أقلام حرة

إختطاف أبو جعفر المنصور / امين يونس

او هل يمكن إزالة آثار هتلر وشطبهِ من الذاكرة الألمانية والأوروبية؟ أعتقد انه لايمكن ذلك مُطلقاً .. فهؤلاء .. ساهموا بِقوة في صناعة تأريخ بلدانهم والعالَم .. بِغض النظر، إن كُنتَ تؤيدهم أو تعارضهم .. وبغض النظر أيضاً .. عن كونهم إنسانيين مُحبين للخير والعدالة، أو ظالمين قُساة . كما انه، سيكون الكلام عن باريس، ناقصاً ومُبتسراً، دون ذكر روبسبير ودانتون ونابوليون .. وعن سان بطرسبيرغ وموسكو، من غير لينين وستالين .. فكما المُدن والأماكن تطبع الرجال، أحياناً، بطبائعها .. فأن الرجال أيضاً .. يتركون بصماتهم على المكان .

ومن المعلوم ان الخليفة العباسي " أبو جعفر المنصور "، كان صاحب فكرة بناء مدينة بغداد، لتكون حاضرة الدولة العباسية . وتقول كُتب التأريخ، انه الى جانب إهتمامه وولعهِ بالبناء والعُمران والعلوم والفتوح، فلقد كانَ قاسياً، ظالماً في كثيرٍ من المواقف، غارقاً في الموبقات " شأنه في ذلك شأن معظم الخلفاء في التأريخ الإسلامي ! " . لكنه على أية حال .. يُعتَبر باني مدينة بغداد في موقعها الحالي .

كّلفتْ الحكومة في منتصف السبعينيات من القرن الماضي، أحد أبرز رواد الحركة الفنية، الفنان العراقي الشهير " خالد الرحال " بعمل نُصب لأبو جعفر المنصور .. وبالفعل أكمل النُصب في أواخر السبعينيات، ووضع في الساحة الرئيسية في منطقة المنصور في بغداد، وعُدَ من المَعالم المهمة في العاصمة منذ ذلك الوقت . وهو اي التمثال، عبارة عن رأس مصنوع من مادة البرونز، منصوب فوق قاعدة يبلغ إرتفاعها خمسة امتار، بُنيتْ وفق الطراز المعماري البغدادي .

بعد الإحتلال الامريكي، والفوضى العارمة التي أعقبته .. تعَرض تمثال ابو جعفر المنصور، مثل الكثير من النُصب الاخرى في بغداد والمحافظات، الى التخريب . بل انه تَمَ تفجير نُصب المنصور، ولم يسلم منه إلا الرأس .. وقامتْ أمانة بغداد بعملية ترميم وتجديد شاملة، للنُصب .. وتم إفتتاحه ثانية في حزيران 2008 . لكن الغريب انه في فجر يوم أمس الخميس 13/12 /2012،  شوهدتْ آليات متنوعة وسيارة كبيرة، عند النُصب .. وقامتْ برفعهِ ونقله الى مكانٍ مجهول .. وإمتنعتْ محافظة بغداد وأمانة بغداد، عن التحدث في الموضوع او الإجابة على أسئلة الصحفيين ! .

..............................................

التراجيكوميديا .. تتمثل في ان " بغداد " ستكون [ عاصمة الثقافة العربية في 2013 ] ! .. بغداد التي حّولت تمثال " الرصافي " الكبير، الى مزبلة حقيقية، بِحجة انه كان علمانياً وملحداً .. بغداد التي فّجرتْ تمثال المنصور، ثم اليوم خطفَتهُ الى مكانٍ مجهول، بذريعة انه قتل الكثير من أهل البيت .. بغداد التي ستنسف تمثال ابو نواس وشهرزاد وشهريار، بسبب انهم شاربوا خمرٍ وأهل فُسقٍ وفجور .. بغداد التي أغلقتْ المسارح ودور السينما والملاهي .. بغداد الرسمية، بعمائمها المنافقة، التي تُحارب شارع المُتنبي وتعتبره مصدر كُل الشرور ..

إذا كانتْ بغداد الحالية، هي (عاصمة) الثقافة العربية .. فيالبؤس هذه الثقافة !

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2306 الأحد 16 / 12 / 2012)

في المثقف اليوم