أقلام حرة

النازية وتنظيم القاعدة وفسيفساء الضحايا

سواء بالتلاشي الذري الذي طبقته أمريكا في هيروشيما وناكازاكي أو ألانصهاري الذي طبقته النازية الألمانية ضد بعض الأعراق غير الآرية في ألمانيا قبل وأثناء الحرب حيث قامت الماكنة الألمانية الشرسة بسحق مجموعات بشرية كبيرة على أساس الانتماء الأيديولوجي بداية ثم العرقي لاحقا.ومن بين الضحايا الأوائل للتفرقة العنصرية النازية كان المعارضون السياسيون وزعماء النقابات والكتاب والفنانين  وأصحاب الأعمال التي اعتبرها النازيون أعمالا مخربة لقيم المجتمع المنشود.

 هوس النقاء العرقي وجنونه دفع قادة الفكر النازي وزعمائه للتفكير جديا بالتخلص من الأعراق والأفكار المغايرة لنهجهم الطائفي المتطرف وعليه شخصت الأيديولوجية النازية في تصورها  أعداء متعددين ومتشعبين فعادتهم وحاربتهم، بعضهم حورب فكريا وعقيديا والآخر حورب بسبب عرقه أو مهنته أو طباعه أو طريقة عيشه وأدت سياسة المعاداة والكره هذه إلى إبادة وقتل الملايين من البشر .

كان القادة النازيون المهووسون بالنقاء، نقاء العنصر، والدم والسلوك والقيم قد احتجزوا  حتى زعماء الكنائس المسيحية المعارضين للنازية. ولتطهير المجتمع من ذوي الاحتياجات الخاصة ابتكر النازيون  برنامج القتل الرحيم، وقتلوا بموجبه أكثر من 200 ألف من ذوي الاحتياجات الخاصة المعاقين عقليا أو جسديا. وفي حمى البحث عن النقاء الزائف اعتبر الفكر النازي اللوطيين والشاذين جنسيا من ذوي السلوك الملوث المشين الذي يعيق جهود المحافظة على الأمة الألمانية وبناء المجتمع اليوتيبي فتمت مطاردتهم وقتلهم.

تصاعد وتيرة التصنيف العدواني للبشر في الفكر النازي جعل قائمة الأعداء طويلة وأعدادهم كبيرة لا تسعها السجون العامة ولذا بدأ التفكير الجدي ببناء معسكرات اعتقال كبيرة دون النظر لأدنى المعايير الإنسانية الواجب توفرها.فقامت قوات الأمن الخاصة الألمانية في عام 1933 ببناء أول معسكر اعتقال (داخاو) لاحتجاز آلاف السياسيين الألمان المعارضين للنازية، ومن بعدها توالى بناء معسكرات الاعتقال ليحجر فيها من يعترض على سياسة الفكر النازي المتطرف أو ممن هو من غير العرق الآري  ومنهم الأشخاص ذوي الملامح  العربية أو الآسيوية أو الأفريقية واليهود الذين حددتهم قوانين نورمبرخ 1935 حسب الدم والغجر الذين شملتهم نفس القوانين حيث صنف النازيون الغجر بأنهم "عاطلون" و"غير مندمجين في المجتمع" أي غير منتجين وغير ملائمين اجتماعيًا. وكان الغجر المنفيون إلى الحي اليهودي "لودش" من أوائل القتلى في عربات الغاز المتنقلة في محتشد "شيلمنو" ببولندا. كما أرسل النازيون 20 ألف غجري إلى محتشد (أوشفتز – بيركناو) حيث لقي معظمهم حتفه في غرف الغاز.

وكذلك نظر النازيون إلى الشعوب الأخرى ومنها البولنديين والسلافيين كأجناس (منحطة) وكان النازيون يعتبرون البولنديون خطرين على الصعيد الإيديولوجي (بما في ذلك المفكرين والقساوسة الكاثوليك) فتم استهداف عشرات الآلاف منهم وتنفيذ أوامر الإعدام فيهم في عملية عرفت باسم (أب-أكتيونAB-Aktion.  وبين الأعوام 1935 و 1945 تم ترحيل مالا يقل عن مليون ونصف من المواطنين البولنديين إلى داخل الأراضي الألمانية لاستخدامهم في أعمال السخرة والأعمال الشاقة إضافة إلى مئات الآلاف كانوا مسجونين بمحتشدات الإبادة وقُدر عدد المدنيين البولنديين الذين قتلهم النازيون أثناء الحرب العالمية الثانية بحوالي 1,9 مليون شخص

وخلال الأعوام 1941 و1942 تعاونت السلطات العسكرية والشرطة السرية الألمانيتين على سياسة القتل الجماعي لسجناء الحرب السوفيت. كما تم اختيار اليهود والأشخاص ذوي الملامح الآسيوية لتنفيذ حكم الإعدام فيهم رميا بالرصاص. واحتجز حوالي ثلاثة ملايين آخرون داخل محتشدات مؤقتة وتركوا بدون مأوى أو طعام أو عناية طبية قصد قتلهم. هذا من غير أعداد العسكريين والمدنيين الذين قتلوا أثناء الحرب المدمرة التي قادت العالم إلى حافات الهلاك.

لكن ماذا كانت النتيجة؟ وهل نجحت النازية في تطبيق نهجها المتطرف أم أنها حضت بلعنة الله والتاريخ والشعوب الحرة بما فيها الشعب الألماني نفسه؟وهل نجح نهجها أم أن الشعوب عملت بخلافه كليا؟ وهل من الممكن لمشروع مشابه للمشروع النازي أن ينجح الآن؟

إن في العراق وأفغانستان وباكستان يتماهى فكر تنظيم القاعدة الإرهابي والتنظيمات الطائفية الساندة له مع الفكر والمشروع النازي، وحتى أنواع وأجناس المكونات التي تناصبها القاعدة العداء وتعمل على ابادتها أو إجبارها على تغيير معتقداتها وسلوكها تتجانس مع أنواع ألأعداء في الفكر النازي. فالقاعدة صنفت أعدائها حسب المعتقد والفكر والدين والجنس والعرق والقومية كما فعل النازيون باستثناء عدوين محتملين آخرين لم تدرجهما القاعدة في قائمتها ولم تضعهما في حساباتها هم الغجر والشاذين جنسيا، حيث جاء في موقع (الجزيرة نت) عند حديثه عن غجر العراق: أن الغجر المقيمين في ديالى والمناطق التي تسيطر عليها القاعدة  مثل قرية (الحديد) كانوا اسعد حظا من غجر الجنوب لأنهم لم يتعرضوا للأذى مثل الآخرين!!

ولذا يجد من يطلع على المشاريع التخريبية الطائفية التي أعدتها المجاميع الإرهابية التابعة لتنظيم القاعدة وباقي التنظيمات التخريبية الأخرى في العراق تقاربا كبيرا مع الأسلوب النازي المتطرف الطائفي. فالقاعدة والمجاميع التابعة لها تشابه الفكر النازي في جوانب كثيرة من مشروعها وتلتقي معه في طرق التعامل مع المخالف. وهي تنظر لمسألة النقاء ألعقيدي (الديني) بنفس الجدية التي كانت النازية تنظرها لنقاء العرق الآري، فأتباع القاعدة يعتقدون أنهم أنقى وأشرف وأطهر البشر لأنهم يطبقون العقيدة بحذافيرها الأولى التي عمل بها السلف ويعتبرون المسلمين الآخرين من أتباع المذاهب السنية ملوثون بالخطيئة والشرك ولذا يجب وضعهم في معسكرات اعتقال وتخليصهم من الشرك ليعلنوا التوبة ويعودوا لاعتناق الإسلام من جديد. أو يقومون بتفجيرهم وقتلهم بالمفخخات والذبح والاغتيال. ويلعنون ويكفرون الأب والأم والأخ وكل من لا يلتحق بهم. ويعتبرون أتباع المذاهب الأخرى غير السنية مرتدين ومشركين يجب استتابتهم وإلا قتلهم. كما ويعتبرون أتباع الديانات الأخرى كفارا يجب أسلمتهم أو أخذ الجزية منهم أو قتلهم! ولو كانت القاعدة تملك الإمكانيات التي أمتلكها هتلر لفاق عدد ضحاياهم أعداد ضحايا النازية عشرات المرات.

النازية نظريا كانت تملك كل مقومات النجاح بل ونجحت في احتلال أجزاء كبيرة من العالم وكان احتلالها لكل العالم مسألة وقت لا أكثر في نظر الكثير من المحللين ولكنها خسرت كل الرهانات وخسرت معها الحرب وباءت بالهزيمة النكراء لأن عقيدتها منحرفة وخطها خال من الروح الإنسانية السمحة التي تؤمن بالآخر وتتقبله ولذا جمع العالم المتحرر بقاياها وألقى بها في مزبلة التاريخ ، وبالمقابل كانت ردود فعل المجتمع الألماني الذي تنكر بالكامل لقيم وفكر الخط النازي حيث تحول الألمان بعد الهزيمة النكراء التي لحقت بهم في الحرب إلى أمة تعمل من أجل التطور والبناء وتنفتح  عقليا على كل الثقافات الأخرى وتقبل الآخر بلا أي إشكال، بل وسار بعض الألمان في طرق الشذوذ والانحراف الجنسي  بقوة لا تدانيها مسيرة الشعوب المجاورة لهم وكأنهم يريدون إدانة الفكر النازي بهذا العمل اللاأخلاقي

 أما القاعدة فلا تملك ولو جزء يسيرا مما كانت تملكه النازية وهي عاجزة عن احتلال قرية صغيرة منزوعة السلاح في العراق أو أفغانستان ولا تملك مقومات البقاء والاستمرار ولا تؤيدها الشعوب الحرة ويدين نهجها المتدينون الحقيقيون ويعتبرون أعمالها منافية للشرع ومخالفة للعقيدة فكيف ممكن أن تنجح في تحقيق شعاراتها النازية؟ بل هل من الممكن في زمن العولمة وسياسات تدويل القوانين والرقابة الشديدة على كل إجراء مهما كانت درجة خصوصيته الوطنية والدينية أن تحقق مثل هذه المشاريع الساذجة المتطرفة الرجعية جزء بسيطا من مشروعها الاعتباطي الذي يحضى باعتراضات داخلية كبيرة ورفض أكبر من المجتمع العالمي كله؟

 إذا لماذا لا تتعض القاعدة والتنظيمات الإرهابية الأخرى بدرس النازيين القاسي،وتعود إلى رشدها، وتترك العمل التخريبي وتدع الناس يختارون الحياة الكريمة التي يريدون أن يحيوها ويختارون طريقهم إلى الله بهواهم وبعقولهم وبفطرتهم السليمة؟

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1216 الاثنين 02/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم