق للمواجهة على عدة محاوِر : عراقياً .. بتأكيدهِ على ان المالكي يتصرف بفرديةٍ كبيرة ويحاول الإستحواذ على كل مفاصل السُلطة، ويدعو البارزاني، الى تبديل المالكي وإعادة النظر جذرياً بآلية إدارة الدولة " ويلقى هذا الرأي قبولاً في بعض أوساط عربية سنية وشيعية أيضاً " .. وكردستانياً: بدغدغة المشاعر القومية، وإذكاء الحماس للدفاع عن الاقليم والمناطق المتنازع عليها والمكتسبات المتحصلة منذ 1991 .. وحتى التلويح بالإنفصال إذا تطلبَ الأمر " وهنالك العديد من الكُرد يؤيدون هذا الطرح " .

هكذا، يجري " التسويق " للحرب من الجانبَين . ولكن ينبغي ان لانغفل، العامل الأقليمي في هذه المُعادلة .. فلكل من إيران وتركيا ما يقولانه هنا .. وكذلك العامل الإنتخابي، فكُل طرف يحاول كسب المزيد من الاصوات، ولو من خلال التهديد بالحرب !.

 

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2293 الأثنين 03 / 12 / 2012)

في المثقف اليوم