أقلام حرة

شعار المرحلة .. من ليس معي فهو ضدي!! / وائل مصباح عبد المحسن

ربطت بين مفهوم الثورة والحرية، وليس العدالة أو الكرامة، وهو أمر يسم مختلف الثورات بشكل عام، والثورات العربية التي أطاحت بأنظمة الاستبدادفي كل من تونس ومصر وليبيا واليمن - وسوريا قريبا بإذن الله - ولا شك في اختلاف التحرر عن الحرية، ومع أن التحرر هو شرط بلوغ الحرية لكنه لا يقود إليها بشكل آلي،  كما أن الرغبة في الحرية مختلفة عن الرغبة في التحرر، ورغم إننا كنا نري كلا منهم قبل ذلك ولكن في  قصائد الغربة والحنين عن الوطن !!لذا ستظل هذه العلاقة إحدى أهم قضايا الشعوب وهي من أهم الأوتار التي يعزف عليها السياسيون، فالكل يطمح لاستقلال بلاده وأن يكون شعبه حراً في اتخاذ القرارات لمصلحة الشعب أو الجماعة أو المجتمع الذي ينتمي إليه، فهل جيل 25 يناير  يعلم ذلك؟أم انه يبحث مع الآخرون عن السلطة  - بضم الواو مش سلطه الخضار أو الفاكهة -  طبقا لسياسة تقسم التورتة السياسية؟!!!

مع وضع شعار المرحلة"من ليس معي فهو ضدي"نصب الأعين، وتحضير الملايه السياسية وفرشها في وجه المعارضون في أي وقت، مع الاستعداد لإطلاق سيل من التُهم سابقة التجهيز!!

يجب أن يعرف هؤلاء المتصارعون على الظهور في الفضائيات أن الثورات التنويريّة لا تُطيح بنظام حكم بقدر ما تُطيح بعقلية وثقافة سلطويّة مُنتشرة في المجتمع، لذا فالنتائج الثقافية للثورات العربية الحالية لا يمكن رؤيتها بوضوح إذا ركّزنا أنظارنا فقط على الحراك السياسي في مرحلة الثورة وما بعدها، وهو حراك تمثله بشكل أساسي التشكيلات الحزبية والعقليّات الدستوريّة، أما إنجازات الثورة في ثقافة المجتمع فلا يمكن رؤيتها بوضوح إلا بعد سنوات عديدة من الثورة، وذلك لأن الثقافة تتغيّر بأساليب تختلف عن أساليب تغيير السياسات والأنظمة، و لأن التغيير الثقافي هو في نهاية المطاف تغيير لعقل ولرؤية للعالم، وليس فقط لأساليب حكم الدولة أو تقنيات أدارة المجتمع.

فهذه الثورات الفذة لم تفتح حتى الآن المجال لقيادة أو لتنظيم أو لحزب أو حتّى لرمز ثوري ليُمثّل أو يقود الثورة بأكملها، فقد اعتمدت بشكل على الحس العفوي كمصدر أساسي لممارسة الثورة مع استلهام أسلوبها من الثقافة الشعبية العامة التي بدت ظاهريا في مرحلة ما قبل الثورة وكأنها عماد الديكتاتورية في الدولة بل وفي المجتمع ذاته، في حين إنها كانت جبلاً من الجليد تبدو قمته على السطح صغيرة بينما هو عملاقاً في الداخل، لذلك فأن الربيع العربي يُمثّل لحظة فارقة نادرٌ مثيلها ليس فقط في التاريخ العربي الحديث بل في التاريخ الحديث ككل.

فمثلاً إذا أردنا مقارنة الثورات العربية بالثورة الإيرانية 1979 كآخر ثورة شعبية كُبرى في محيط المنطقة - مع استثناء الانتفاضة السودانية ضد نظام النميري في منتصف الثمانينات -  نجد اختلافا كبيراً في مفهوم قيادة الثورة، فرغم أن الثورة الإيرانية كانت ثورة شعبية بكل معنى، فقد كان لها كذلك صفة اشتركت فيها مع غالب الثورات الشعبية في العصر الحديث، ألا وهي أهمية وجود قيادة واضحة  -  الإمام الخميني - تُمثّل الشعب ووحدته ضد الطغيان، ولذلك كانت مسألة سلطة الثورة واضحة في حالة الثورة الإيرانية بشكل لا يمكن مقارنته بأي من الثورات العربية،  والتي لم يكن لأي منها بديل جاهز ومتفق علية بشكل عام زمام السلطة بعد سقوط النظام القديم، ولذلك نرى أن هذه الثورات تعتمد في النهاية لإكمال الثورة على أطلال من صلب النظام القديم، كالمجلس العسكري في مصر، والانتقال الدستوري في تونس، والمجلس الوطني في ليبيا.

أن ذاكرة تاريخية قد تكونت وقامت بعملها، ألا وهو إضافة ملخّص دروس التجارب الثورية الماضية إلى الثقافة الشعبية، فالشعب يحاول الآن أن يقاوم كل إغراءات القيادة أو حتى التنظيم الموحّد لان تاريخ السلطوية باسم الشعب قد أصبح جزء من ذاكرته السلبية، وبالتالي جزء مما تشك به ثقافته العامة بشكل عفوي، فهو نفس الشعب الذي ابدي كامل الاستعداد في فترات تاريخية مضت في تخويل سلطة مُحددة لتقوم بالعمل التاريخي الثوري المطلوب باسمه وبالنيابة عنه، فحزب الوفد حظي بهذا الدور بعد ثورة 1919، وأكمله جمال عبد الناصر فيما بعد كآخر رمز أو تجسيد ممكن لمفهوم "الشعب" في العالم العربي، وعندما وصل النموذج الناصري إلى طريق مسدود في العالم العربي، برز الخميني كرمز وتجسيد موحّد لذات الفكرة، أي سلطة الشعب ممثلة بقائد تاريخي يسترد للشعب حقوقه المسلوبة ويشرح للشعب سرّ الثورة التي لا تتم إلا بحكمة قائدها، لأن الشعب لا يُمثّل إرادته مباشرة بل يمثّلها من يملك دفّة ثورته.

مع تحيات

 

وائل مصباح عبد المحسن

 

تابعنا على الفيس بوك  وفي   تويتر

 

العودة الى الصفحة الأولى

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها: (العدد :2307 الأثنين 17 / 12 / 2012)

في المثقف اليوم