أقلام حرة

أسئلة من عمق الأزمة..

اودنيس مع فقدانها قدرتها على إثارة الأسئلة الجديدة وبحثها المتواصل عن إجابات جديدة  أيضا لأسئلة مبتكرة والتي من خلالها ستحرك واقع العقل العربي الراكد في العمق الاجتماعي والسياسي والثقافي والمعرفي المعاصر  ؟هل نعيش ألان في عصر الانقراض الفعلي لحضارة امة عريقة كانت  فيما مضى  فاعلة في تاريخ  الحضارة  الإنسانية ومتواصلة في مفاصل الحراك  الفكري الإنساني  وتقديم العطاء والإسهام في منظومة البناء الإنساني اجمع  ؟ هل بلغت دورة التحديث التي مرت بها الحضارة العربية بعد النهضة العربية عقب الاحتلال العثماني   أوجها ومن ثم بدأت تفقد زخمها وفقا لقوانين الفيزياء الطبيعية بسبب غياب التفاعل المتواصل ومقومات الاستمرار لهذا التفاعل ؟ وإذا كان الجواب بنعم فالسؤال الأبرز هل نحن قادرين كأمة وشعوب على العودة ثانية لنتفاعل مع مجريات ما يحصل في العالم والمشاركة في منظومة الجدل المعرفي العالمي  وإيجاد البدائل الأساسية لخلق قواعد وأسس  معرفية يمكن البناء عليها مجدداً  لتأسيس حضارة فاعلة ونهضة جديدة تواكب الحركة العالمية  السائرة في دروب المعرفة  ؟ أسئلة تحتاج الى إجابات كثيرة ومعقدة  ،واعتقد ان الإجابة عن  أسباب هذا الانهيار ستكون صعبة مالم تكن مستحيلة اذا لم نبادر الى تفكيك البنى الأساسية في خطابنا الثقافي  والمعرفي واكتشاف مواطن الخلل فيه ،وإعادة قراءة المتشكل منه وعدم وضع أي خطوط حمراء إمام هذه المراجعة الشاملة ولعل من أولى البنى التي تحتاج الى مراجعة هي علاقة الوسط الثقافي /المعرفي مع السلطة السياسية العربية القائمة على مباني لاتخضع بالضرورة الى ما ينتج معرفياً لتحديد شكل هذه السلطة ، ولذا وجب معرفة علاقة المثقف مع السياسي ،هل هي علاقة تبادلية برغماتية قائمة على أسس معيارية وبذا يكون المعرفي  العربي احد إطراف العملية فهو ينتج خطابه بناءاً على رؤيتهِ الاستشرافية  وتحليل عقلاني منطقي للواقع  ويُنظر وفقاً لمعطياتهِ المعرفية القائمة على التجربة والدليل العلمي   ، وإذا كان المثقف هو القادر على إنتاج معرفة تتيح بناء حضارة فالسؤال هنا هل يستطيع المثقف مواجهة خطاب السياسي أم انه غير قادر تماما ً على المواجهة وانحيازه التام لصالح ما ينتجه العقل المعرفي ،واجزم ان المثقف العربي هو من يتحمل الدور الأبرز في هذا الانقراض ،فهو حينما تخلى عن دوره كمحرك لعجلة التجديد الفكري لصالح سكونه وانزوائه وبقاءه هامشاً ضمن هوامش متعددة للسياسي العربي المحتكر للسلطة بأدواتها المعروفة ، وأصبح أحد أدواته التي يصدر  من خلاله خطابه  الى الجماهير ، وبنظرة سريعة لواقعنا المعاش سنلاحظ وبوضوح عجز الوسط الثقافي العربي عن تحديد مواقف ثابتة وصريحة تجاه أزمات تعصف بالأمة وتحولات محورية تعيش شعوب المنطقة مخاضاتها العسيرة  وتخوض غمارتها دون ان تمتلك الأدوات اللازمة لمواجهة هذه المخاطر ،ولعل من الأسباب التي لابد من ملاحظتها هو غياب الخطاب النقدي الجريء والموضوعي في مراجعة ماينتج من خطاب معرفي وتقويمه لان تداخله مع ماهو مقدس افسد عملية النقد حد من فاعليتها    ، وهذا الغياب النقدي عن الساحة  المعرفية  ولد فيها  ترسبات كبيرة تحولت الى عقد منتفخة لايمكن الاقتراب منها وبذا ساهمت في خواء وتراجع الخطاب الثقافي –المعرفي   أضف الى ذلك التراجع المشهود في الواقع التعليمي العربي والأمية المنتشرة في عالمنا العربي فبحسب تقرير المعرفة العربي الذي صدر في دبي مؤخراً فان اكثر من 50 مليون إنسان عربي أمي  ثلثهم من النساء ،هذا بالإضافة الى المناهج الدراسية العربية مازالت متخلفة وتعاني من الجمود والانغلاق وعدم قدرة القائمين على العملية التعليمية مواكبة حركة التعليم الحديث وكذلك فان غياب مراكز البحوث العلمية المؤهلة سبب أخر يضاف الى أسباب هذا الانقراض الحضاري  الذي أشار إليه اودنيس ، ولذا فان المشهد في عالمنا العربي سيبقى مأساويا من مختلف جوانبه مادمنا لانملك قراراً حاسماً للعودة ثانية الى بودقة الحضارة العالمية والتفاعل معها وفقاً لمعطياتنا المعرفية التي ننتجها نحنُ لا تلك التي تصدر لنا .

 

حيدر قاسم الحجامي

كانب وصحفي عراقي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1212 الخميس 29/10/2009)

 

 

في المثقف اليوم