أقلام حرة

جزر الفوكلاند وتصادم القطارين ومجازر العراق

البريطانية وتوجد فيها حامية من الجنود البريطانيين وفي الشهر الرابع من السنة الثانية والثمانين بعد التسعمائة وألف اجتاحت الأرجنتين عسكريا الجزر قصد تحريرها واسترجاعها، إلا أن بريطانيا دخلت بأسطولها البحري والجوي في حرب مع الأرجنتين انتهت لصالحها يوم 14 حزيران 1982 وفي خضم المعارك التي تزامن وقوعها مع وقوع أبشع المعارك الدموية في الحرب العراقية الإيرانية في القاطع الجنوبي، وفي هذه الحرب تمكنت القوات الأرجنتينية من تدمير بارجة حربية بريطانية ضخمة ولكنها في النهاية خسرت الحرب وخسرت من جنودها ما لا يزيد على عدد أصابع اليد وسحبت قواتها مما دفع رئيس البلاد لتقديم استقالته فورا معتبرا نفسه مسئولا عن هزيمة قواته التي أدخلها  معركة غير متكافئة. تبع ذلك استقالة ضابط بحري بريطاني رفيع المستوى بسبب فشله في منع القوات الأرجنتينية من إصابة البارجة معتبرا نفسه مقصرا ومسئولا عن الحادث.

حدث هذا في وقت كانت فيه القوات العراقية تتعرض  للهزائم المتلاحقة على يد القوات الإيرانية إبان حرب الخليج الأولى وأعداد الضحايا تتعدى المئات في كل معركة منها ومخازن الأسلحة خالية وخزانة البلد خاوية، وكان ظهور الرئيس المهزوم صدام على شاشة التلفزيون يتزامن مع كل هزيمة منها ليعلن أن خسارة معركة لا تعني خسارة الحرب وأن الحرب تحتاج للتضحيات وأن العراق سوف يحسم المعركة في نهاية الأمر لصالحه مهما كبرت التضحيات وما يشابه هذه الأقوال التافهة من جمل وعبارات أراد من ورائها إظهار نفسه بأنه القائد الأبدي والبطل الأسطوري الذي لا يخطأ ولا يسهو ولا يفشل في التخطيط لمعركة. وعليه كان مع كل هزيمة يمنى بها الجيش العراقي يسارع بإلقاء اللوم على رأس بعض قادته العسكريين الكبار فيحيلهم إلى فرق الإعدام لتنفذ فيهم حكم الموت رميا بالرصاص بسبب فشلهم في صد الهجمات حتى من دون محكمة صورية. وكنا نحن الشعب المغلوب على أمره سواء في جبهات القتال أو في الدوائر والبيوت نتهامس الأقوال بشأن المقارنة بين موقفي الرئيسين الأرجنتيني والعراقي وكيف أن الرئيس الأرجنتيني لم يقدر على تحمل مسئولية مقتل بضعة جنود فاستقال من منصبه فورا بينما لا يلتفت الرئيس العراقي لمئات الجنود الذين يحترقون في أتون المعارك الدموية الشرسة، وكنا نعتبر هذين التصرفين والموقفين المتناقضين من مقاييس الشرف بين القادة، ودلالة على الشعور بقيمة المسئولية الملقاة على عاتق القادة، ولكننا كنا نخشى التصريح بذلك خارج حدود علاقاتنا الوثيقة خوفا من فرق الإعدام!!

 

وواقعة حدثت في بدايات القرن الحادي والعشرين:

وبعد مرور عقود على هاتين الحادثتين تكررت الواقعة في الشهر العاشر من السنة التاسعة بعد الألفين بسيناريو جديد هذه المرة حيث تزامن تصادم قطارين في جمهورية مصر العربية مع تفجيرات الأحد الدموية في جمهورية العراق.

 ومع أنه لم يقتل في حادث تصادم القطارين سوى ( 25) شخصا ولم يجرح سوى ( 55) شخصا إلا أن وزير النقل والمواصلات المصري محمد لطفي داود ورئيس هيئة السكك الحديدية أعلنا بعد يوم واحد من حادث التصادم مسئوليتهما المباشرة عن الخطأ المروع الذي أودى بحياة هؤلاء المواطنين الأبرياء فقدما استقالتيهما إلى الرئيس المصري الذي قبلها بترحاب، وقدما معها اعتذارا للشعب المصري عن تقصيرهم في أداء الواجب الرسمي رغم أنه لا يمكن للوزير أن يشرف على حركة كل قطار يسير في البلاد حتى ولو بشكل غير مباشر. وبالمقابل وفي نفس يوم تقديم الوزير المصري لاستقالته خرج وزير أمني عراقي للاعتراض على قرار مجلس محافظة بغداد الذي صوت أعضاؤه بالإجماع على إقالة الوزراء الأمنيين والمسئولين عن قيادة عمليات بغداد لتقصيرهم في أداء واجبهم مما أدى إلى تكرار وقوع العمليات الإرهابية الكبيرة التي أدت إلى وقوع مئات الشهداء والجرحى الأبرياء، ليعلن بكل صلف وعنجهية ووقاحة أن أمر الإقالة ليس من صلاحية المجلس. مؤكدا بذلك حرصه على البقاء في مكانه والتضحية بكل شيء في سبيله، وقد قال المصدر المخول بالتصريح نيابة عنه بالحرف الواحد: (إن قرار الإقالة الذي صوت عليه اليوم مجلس محافظة بغداد يأتي لدوافع حزبية وسياسية إذ أن الجميع يعرف أن امن بغداد وقيادة العمليات فيها من مسؤولية عمليات بغداد وليس من مسؤولية وزيارة الداخلية، كما أن جميع أجهزة وزارة الداخلية والدفاع تعمل بإمرة قائد عمليات بغداد وليس وزير الداخلية". وأضاف المصدر" إن محافظ بغداد ورئيس مجلس المحافظة هم من حزب الدعوة الذي يسعى لإقالة وزير الداخلية كونه اقرب المنافسين للمالكي رئيسا للوزراء في المرحلة المقبلة، مضافا إلى أن البولاني دخل في قائمة انتخابية تعد من القوائم الانتخابية الوطنية المهمة والتي تشترك فيها شخصيات مهمة مثل احمد أبو ريشة واحمد عبد الغفور السامرائي وهذا ما جعل المالكي وحزب الدعوة يسعون لأقالته)

 

وواقعة ننتظر وقوعها بخوف ورهبة شديدين:

يعني هذا: أن أكثر الوزراء والمسئولين والقادة الأمنيين على استعداد تام للتضحية بمئات العراقيين يوميا وتدمير مئات المشاريع والبنايات والمقرات، بل والمشاركة الفعلية في العمليات الإرهابية الخسيسة، مقابل بقائهم في مناصبهم واحتفاظهم بكراسيهم، والتنعم بخيرات المنصب الأسطورية التي يحلم بها الحالمون والتي مكنتهم من بناء عشرات المغارات السرية التي تفوق مغارة علي بابا بالحجم والمحتوى عشرات المرات. وعليه من الطبيعي لمن يتنعم بمثل هذه الخيرات أن يرفض مغادرة موقعه حتى ولو ضحى بأمه وأبيه وخليلته.

 ويعني هذا: أنهم جميعا يوظفون مصائب وويلات الشعب العراقي المقهور والمذبوح بيد أعتى جلادين عرفتهم البشرية سواء بالسيوف والتفجيرات أو بالصراع السياسي بين الأحزاب في حملاتهم الانتخابية. ويستغلون مآسي الشعب لتصفية الحسابات الشخصية. ويتاجرون بالوطن والوطنية وبالدين والقضية.

 ويعني هذا: أن المآسي التي تنتظرنا كمواطنين مسالمين سواء على يد السياسيين الجلادين المتهيئين لخوض الانتخابات القادمة، أو الإرهابيين الذين يستغلون صراعات السياسيين البينية لينفذوا جرائمهم الكبيرة، ستكون أعتى وأقسى وأمر من كل الذي شاهدناه خلال السنوات الست المنصرمة.

 ولعلها هي السنوات العجاف التي وعدنا بها النبي الأكرم وأهل بيته النجباء وقالوا بأننا سنرى فيها العجب .. ولكن بربكم خبروني .. هل من عجب أكبر من عجب ما يحدث الآن، وهل من عجب أكبر وأعجب مما نراه ونسمعه من أولي الأمر الذين أمرنا النبي بطاعة أوامرهم حتى ولو سلبوا مالنا وأدموا ظهورنا؟ وهل معنى هذا أننا ملزمون بهذه الطاعة، أم من المفروض والواجب الشرعي والوطني والإنساني أن نتمرد، ونثور، ونصرخ من أعماق مآسينا وشديد وجعنا وعظيم محنتنا: لا نريكم .. لا نريدكم. لا نريدكم.. ولا نريد أن نسمع منكم أو عنكم شيئا، فقد طفح الكيل وأنكسر المكيال وأصبح بطن الأرض أرحم من ظهرها حتى بتنا نحسد الأموات على سكونهم لأنكم والله أفقدتمونا متعة كنا ننتظرها بلهفة وحنين وشوق منذ عشرات السنين ونأمل أن تأتي لكي تمسح عن جباهنا تعب السنين العجاف التي عشناها، وتزيل عن ظهورنا آثار سياط الجلاد التي طرزها زبانيته عليها في سجون الأمن العامة. بل إنكم دفعتمونا قسرا لكي نترحم على تلك الأيام السود رغم مرارتها ونتمنى أن تعود!!! 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1212 الخميس 29/10/2009)

 

في المثقف اليوم