أقلام حرة

قول الصدق في زمن الخديعة عمل ثوري / عبد الخالق حسين

الكذب فن من الفنون الإعلامية في تضليل الرأي العام. بل ونجح إنقلابيو 8 شباط 1963 في إسقاط أشرف حكومة وطنية كانت تتمتع بأوسع شعبية في تاريخ العراق عن طريق الكذب عندما أذاعوا برقيات تأييد كاذبة من قادة الفرق العسكرية.

 

من المؤسف حقاً أن السيد فخري كريم رضي أن يقوم بدور غوبلز في العراق الديمقراطي حيث أساء البعض لحرية التعبير بنشر الكذب والتضليل والقذف بالشخصيات السياسية. غوبلز هذا هو وزير الدعاية في حكومة هتلر، وصاحب القول المشهور: "اكذب ثم اكذب حتى يصدقك الناس!". وهذا بالضبط ما يقوم به فخري كريم، رئيس تحرير صحيفة (المدى) البغدادية. وقد نسي أن حبل الكذب قصير، فلا بد وأن تنكشف الكذبة وينتهي الكذاب كما انتهى غوبلز في مزبلة التاريخ.

 

فمعظم الشيوعيين العراقيين يعرفون من هو فخري كريم، ويتشاءمون منه، ويتجنبونه قدر الإمكان، وأصدق شهادة في هذا الخصوص قدمها الأمين العام للحزب الشيوعي العراقي الأسبق، السيد بهاء الدين نوري، في مذكراته التي نشرها على حلقات في (الحوار المتمدن)، أنه عندما وصل دمشق عام 1988، قائلاً: "ولم أحاول إقامة أي صلة مع فخري كريم، الذي كان من أبرز الشيوعيين العراقيين هناك وكان متنفذا وعلى علاقات جيدة مع نظام البعث ومع جهاز المخابرات بوجه خاص".

كما ويتهمه البعض بالسطو على مالية الحزب حيث صار يلقب بالشيوعي المليونير. كذلك كتب ضده القيادي الشيوعي الأسبق، الراحل رحيم عجينة في مذكراته. وبإمكان القارئ الكريم أن يقرأ مقالة القيادي الشيوعي الآخر، السيد باقر إبراهيم الموسوي الذي لخص الكثير عن هذا الرجل في مقال له بعنوان: (فخري كريم .. وسيناريو التازيم). (1).

 

ذكرت في مقال سابق لي نشر على مواقع الانترنت يوم 5/11/2012، بعنوان: (في مواجهة الحرب الإعلامية التسقيطية): "أن العراق سيواجه حملة إعلامية تضليلية قذرة، وقذرة جداً، تمس الأعراض والنواميس والمقدسات، والثوابت الوطنية، الغرض منها إسقاط وتصفية خصوم سياسيين وإفشال الديمقراطية، وتدمير العراق، تمهيداُ للقيام بمجزرة جديدة على غرار مجزرة 8 شباط 1963". وحذرت قائلاً: "فهل سينتبه العراقيون إلى هذه اللعبة القذرة ويمنعوا الكارثة، أم سيقعون مرة أخرى ضحية النصابين والمؤامرات الداخلية والدولية؟".(2)

 

وهاهو حدسي فقد تحقق مع الأسف الشديد، وأفضل مثال هو ما تنشره صحيفة المدى، لصاحبها فخري كريم، وآخر ما نشره من هذا الوزن الثقيل هو مقاله اليوم ( 12/12/2012)، الموسوم: (السـيـاسة ليست كلّها لعباً..على الحبــال علـى المالـكـي أن يتذكّــر).فتصور عزيزي القارئ، فخري كريم يقدم مثل هذه النصائح الأخلاقية إلى رئيس الوزراء العراقي!! على غرار قصيدة: (برز الثعلب يوماَ... في ثياب الواعظينا).

يقول السيد فخري كريم في معلقته العصماء:

(واسترجاع ما قاله المالكي في لقاء جمعني به مع الرئيس، وهو لقاء من عدة لقاءات لتبادل الرأي والتداول في المسعى لإمرار ولايته الثانية، ويا لها من كبوةٍ لا اغفرها لنفسي، اذكره بالحرف وهو يقول موجهاً الكلام الى الرئيس بحضوري:" ان على الاخوة في الاقليم ان لا يضعوا المادة ??? شرطاً في الاتفاقيات، لانه ملزمٌ دستورياً، ورغم انف الجميع لابد من تطبيقه، وسأفعل كل المطلوب لتحقيق ذلك في الولاية الثانية". ثم استطرد، وهنا"مربط الفرس" الذي لا بد من اعتباره الأخطر في النهج السياسي الذي يريد المالكي إمراره في ظل غياب الوعي لدى أوساط غير قليلة، من القادة والناس، وانعدام الجرأة لدى قيادات وملوك طوائف: "إنني لا أرى في استعادة المناطق المستقطعة من كردستان مصلحة لناً وفرضاً علينا فحسب، بل انا اقول صراحة وصدقاً، ان علينا ان نعمل معاً لامتداد اقليم كردستان ليضم محافظة نينوى.!، لان هؤلاء - ويعني بهم أهل الموصل الحدباء - هم أعداء لنا، وسيظلون رغم كل شيء سنة وقومجية عربان، وملجأ للبعث والمتآمرين على حكمنا .! "

ويضيف فخري كريم: "هكذا قال المالكي بالحرف، كاشفاً عن دخيلته باعتباره مجرد حاكم عابث، لم يتراجع عن وجهته هذه، حتى بعد أن أوضح له الرئيس ان علينا أن نحفظ للإخوة السنة مواقعهم ودورهم في العملية السياسية، قائلاً له "ولا تنسى أبا إسراء أننا سنة أيضاً". ومن جانبي استدركت وقلت:"خلينا في كركوك ابو إسراء" !.ومن المستور ما يفيض ..وعسى أن تنفع الذكرى!)). انتهى الاقتباس.

في الماضي السحيق عندما كان البشر غارقين في ظلام الجهل الدامس، كان بإمكان أي دجال ونصاب أن يمرر أكاذيب من هذا النوع على الناس ويستغلهم لمصالحه، ويدق فيهم "عطر منشم"، ويشغلهم في حروب مدمرة لعشرات السنين على قتل ناقة.

ولكن يبدو أن فخري كريم يستخدم أساليب الزمن الغابر في الزمن الخطأ، أي في قرن الحادي والعشرين. صحيح أن البعث دمر العقل والأخلاق والنسيج الاجتماعي لشرائح واسعة من العراقيين، ونجح دجالون في خدعهم، ولكن أن يأتي فخري كريم بكذب من هذا الوزن الثقيل أن رئيس الوزراء يريد التخلص من محافظة الموصل لأنهم  "سنة وقومجية عربان، وملجأ للبعث والمتآمرين على حكمنا .! "فهذا كما يقول الإنكليز: too much ، أي كلام لا يمكن أن يصدقه أي عاقل. وحتى لو افترضنا جدلاً أن نوري المالكي ليس على وئام مع أهل الموصل، فهل بلغت به السذاجة إلى هذا الحد بحيث ينطق بمثل هذا الكلام الخطير أمام رجل إعلامي معروف تاريخه مثل فخري كريم؟ تقول الحكمة: "حدث العاقل بما لا يليق، فإن صدق فلا عقل له".

والسؤال الآخر هو: ما هو موقف فخري كريم إذا نفى السيد رئيس الجمهورية إدعاءه؟ فهل سيقوم بتكذيب رئيس الجمهورية، أم سيصفه بالنسيان لأنه يعاني من مشاكل صحيحة؟

 

المطلوب من السيد رئيس الجمهورية توضيح الأمر لنعرف الحقيقة، وإذا تأكد صدق إدعاء فخري كريم، فسيكون لنا موقف آخر من السيد نوري المالكي، وإن تأكد كذبه فعلى المالكي مقاضاته لأنه استخدم صحيفته لنشر الكذب وتضليل الرأي العام وإثارة الفتن، والفتنة أشد من القتل... وهذه القنبلة ليست الأخيرة بل هي واحدة من القنابل الانشطارية في الافتراءات لتحطيم الخصوم السياسيين التي يجيدها فخري كريم ومن لف لفه. حقاً نحن نعيش في زمن الخديعة واللا أخلاق.

......................

ملحق: مكتب المالكي ينفي تصريحات نسبت اليه من قبل رئيس تحرير”المدى” 14/12/2012

“البوابة العراقية” بغداد – قال مكتب رئيس الوزراء نوري المالكي في بيان اصدره اليوم الجمعة ان “رئيس تحرير صحيفة المدى نسب في مقال له يوم الاربعاء الماضي  لرئيس الوزراء أشياء وأقوال كاذبة وعارية عن الصحة”.

واوضح اننا “في الوقت الذي نكذب فيه هذه التقولات نؤكد ان مثل هذه المحاولات البائسة لا يمكنها حجب الحقيقة والتشويش على مواقف دولة رئيس الوزراء الوطنية”.

ودعا البيان “جميع الكتاب ووسائل الاعلام الى الترفع عن اسلوب الدعاية المبتذل والارتقاء الى المستوى المهني المسؤول”.

http://www.albawwaba.net/news/118555/

 

مصادر

1) باقر إبراهيم، رد على فخري كريم .. وسيناريو التازيم

http://www.faceiraq.com/inews.php?id=574263

 2) عبدالخالق حسين: في مواجهة الحرب الإعلامية التسقيطية

 http://www.abdulkhaliqhussein.nl/?news=551

  

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

  

العودة الى الصفحة الأولى

 ............................

 الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2304 الجمعة 14 / 12 / 2012)


في المثقف اليوم