أقلام حرة

مخرج على الورق / وائل مصباح عبد المحسن

قال لي جملة ما تزال عالقة في ذهني حتى الآن"أنت تُخرِج العمل الفني على الورق وأنا أُخرِجه خلف الكاميرا"هذه الجملة تلخص ببساطة فن كتابة السيناريو والحوار، فهذا العملاق اختزل كل خبرته الفنية سواء في مجال السينما أو التليفزيون في عدة كلمات تُدرس،وعلى فكرة هناك فرق في الكتابة بينهما نظراً لأن تقنية التصوير السينمائي تعتمد في الغالب على كاميرا واحدة بعكس التصوير التليفزيوني الذي يعتمد على أربعة كاميرات.

وبعد ذلك وأثناء تصوير مسلسلي"جيل الغد"بدأت أتابع ما يدور خلف الكواليس،  ومن حسن حظي، أن هذا المسلسل اشترك في بطولته نجوم كبار، أمثال الأستاذ محمود الحدين والفنانة تهاني راشد ومحمود مسعود وهشام عبد الله ونسرين يوسف، وغيرهم من العلامات البارزة في مجال الفن السابع، فالفرق كبير وكبير جداً بين الدراسة النظرية وبين التعامل على أرض الواقع،وكم كنت سعيد وأنا أرى الشخصيات التي رسمتها في خيالي تتجسد أمامي، بل وتأتى لتتعرف علىّ، يا له من إحساس رائع.

بعد هذه المقدمة القصيرة، أكيد اشتقت لتعرف ما هو السيناريو؟!!هو ببساطة عبارة عن رسم وتخيل لما سيظهر على الشاشة ويشاهده الجمهور،وفيه يتم تقسيم الأدوار وتوزيع الحوار على كل شخص منهم،وهناك نوعيين من السيناريو:

الأول السيناريو التسلسلي: ويكون فيه ترتيب الأحداث ترتباً منطقياً، مثل سرد حياة شخصية من الولادة وحتى الممات، بحيث لا يصلح مثلاً أن يظهر مشهد عزاء قبل أن يموت الشخص الذي يتم العزاء فيه.
الثاني السيناريو الغير تسلسلي" المميز": وهو قد انتشر مؤخراً ويكون فيه وضع المشاهد بطريقة غير مرتبة، كالبدء من النهاية أو بطريقة عشوائية، ومن هذه الأفلام حدوتة مصرية  لنور الشريف ويوسف شاهين، وفيلم رشة جريئة لأشرف عبد الباقي وياسمين عبد العزيز، وهذا النوع من السيناريو مقارنه بالسيناريوهات التقليدية، يُجمع عليه- ولأول مرة- كلا من الجمهور والنقاد.

ومن خلال السيناريو ينقل المؤلف-السينارست- لفريق العمل" المخرج والممثل والمصور ومهندس الديكور ومدير الإنتاج"تخيله لدور كلا منهم،فمن خلاله

يتم اختيار الممثلين، وتحديد أماكن التصوير وزواياه، ودرجة الإضاءة، ومدى انفعال الممثل خلال الأداء، حتى الملابس، ورغم أن كاتب السيناريو يقف دائما خلف الواجهة، إلا أنه يُعد من مصاف الكُتاب الكبار، فكلنا نتذكر فيلم الناصر صلاح الدين أو الأرض أو الأيدي الناعمة، وغيرها من كلاسيكيات السينما المصرية، نحفظ أسماء الممثلين والمخرجين الذين اشتركوا فيهم، وقد نعرف منتجيهم ومن أشهرهم آسيا، ولكن لا أحد يتذكر اسم من أبدعوا هذه الروائع، وهذا ليس على الصعيد المحلى فقط، بل أيضا على المستوى العالمي، ولكن عزاءهم هناك ارتفاع الأجور.

إن فن كتابة السيناريو له شروطه وقواعده الحرفية، فهو قصة تُروى بواسطة رسم الصورة باستخدام الكلمات، طبقا لبناء محدد له بداية ووسط ونهاية، مع ضرورة التنبيه على من يريد تعلم هذا الفن أن يتخلص كليتا من عادته في الكتابة الأدبية- كأن نقول نظرة تشيب لهولها الولدان- قبل أن يبدأ فعليا في تعلم كتابة السيناريو، شأنه في ذلك شأن لاعب هاوي يريد أن يتدرب على يد مدرب محترف، وفى ذلك رد لمن يتساءل لماذا يذهب الجمهور إلى صالات العرض السينمائي ليشاهد أعمالاً فنية يعرف أحداثها سلفا؟.

إذن لا فيلم ولا مسلسل جيد ولا أي عمل درامي، بلا سيناريو جيد، وسينارست مبدع، يملك أدواته ويجيد استخدامها، ويقنع باقي فريق العمل الفني.

وقبل أن نمضى إلى القيام برحلتنا في عالم كتابة السيناريو-إن الحوار هو أحد عناصر السيناريو والتزايد الذي يكتب في عناوين الفيلم"سيناريو وحوار" يعتبر خطأ يجب علينا التخلص منه - للشاشة الكبيرة والصغيرة-السينما والتلفزيون-يجب أن نوضح لمن يريد أن يمارس هذه المهنة، أننا لا نقدم إليه وصفة جاهزة تجعله كاتب سيناريو محترف، فخير معلم للكتابة هو الكتابة، فأكتب وأكتب وأكتب، ولا بأس من أن تمزق ما كتبته مرات ومرات، حتى تصل إلى ما يرضيك، وتأكد أن الجزاء عندئذ سيفوق كثيراً أية معاناة تتكبدها أو وقت تبذله،

واعلم أنه من النادر أن تكون الكتابة الأولى للسيناريو هي الكتابة النهائية، فهناك ملاحظات للمخرج ولبعض الأبطال وللإنتاج ومصادمات مع الرقابة، وقد يرى الكاتب نفسه إعادة كتابة السيناريو عند عودته لقراءته بعد فترة زمنية ما، فمثلا فيلم معالي الوزير لأحمد زكى أعاد السينارست وحيد حامد كتابته أكثر من عشرة مرات، وما أدراك ما هو وحيد حامد، وكذلك سيناريو فيلم طباخ الريس لطلعت زكريا، أعاد مؤلفه يوسف معاطى كتابة دور رئيس الجمهورية أكثر من مرة،

بسبب ترشيح عادل إمام ثم محمود عبد العزيز للدور، والذي جسده ببراعة يحسد عليها الفنان خالد زكى. 

والآن هلم معي يا من تريد أن تصحبني في هذه الرحلة إلى عالم دراما الشاشة، ولا تنسى أن تراسلني مشكوراً بما قد تلاحظه أو تقترحه، وتأكد أنه سيلقى منى كل عناية بإذن الله.

قصة ومعالجة وسيناريو وحوار:هذه المصطلحات تعد افتتاحيه لمعظم الأعمال الدرامية، حيث أن القصة والتي تعتبر مصدر من مصادر السيناريو الهامة، هي الإطار العام الذي تدور فيه الأحداث،وفيها تذكر الأشخاص والعقدة وحلها، ويمر فيها الكاتب سريعا على الأحداث بشكل غير مفصل،والسينارست قد يعتمد غالباً على نفس الأحداث التي ذكرها الكاتب في قصته-إذا كان العمل الفني عن رواية أدبية- ويكتفي بالإضافة عليها والتفصيل في الأحداث أكثر، وقد يغير في أحداثها،  أو في نهايتها، وقد يضيف شخصية أو يحذف أخرى، أو يزيد من مساحتها وقد يقلل، اقرأ رواية د.علاء الأسواني عمارة يعقوبيان، ثم شاهد الفيلم، ثم أعد قراءة الرواية مرة أخرى، وأنت تعرف الفرق، ويا سلام بقى لو شفت المسلسل كمان.

أما المعالجة فتعنى أن نضع القصة السينمائية أو التليفزيونية بالكامل في قالب دراما الشاشة، مع استبعاد أي مصطلحات أدبية، وبذلك نمهد الأرض للسيناريو الذي نبتغيه، مع ضرورة أن تكون الكتابة في صيغة المضارع دائما.

بينما يعنى السيناريو تفصيل القصة لعدد من المشاهد وإضافة شخصيات أخرى ثانوية لم يكتبها كاتب القصة، وترتيب الأحداث بشكل منطقي وسلس وجذاب، وتحديد أماكن الأحداث،  فمثلا فيلم رغبة متوحشة لنادية الجندي ومحمود حميدة، وفيلم الراعي والنساء لأحمد زكى وسعاد حسنى ويسرا عن نفس القصة، ولكن السيناريو اختلف، شاهد وقارن وراسلني.

وأخيراً يأتي الحوار وهو الكلام الدائر بين الأشخاص داخل المشهد، وقد يكون تعليق يُكتب أو يُقرأ، وهو يختلف باختلاف الشخصية، وإن ظهر فيه اتجاه السينارست الأيديولجى -الفكري- فمثلا الأستاذ أسامة أنور عكاشة في مسلسله الشهير"ليالي الحلمية"أعطى لنكسة 67 مساحة أكبر مما أعطاه لنصر أكتوبر، لأنه ناصري، وهذا مثال واضح لتأثير ذاتية الكاتب على سير الأحداث، وطبعا لا تعليق.  

ولو عدنا لأفلام السينما المصرية القديمة-فلاش باك بلغة السينما- سنلاحظ أن القصة في الغالب كانت لكاتب محترف مثل إحسان عبد القدوس أو نجيب محفوظ أو يوسف السباعي،أما السيناريو والحوار، فكان لسينارست محترف غير بارع في كتابة القصة بقدر براعته في بناء المشهد السينمائي،مثل ممدوح الليثى أو عبد الحي أديب- والد عماد وعمرو وعادل أديب-أما أفلامنا اليوم،فتخلو بصورة كبيرة  من خانة القصة، لأنها في الغالب تكون عبارة عن مجموعة مشاهد متتالية،  تخلو من أي عُقد أو حبكة درامية، يقوم بإعدادها شلة أصدقاء، وهذا ما يسمى ب "ورش الكتابة"، والتي انتشرت مؤخراً مع مسلسلات الست كوم، ولاحظ معي المسمى -الورش- وأنت تعرف مدى تقدم أو تأخر الفن السابع في بلد عمرها السينمائي أكثر من مائة،وللحديث عن باقي أعمالي الفنية بقيه إذا كان في العمر بقية!!  

 

كاتب وسينارست وائل مصباح عبد المحسن

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2295 الاربعاء 05 / 12 / 2012)


في المثقف اليوم