أقلام حرة

الحربُ التي لا نُريدها / امين يونس

وليس الجيش العراقي .. لأنه في الواقع لايوجد لِحد الان جيشٌ وطني عراقي مُوّحَد بمعنى الكلمة .. كما لايوجد جيشٌ كُردستاني وطني مُوّحَد . فبعيداً عن الشعارات والعناوين والإثارات الإعلامية .. أعتقد .. ان الطائفية البغيضة بقسمَيها المذهبي والحزبي والمُحاصصة المقيتة، التي تأسسَ العراق الجديد على أساسها .. ما زالتْ قائمة وفاعلة .

ولأنه، ليسَ هنالك "إنضباطٌ عسكري" بالمفهوم المعروف سابقاً، وليست هنالك مُحاسبة مُتشددة ولا قوانين صارمة .. فان الكثير من الضباط، لايلتزمون بالأوامر بكل بساطة .. وإذا تقاطعت هذه الأوامر، مع مصالحهم الشخصية، فأنهم يتركون الواجب، ويدركون بأن لا أحد سيلاحقهم ! .. ويسري نفس الشئ، على المراتب والجنود أيضاً . إضافةً الى ان الحديث عن " إستقلالية الجيش وبُعده عن التحزُب والولاءات المُختلفة "، ما هو إلا كذبٌ صريح . إذ ان كافة الأحزاب الرئيسية الحاكمة، قد " كسبت " ضُباطاً من الجيش البعثي السابق، الى جانبها، وأناطتْ بهم مسؤوليات في الجيش الجديد [علماً بأنه لم يكن يوجد ضابطٌ واحد في الجيش العراقي السابق، غير بعثي .. إذ كان النظام يفتخر بأن جيشه عقائدي] ... إضافةً الى، ان أحزاب الاسلام السياسي الحاكمة، لجأتْ الى اسلوب [الدَمج]، حيث دمجتْ كافة الميليشيات المسلحة الطائفية، في القوات المسلحة العراقية الجديدة .. فكانتْ النتيجة : ان الجيش العراقي الجديد وحتى الشرطة والأمن .. ليسَ له إنتماءٌ وطني واضح .. وأن ولاءاته مُوّزعة، بين الحزب والمذهب والمنطقة والمدينة والعشيرة . ومن البديهي، ان مثل هذا " الجيش " لا يُمكن الإعتماد عليهِ، ولا الركون الى إخلاصه وحسهِ الوطني .. ففي الحقيقة، هو أقرب الى ميليشيات او مُرتزقة .. من كونه جيشاً نظامياً وطنياً موحداً .

أرى ان المالكي، بِكُل ماكنتهِ الإعلامية، وإستخدامه الشعارات القومية وتحريضه .. قد فشلَ لغاية اليوم، في حَشد تأييدٍ شعبي واسع، لخططهِ في مجابهة الاقليم عسكرياً .. إذ ان قِلّة قليلة فقط هم مَنْ يؤيدونه بحماس .

وحتى قوات البيشمركة، فهي في الواقع العملي مُسَيطَر عليها بالكامل، مِنْ قِبَل الحزبَين الديمقراطي والإتحاد .. فاليوم وبعد مرور أكثر من عشرين سنة، على شُبُه الإستقلال الذي يعيشه الأقليم .. إذا سألتَ شخصاً عادياً في الشارع، في دهوك مثلاً، فسيقول لك بِكُل ثقة (.. ان ابنه ضابط في بيشمركة الحزب الديمقراطي الكردستاني) .. وكذا سيفعل مواطن آخر في أي مدينة عائدة الى السليمانية، فيقول (بيشمركة الاتحاد الوطني الكردستاني) .. فالحزبَين الحاكمَين، لم يُثقفوا جماهيرهم، بإتجاهٍ يؤدي الى الشعور ب " كردستانية " البيشمركة .. وأستطيع القَول، ان [ولاء] البيشمركة ليسَ مُوّحَداً .. وان الأوامر التي ينفذونها فعلياً، هي فقط التي تأتي من "الحزب"!. ورغم كون رئيس الأقليم، هو من الناحية النظرية، القائد العام لقوات البيشمركة وحرس الحدود في الأقليم .. فلا اعتقد ان أي بيشمركة في السليمانية، سينفذ أوامر القائد العام " إذا لم يأتهِ إيعازٌ من حزبهِ الاتحاد الوطني " ! .

أعتقد ان هذه الازمة الحالية، بِكُل ما يرافقها من مخاطر مُحتَملة .. لاتحظى لغاية اليوم، بالدعم الشعبي الواسع الذي كان ينتظره السيد مسعود البارزاني والقيادات الاخرى .. فعدا عن بعض الفعاليات الإعلامية الصغيرة، المؤيدة .. التي تقوم بها منظمات وإتحادات، محسوبة اساساً على أحزاب السلطة .. فان الشارع كما يبدو ليسَ مُتحمساً كثيراً، لأي مواجهة عسكرية، مع الحكومة الاتحادية .

...........................

أعتقد ان طريقة الحُكم التي يتبعها المالكي، في إدارتهِ منذ سنوات .. أثبتَتْ فشلها المُريع على كافة الأصعدة : الامن / الخدمات / الفساد .. فأذا كانتْ المرحلة السابقة، عبارة عن مجموعة "أزَمات" مُتلاحقة ومُتراكمة .. فأن المالكي عجزَ عن حلها بإمتياز .. بل تخبطَ في إدارة هذه الأزمات أيضاً .. وأدتْ سياسته، الى تفاقم المشاكل وتعقيدها . ببساطة انه يُريد الآن " تصدير " كُل فشله الى أقليم كردستان، وتعليق فشلهِ على رقبة الأقليم .

أرى ان الأزمة الداخلية في أقليم كردستان، لها شقَين : الفساد، وإحتكار السلطة .. فلقد مرتْ سنوات كثيرة، على الوعود التي قطعَتْها أحزاب السلطة، على نفسها .. من أجل الحَد من الفساد المُستشري، والإرتقاء بنظام الحُكم، والإشراك الفعلي للمعارضة ومنظمات المجتمع المدني والصحافة المستقلة، في صُنع القرار . أعتقد ان التصعيد في الازمة الحالية، هو نوعٌ من الهروب من الإستحقاقات الداخلية .. الى حين .

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2304 الجمعة 14 / 12 / 2012)


في المثقف اليوم