أقلام حرة

الإسلام بين الاستبداد والديمقراطية

طقوس وشعائر ومسالك تحد من حريته الفكرية وتضبط سلوكه العام بجملة من الضوابط المحددة بخطوطها الحمر؟.

لننتقل من بعد هذا السؤال العام إلى آخر خاص في غمار طرحنا هذا، هل الإسلام كدين تمتد جذوره وأصوله إلى ما يزيد عن أربعة عشر قرناً أسس ولا زال يؤسس لثقافة الاستبداد، أم أن الاستبداد في مفهوم العام حالة نفسانية خاصة في الإنسان، أي إنسان، مؤمناً كان أم غير مؤمن، وبالتالي لا علاقة للإسلام ولا للأديان الأخرى في تأطيره وتسطيره في حياة الناس ؟.

من وحي هذه الأسئلة، سنكون ومن دون أدنى شك، أمام سيل غير منقطع من الإجابات المتباينة والمتفاوتة في رأيها واعتقادها، فالإسلام قد يغدو استبدادياً في نظر البعض عندما يُنظر إليه كعقيدة سياسية لا كدين، وبالتالي فإن الاستبداد في منظورهم، ليس سوى حالة سياسية أكثر منها نفسانية، ولطالما كان الإسلام مجرد عقيدة وحسب، فإنه والاستبداد على خط واحد .

كما أن الإسلام قد يغدو ديمقراطياً، له تجربته المتمايزة عن تجارب الأديان الأخرى،عندما كان ديناً خالصا لله وحده، شاء الآخرون أم أبو، فإن ديمقراطيته تبرز في كونه يقبل التعايش مع الأديان الأخرى والمجتمعات ذات الثقافة المغايرة لثقافته وتراثه، وليست الديمقراطية هنا من باب حرية الدعوة إلى الإسلام والدخول إليه أو الخروج منه ترغيباً لا ترهيباً .

عند هذه النقطة، أي النقطة المتعلقة بالترغيب والترهيب أولاً، وبالتسيير والتخيير تالياً، ثمة جدل كبير لم ولن يحسم بعد، ولا نستطيع بكل الأحوال تبني نقطة والبناء عليها، دون الأخذ بالنقطة الثانية، فلو قلنا مثلاً إن الإسلام ديمقراطي لجهة ترغيبه وتخييره لأي إنسان كان في دخول الدين، وذلك على الأساس المبني أن لا إكراه في الدين، فإن النقطة الأخرى المتعلقة بالتسيير والترهيب لا تنفك في تقفي آثار الإنسان وأعماله في الدنيا قبل الآخرة ومحاسبته على نواياه وسرائره قبل أن تترجم إلى أفعال، فالخروج عن الدين ليس كالدخول إليه .

وإذا كنا نحاول في هذه الزاوية الحادة تصنيف الإسلام، فإن المسلمين أنفسهم يرفضون هكذا تصنيف ويقطعون بعدم صحته وجدواه، فلا هم، كلهم أو بعضهم، سواء كانوا محافظين أو راديكاليين، يقبلون بجوهر الديمقراطية التي لا تعني لهم شيئاً سوى أنها سلعة مستهلكة من مخلفات الغرب المنحل ديناً وأخلاقياً، ولو أن بعض حركات الإسلام السياسي تقر بمبدأ الديمقراطية، ربما لغاية في نفسها، فإنهم يذهبون إلى مقارنتها ومساوقتها مع مفهوم الشورى، البعيدة قلباً وقالباً عن مفهوم الديمقراطية فكراً وممارسةً .

يبقى التصنيف الآخر، ألا وهو مقاربة الإسلام بالاستبداد، الأكثر جدلاً حتى اليوم، لكن الاعتقاد الأقرب إلى المنطق والعقل، قبل الدخول في أحكام وتصورات مسبقة عن الاستبداد ومدى ملازمته للإسلام، يمكن القول في عجالة، إن عملة الاستبداد هي الوجه الآخر للإرهاب السياسي والفكري، ولطالما كان الإرهاب عابراً لكل حدود العقل والجغرافيا، فإن عملة الاستبداد أيضاً، نجدها في كل الأسواق، فلا نستطيع أن نجزم بوجودها في الإسلام، من دون أن نجزم بوجودها لدى بعض تيارات العلمانية، لكن هذه العملة ( الاستبداد ) إذا انتفى استخدامها ( السلوك ) بين المسلمين انتفى وجودها .

وهذا لا يعني مسبقاً أن الأديان بجوهرها العام تعج بالاستبداد، بما فيها الإسلام، فالخوض في غمار النصوص والتحري عن مدلول كل مفردة وما ترمز إليه، عملية شاقة وعبثية، أو لنقل كالطحن في الهواء، لا سيما وأن الحجة هنا ستقابلها حجة أخرى، وهكذا دواليك من تضاد إلى تضاد أخر، وصولاً إلى ما يسمى بالشرنقة والدوران في حلقتها المفرغة .

كما أن هذا التضاد الذاخر بالحجج والبراهين والذي يتراوح بين نفي الاستبداد وإثباته، لا يعني أن الإسلام يؤسس للتناقض أو هو دين قائم على التناقض بين طبائع الأشياء، فو أخذنا قضية صغيرة بحجم قضية النقاب مثلاً، فإننا سنجد أنفسنا أمام جدل بيزنطي عقيم لا متناهي من حيث شدة الحجج وتضادها مع الحجج الأخرى بين مؤيد ومعارض له على نطاق المسلمين أنفسهم، فما بالنا بين المسلمين وغير المسلمين .

وبالعودة إلى عملة الاستبداد، فإننا كما سبق وذكرنا، أنها موجودة في كل الأسواق بلا استثناء، وما يؤسس لها في هذه الحالة، ليس الدين بقدر ما هو السلوك الإنساني، فقد يكون الدين مغذياً لها، لجهة التسيير والترهيب كما أشرنا أنفاً، لكن أساسها ينبع من باطن السلوك، فلو عدنا إلى المسيحية قبل ثلاثمائة عام لوجدنا أن الاستبداد كان مهيمناً على طبقة رجال الكنيسة قبل أن يهيمن على المسيحي نفسه، لكنه انتقل سلوكياً وبكل الاتجاهات بين عموم المؤمنين، بعيداً عن المعتقدات النابعة من جوهر الكتاب المقدس .

ولو فتشنا عن الاستبداد في المسيحية اليوم، لما وجدناه البتة، والسبب هل يعود إلى انتفاء المسيحية من قلب المجتمعات الغربية، وانتقالها نحو الديمقراطية، أم أن الأمر عائد في أساسه إلى انتفاء ذلك السلوك الكنسي الذي كان مسيطراً على قلوبهم وعقولهم قبل ثلاثة قرون، رغم بقاء الكنيسة كعمران والمسيحية كدين؟.

من حق المسلمين أن يرفضوا الديمقراطية، إذا كانوا يجدون فيها ما يلحق الضرر بمجتمعاتهم قبل أن يلحقه بدينهم، لكن ليس من حقهم أن يستمروا في تأطير الإسلام كديانة عالمية بعملة الاستبداد من خلال تأبيدهم لبعض السلوكيات وتعميمها على سائر المسلمين من كل الفرق والملل والنحل باسم الدين، فقد أن الأوان لتغييرها ولو من باب الإصلاح الذي لا زال موصداً، دون أن يعني ذلك تغييراً في الدين أو الكتاب .

 

كاتب عربي

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1216 الاثنين 02/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم