أقلام حرة

المتنبي في أوربا (4) / عدنان الظاهر

حييته التحية التي يفضّل فأشار لي أن أجلس. كان متعافيا نشطا عالي الهمة متماسك العزم. سألني ماذا أود أن أشرب. قلت له أنا الذي عوّدك على مثل هذا السؤال لا أنت. قال اليوم أنا الذي سيدفع حساب مشروباتنا. قلت لا مانع ما دمت قادراً، شرط أن نشرب اليوم معاً بعض البيرة (الجعّة). قال آليتُ على نفسي أن لا أقرب الخمور ولا أدعها تلامس شفتي. قلت (شديد السُكرِ من غير المُدامِ) قال بالضبط. شديد السكر من غير المدام. قلت لكنك قلت ذات يوم:

 

إذا ما الكأسُ أرعشت  اليدينِ

صحوتُ فلم تحُلْ بيني وبيني

أغارُ من الزجاجةِ وهي تجري

على شَفةِ  الأمير أبي  الحُسينِ

 

كأنَّ   بياضَها  والراحُ     فيها

بياضُ  مُحدِقٍ   بسوادِ    عينِ

 

قال أجلْ. قد والله قلت ذلك ولكن أرجو أن تفهم الظرف الذي قلت فيه هذا الشعر. كنت وقتها أُنادم " عليا بن إبراهيم التنوخي "، وكانت عندي للرجل مكانة خاصة وله علي أكثر من فضل. وكان ذلك زمن الشباب ولا على الشباب عتاب كما يقولون. سألته وهل من علاقة بين هذا التنوخي والشاعر  والمفكر الرائع أبي العلاء المعري؟ قال بكل تأكيد. فهو أحد أسلاف أبي العلاء. نِعمَ الخَلف لنعم السلف. قلت لذلك قلتَ مرة (أنا الذي نظر الأعمى إلى أدبي …). قال لو كنت أعرف أنَّ أبا العلاء سيصاب بمرض الجدري فالعمى لما قلت هذا البيت. شدّما يؤنبني ضميري … أقصد بقايا ضميري. زعم بعض الأغبياء والأدعياء أني كنت (أتنبأ) بمجيء شاعر أعمى يأتي بعدي (يقرأ) ثم يروي أشعاري. قلت وما هي حقيقة الأمر؟ قال البيت الشعري واضح. ذكرت (الأعمى) نكرةً على وجه الإطلاق رغم وجود الألف واللام. وكان قصدي عميان زماني من عميان البصر والبصائر وكانوا كثرة يتنطعون ويتطاولون ويدسّون لي الدسائس في بلاط سيف الدولة الحمداني. وكان أبو فراس الحمداني على رأس هذه الزمرة الخبيثة متمتعا بحصانة وسطوة وهيبة بلاط إبن عمه سيف الدولة.

كان الشاعر منفعلا ومتوفز العصب. وكان هذا دأبه كلّما جرّنا الحديث إلى حلب وسيف دولتها. مشاعر مختلطة تعتريه هي مزيج من الفَخار والغصة والحسرة والندم. لا أجد ذلك غريباً، إذ كانت أعوامه في حلب هي روائع سِنيِّ حياته شاعراً ورجلاً ومقاتلاً وصديقاً ودُوداً لأميرها. ومن حلب طبّقتْ شهرته الآفاق فكانت الملوك والأمراء تتبارى لكسبه وخطب ودّه وإستمالته إليها باذلةً في سبيل ذلك الغالي والنفيس. قلتُ كان الشاعر نارا تحت رماد، فأردت كعادتي أن أغير الأجواء وأنأى به عما يقلقه ويحزنه ويشجيه من أفكار ومشاعر وذكريات. حوّلتُ مجرى الحديث إلى وجهة ينسجم أحيانا وإياها فينطلق على سجيته صريحاً واضحاً غيرَ خجِلٍ ولا وجِلٍ ولا هيّاب. يقول كل ما في قلبه وفي أعماق سريرته. قلت له كنت قد قلت يوما كلاما جميلا في الغزل - وأنت سيد هذا الباب كما أحسب -  أغضب بعض المتزمتين من النقاد فأقاموا عليك الدنيا وأقعدوها وإتهموك بالكفر والإلحاد. قال تقصد القصيدة التي قلت فيها:

 

كم قتيلٍ  كما قُتلتُ     شهيدٍ

لبياضِ الطلى ووردِ الخدودِ

 

وعيون   المها ولا   كعيونٍ

فتكت     بالمتيّمِ     المعمودِ

 

راميات بأسهمٍ  ريشُها الهُد

بُ تشقُّ القلوبَ قبل الجلودِ

 

يترشّفنَ   من  فمي رَشَفاتٍ

هُنَّ  فيه أحلى  من التوحيدِ

 

كلُّ  خمصانةٍ  أرقُّ من الخم

رِ بقلبٍ  أقسى  من الجلمودِ

 

قال نعم قد قلت هذا الشعر لكني قلته أيام الصبا وعنفوان الشباب ومن ذا الذي يستطيع صد هذا العنفوان؟ لقد فاتك بيت في هذه القصيدة لو كنت إنتبهت إليه لكنت سبيتني بفضولك وتتبعك نزواتي الخيالي منها والحقيقى. قلت أي بيت تقصد؟ قال:

 

كلُّ شيءٍ  من الدماءِ  حرامٌ

شربُهُ  ما  خلا  اْبنةِ العنقودِ

 

فاْسقنيها فِدىً لعينيك   نفسي

من   غزالٍ  وطارفٍ  وتليدِ

 

لا تعرف، أضاف، حجم الضجة التي أثارها ضدي هؤلاء المحسوبون على النقاد من الحاقدين والحساد. لقد أضطررت بعد ذيوع هذه القصيدة أن ألازم داري فترة من الوقت فضاقت بي الأرض والسماء حتى إني أضفت أبياتا أخرى للقصيدة تعبر أصدق تعبير عن حالي وقتذاك. قلت ألا تقرأها لي؟ أنشد هازا رأسه:

 

ما مقامي بأرضِ نخلةَ  إلاّ

كمقام  المسيحِ  بين اليهودِ

 

أنا  في  أمّةٍ   تداركها  الل

هُ  غريبٌ كصالحٍ في ثمودِ

 

طلبت كأس بيرة آخر وطلب شاعري كأس شاي وكانت مقهانا تعج بالرواد فتزداد صخَباً وحركةً ودخانا. ولكثرة إرتيادنا لهذا المقهى صارت وجوهنا مألوفة للفتيات العاملات فيها. بل وصرنا معارف جيدين لبعضهن. وذلكم أمر يُحسِّنَ الإفادة منه حيث مقدار البخشيش منا يتصاعد إطّراداً كلما إزداد التعارف بيننا جودةً ومتانةً. فثمّةَ سؤال عن الصحة حينا وآخر عن الظروف العامة وكيف يجد صديقي اللاجيء الجديد حياته في المدينة الجديدة. وحين عرفن أن الرجل شاعر شعراء العربية طفقن يسألن متى سيتعلم  لغة البلد حتى يبدأ قول الشعر فيهن غزلا. ولدماثة  خلقه وحيائه البادي للعيان وكبر سنه أصبح البعض منهن لا يتحرج من تقبيل وجنتيه حين قدومنا وحين مغادرتنا المقهى. وكنت لحظتئذٍ قادرا أن أرصد ما يحس به من حبور وسعادة غامرة. كنت أترجم له كلامهن حرفاً حرفا. ومع مر الزمن ومواصلة إرتياد المقهى ألِف المتنبيء أجواءها وصار يستشعر لها حميمية خاصة ودفئاً بشريا فارقه منذ زمن. بدأ الرجل يألف هذه الوجوه الصبوحة الجذابة والشباب المتوهج ومداعبات الصبايا وتقبيل الوجوه فنما فيه شغف خاص بالعيون الزرق والخضر والشعورالذهبية. سألته ما رأيك بهاته الصبية الحسان؟ أما زلت مع الشعر الذي قلت يوم كنت في مصر

 

مَن الجآذرُ في   زي  الأعاريبِ

حُمْر الحلى والمطايا والجلابيبِ

 

ما أوجهُ الحَضَرِالمستحسناتِ به

كأوجهِ    البدوياتِ     الرعابيبِ

 

حُسنُ الحضارةِ مجلوبٌ بتطريةٍ

وفي البداوةِ حسنٌ غيرُ  مجلوبِ

 

فكّر طويلا قبل أن يجيب. لقد وجد نفسه في مصيدة لم تخطر له على بال. ما كان يتوقع مني مثل هذا السؤال الخبيث. حول مجرى الحديث عامدا لكي يمنح نفسه بعض الوقت للتفكير في جواب مناسب. قال بالله عليك، هل هذا حقا شاي أم أنه ماء أصفرحار؟ كأنه الحميم في مذاقه وشراب الهيم. قارنه بما أجهز لك في شقتي من شاي. قل لي، هل هو شاي هندي أم سيلاني؟ أجبته إنه خليط من مصادر شتى. ثم لديهم هنا عشرات الأنواع من الحشائش مختلفة الطعوم والألوان يسمونها جميعا " شاي ". تحمّلْ ما يقدمون لك في المطاعم والمقاهي وإشرب في بيتك ما يعجبك. قال وعلينا أن ندفع ثمن هذا البلاء. قلت لا شيء يأتيك في الحياة مجانا. شرد قليلا ثم عاد لسؤالي إياه فقال: قلت يوما كما تعلم (لكل إمريءٍ من دهره ما تعوّدا ...) لكني وأنا هنا بدأت أقتنع أن كل شيء في الحياة في صيرورة وتغير وتبدّل. أقصد قد تبدل ذوقي ومشاربي والكثير الكثير من عاداتي وطباعي

(قال أولا أطباعي ثم عدلها فقال طباعي). الحياة الجديدة تضيف أمورا كثيرة جديدة. وإنك تدري إني في مصرأضفت إلى شعري أشياء ما كانت مألوفة عندي في العراق أو بلاد الشام. وظّفتُ إسم الحيوان " الكركدن " وعملة " الفلس " ورأيت في مصر الشعر المستعار وحف الشوارب كما لاحظت على النساء صبغ الحواجب وتزيين الوجوه بالمساحيق والأعشاب والدهون وما إليها. وفي بلاد فارس رأيت القوم يحرقون النرجس والآس في المباخر ويغطون ملوكهم وضيوفهم بالورود والرياحين. نعم، وظّفت في شعري ما قد رأيت في هذه البلدان من مظاهر جديدة. وإلا لكنت حولت نفسي صخرة صماء جامدة كصاحبنا " نبتون ". كل شيء يتبدل ويتحول ولا ثبات لشيء في الحياة. قلت لكنك لم تطرقْ في شعرك موضوع التغير والثبات في الحياة والكون. قال كنا نقرأ مثل هذا الكلام في فلسفة الأغريق. وكنت والفارابي أناقش هذه المواضيع. لكن للحق، ما كان أمر الفلسفة يسيراً عليَّ. كنت ألتقط ما يتيسر لي فهمه وأتجنب ما يعسرعليَّ إدراكه. قلت لذلك أخطأ إذ قارنَ " الحاتمي " بين بعض أشعارك وبعض مقولات أرسطو. قال ما كان الحاتمي مصيبا في تلكم المقارنات. كان أديبا يحب التفلسف وما كان يفهم الفلسفة أصلا. قلت لقد إبتعدنا عن الموضوع كثيرا. أجبْ أبا الطيب بإختصارعن سؤالي السابق. قال متظاهرا بالنسيان أي سؤال؟ أيهما في نظرك الأفضل والأجمل، فتيات البدو الرعابيب حمر الحلى والمطايا والجلابيب أم صبايا مقاهي ميونيخ يقدمن لك الشاي والقهوة المُرّة والماء المعدني؟ قال أما وقد أردتني أن أجيبك بإختصار فسأختصر القول إني والله ما زلت أميل الى جمال بنات البدو الفطري غير المشوب بالمساحيق والأدهان والأصباغ. ناهيك عن سمرة البشرة الطبيعية، سمرة لفح شمس الشرق الملطفة بهواء البوادي العليل النقي حيث لا مصانع ولا سيارات وطائرات ولا دخان ولا أسمدة كيميائية ولا مبيدات حشرات ومساحيق تنظيف. لا مجاري للمياه القذرة في الصحراء ولا قنوات لتصريفها تخترق مدنكم عرضا وطولا. تتباهى نساء أوربا بسمرة جلودهن النحاسية التي يكتسبنها أثناء عطلة أسبوع فقط يقضينه تحت الشمس على رمال سواحل بعض البلدان الدافئة صيفا مثل تونس والمغرب وإسبانيا وإيطاليا واليونان. أو كما قلت لي يوما يكسبن هذا اللون النحاسي بتعريض أجسادهن الى أشعة إصطناعية في ستوديوهات خاصة تتقاضى لقاء ذلك أجورا عالية. أشعة الشمس الطبيعية بالطبع أفضل وأصح. شمس سماء خالقنا. وما رأيك بالشعر الذهبي والعيون الملونة الزرقاء والخضراء والرمادية؟ معظمها غير طبيعي، كأوجه نساء مصرإذ قلت فيها (حسن الحضارة مجلوب بتطرية..) . قلت لي يوما إن ألوان الشعور والعيون في تبدل مستمر. تصبغ النساء شعورهن بما يعجبهن من ألوان. ويضعن داخل حدقات العيون عدسات لاصقة باللون الذي يرغبن وعلى الله فليتوكل المتوكلون. لا مشكلة مع الألوان. ماذا تريد أن تقول يا أبا الطيب؟ أردت أن أقول إن سمرة الأُدُم ولون العيون النرجسية أو السوداء الطبيعية (خلقة ربنا) لا يضاهيها شيء في الوجود، لونا وسحراً. أحب الأشياء طبيعية طبيعية طبيعية، فهل أدركت مرامي؟ أجل يا سيدي. أنا مثلك بالضبط. أنا مثلك مع كل شيء طبيعي. أنا ضد كل ما هو مصنوع. ولذلك لا أحب من القريض إلا الشعر المطبوع وهو للأسف شديد الندرة في هذه الأيام. ثم قد إقترحت عليك أن تنظم شعرا تتغزل فيه ببعض فتيات مقهانا الأثير ولاسيما " ميلاني  Melanie " الطويلة القوام ذات الشعرالأسود المصبوغ. إنها تتودد إليك وتخدمك كما لم تخدمك أنثى من قبل. قال سبق وأن أخبرتك إني توقفت عن قول الشعر بعد مصرعي. ثم، لعلمك، كان في خدمتي من هن أنفس من " ميلاني "  من نوادر الجواري وفيهن النوبية والرومية والتركية والشركسية والروسية والبلغارية والأرمنية بل وحتى البربرية. قلت ومن كانت جواريك في مصر؟ قال أهداني الخصي الأسود كافور واحدة زنجية من بلاد النوبة وأخرى من المغرب. أهداني جاريتين وفرسا واحدا كريما.  قلت وهل كانت فيهن جاريات مسيحيات؟ قال نعم، بعضهن من النصارى ولكن ما كنا نجبرهن على أن يسلمن. أما التي تشاء أن تسلم طواعية فكنا نعلمها القرآن والسُنّة وأصول خدمة الضيوف. وكانت لأم مُحسّد جواريها الخاصة بها يقمن على خدمتها وتدبير شؤونها وبقية شؤون المنزل. كما كان لدي الكثير من الخدم من الذكور والغلمان المقاتلين ثم العِبدّى (العبيد) وبعض الخصيان. قلت له لكن هذا الجيش اللجب من البشر يحتاج إلى الكثير من المال والطعام لإدامة حياته والصرف على مستلزمات الوجاهة والمظهر وباقي متطلبات الحياة العالية المستوى. قال لذلك بدلت مواقفي وولاءاتي مرات عدة ومدحت الصغير والكبير ومدحت حتى (الكركدن والقرد الذي يؤتى به من بلاد بعيدة) كافوراً الإخشيدي لكي أوفر المال اللازم لإسكان وإكساء وإطعام هذا الجيش العرمرم. فضلا عن زيارات الزائرين من الأصدقاء وسواهم من طالبي المعروف والمقطوع وإبن السبيل. كانت بيوتي مفتوحة ليلا ونهارا ونار مواقدي تكاد أن لا تنطفيء. ومع ذلك – أضاف-  كان البعض يقول عني إني بخيل. ما كان لدي مكسب أو مورد آخر خلا قول الشعر. لا عقار ولا إقطاع ولا ممتلكات. وما كنت من مربي وبائعي الماشية والإبل. بلى، وعد الكويفيرأن يهبني إقطاعا أو ولاية لكنه أخلف. فكنت ألح عليه في كل مناسبة أن يوفي بما وعد. فكان يتظاهر بالنسيان تارة وبالصمم تارة أخرى حتى قلت له مرة:

 

وهل نافعي أن ترفعَ الحجب بيننا

ودون الذي   أمّلتُ  منك  حجابُ

 

وفي النفس  حاجاتٌ وفيك  فطانةٌ

سكوتي   بيانٌ   عندها   وخطابُ

 

وقلت له في مناسبة أخرى:

 

أبا المسك هل في الكأسِ فضلٌ أنالُه

فإني  أُغنّي   منذُ   حينٍ    وتشربُ

 

إذا لم  تُنطْ  بيْ  ضيعةً    أو ولايةً

فجودُك يكسوني  وشغلُك  يسلبُ

 

حتى قلت له في قصيدة أخرى أكذب ما قلت في حياتي ولشدما أسفت على ما قلت:

 

قواصدُ  كافورٍ   تواركُ    غيرهِ

ومَن قصدَ البحرَ استقلَّ  السواقيا

 

فتى ما سرينا  في  ظهورِ جدودنا

إلى عصرهِ   إلاّ  نُرجّي   التلاقيا

 

وغير كثير  أن  يزورك   راجلٌ

فيرجعَ   ملْكاً   للعراقينِ    واليا

 

كنت مصغيا اليه يقرأ هذه الأشعار واجما غير مصدق ما أسمع. أفقت من ذهولي لأسأله هل وعده كافور فعلا أن ينيط به ولاية العراق وكان" المطيع لله " العباسي خليفة في بغداد و " معز الدولة البويهي " حاكم العراق الفعلي وكيف صدق وعود كافور؟ قال أترك هذا الأمر. لقد وقعت في حبائل الأسود كافور كما وقع أخي أبو عمار في حبائل أوسلو ومدريد. لم أقبض من قبل شيئا ولم يقبض عرفات شيئا من بعد. سألته عن مصائر جواريه في إبّان حياته وهل كن يبقين معه حتى الموت وإنقضاء الأجل. قال كنت أبيع البعض منهن حين أحتاج الى بعض المال أو لأسباب أخرى كأن تشذ إحداهن عن الطريق السوي فتمارس الزنى مع من تشاء أو تسرق أو تستدرج العشاق ليلا الى داري. كنت أهدي البعض منهن وأعتق الآخريات لأسباب إنسانية. قلت ما تقصد بالأسباب الإنسانية؟ قال كأن يفتح لها الله باب الزواج من شخص قادر شريف أثق به. عندذاك أعتقها حرّةً خالصةً بل وأجهزها من مالي وأحمل الهدايا المناسبة إلى بيتها الجديد. قلت له وهل كنت تفترش هاته الجواري، جميعاً أو البعض منهن؟ قال إنْ فعلتُ ذلك معهن فسوف يصبحن سراري ومحظيات. والشرع وتقاليد العرب تجيز ذلك. وأنا واحد منهم وفيهم. قلت ألم تعترض السيدة أم محسد على ذلك؟ قال قد قلت توّاً إنَّ الشرع والتقاليد كانت تجيز ذلك.

سؤالي الأخيرهذا اليوم وقبل أن نغادر المقهى يا أبا محسد. قال قل وأوجز فإني منهوك القوى من كثرة ما سألت ومن عمق جدية ما سألتَ. قلت وما مصير ولدك محسد وأم محسد وجواريك وخدمك وعبيدك بعد مقتلك بين النعمانية وواسط في دير العاقول؟ قال  قتل بنو أسد وآل ضَبّة معي ولدي محسدا كما قتلوا بعض غلماني ممن قاتل معي ودافع عني. كانوا كتيبة مقاتلة كبيرة وكنا بضعة أنفار نحسن القتال. أما حرمي والجواري والعبيد والخصيان فأغلب ظني أن بني أسد قد أسروهم وسبوهم وأتخذوهم بعدي جواري وسراري وعبيداً! النساء للتسرية أو البيع أو لتبادل الهدايا. أما الخدم والعبيد فللخدمة في الدور أو الزراعة والحراثة والحصاد وتربية المواشي.

دفع حساب ما شربنا وأضاف بخشيشاً مضاعفاً فوق العادة. قال هذا البخشيش المضاعف انما لأجل عيونك وعيون حبيبتك سوداء الفرع

" ميلاني ". علّقتُ قائلا أحسب أنك قرأت شعر أحمد شوقي الذي يقول

(ودخلتُ في ليلين فرعكِ والدجى / ولثمتُ كالصبحِ المنّورِ فاك). قال كلا، لم أقرأ شعر الشاعر أحمد بك شوقي. قلت ونحن نغادر المقهى يا أبا الطيب تبقّى لديَّ ما يشبه الإستفسار. قال قلْ بسرعة فإني جائع. قلت وما مصير صديقك وراويتك الذي إصطحبته معك في زيارتك لأرجّان وشيراز في بلاد فارس؟ قال تقصد " علي حمزة البصري "؟ قلت أجل، هو بعينه فأخباره بعدك يعتريها الكثير من الغموض وتضارب الآراء. فمن قائل إنه فضّل البقاء في بلاد فارس لأنه في الأصل (تبعية ايرانية). وثمة شائعة أخرى تقول إنَّ " علي حمزة " قد غادر إلى مسقط رأسه البصرة قبل مغادرتك بلاد فارس. قال بل لا هذا ولا ذاك. تركنا شيراز سوية، وحين بلغنا دير العاقول وفوجئنا بوقوع الواقعة وبدأ القتال صمد برهة ثم سرعان ما ترك ميدان المعركة. هرب الصديق ساعة الشدة ممتطيا ظهر حصاني الأصيل والأثير صارخا بأعلى ما فيه من صوت (أنا علي حمزة، أنا علي حمزة البصري ولست ألمتنبيء ...). قلت له لا فُضَّ فوك إذ قلت يوما

 

وما   الخيلُ  إلاّ  كالصديقِ   قليلةٌ

وإنْ كثُرتْ في عينِ َمن لا يجرّبُ

 

قال وهو كذلك (وما أكثر الأخوان حين تعدّهم / ولكنهم في النائبات

قليل).

 

إفترقنا على أن نرتب لاحقاً  لقاءً عبرالتلفون.

  

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2300 الأثنين 10 / 12 / 2012)

في المثقف اليوم