أقلام حرة

عقدة كركوك وعقدة اوديب؟!

باستمرار من جماجم ساسة عراق اليوم تجاه كركوك (العقدة)،! تمتد يدك قسراً لتطرق باب هذه العقدة وروحك مقهورة لتفكك عناصرها بتأمل يفترض عقلا ان لا يحزّبك ضد الجبل ولا يلقيك في سهل سكانها الشرعيين. وبهذه الموازنة فالمدينة عندي لا تمثل اكثر من كركوك العراقية بكل مكوناتها واطيافها كأي محافظة اخرى يتجانس فيها مثل هذا الطيف العراقي.

 هناك تصوير نفسي له علاقة بالعقدة والمعقـّدين(بفتح القاف وكسره) لمعرفة سياقات كركوك كمحافظة عراقية أولا، ورغبة الاخوة الكورد فيها ثانيا، وظلامة تركمانها ثالثا، وليس اخرها وهن التطلع العربي للخروج من اتون هذه العقدة النفطية ونارها الازلية. طبعا بعيدا عن تناول جذور المشكلة ومن دون مس لأيٍ حبل من حبالها المرعبة. فالامر مجرد رغبة متزنة وعادلة بعدم بخس حق سكانها ومن دون تثريب لطرف. وبعيدا عن النظرة الانانية المقيتة: إذا متُّ ضمآناً فلا نزل القطر..

 

 عقدة أوديب: مصطلح استنبطه عالم النفس الشهير سيكموند فرويد من اسطورة اوديب الاغريقية. واشاعه فرويد كعقدة نفسية تطلق على الولد الذكر المتعلق بوالدته حد الغيرة المفرطة لمن يمس والدته وان كان والده.! فيكرهه وربما يداهمه حينما يدنو الاب من أمه. ورغم ان فرويد شذ في تفسير الحالة كثيرا لكنه اجمالا قدم مفهوما للمجتمع لمناقشته ودراسته للخروج بحل سليم من العقدة.

 

 كركوك المتنازع عليها من جهات داخلية ثلاثة بدت وكأنها تتوشح خمار أوديب من بعد هلاك نظام الرئيس المعدوم صدام بن إحصين الدموي. فصارت كريشة في مهب منافيخ  الساسة الجدد، وبابتعادنا عما جرى لكركوك سواء من الكورد بعد 9 نيسان 2003 اي بعد سقوط نظام العفالقة، وهشاشة الوضع العراقي السياسي العربي- التركماني وركاكته مقابل القوة والاستنفار الكوردي تجاه المدينة، اضف الى قلة الخبرة السياسية وتسطح الرؤية عند القادمين الجدد لحكم بغداد مع اغفالنا للتجنيات العربية وتناغم زعامات ائتلافات وكتل سياسية مع التحالف الكوردستاني لا تعدو مجاملات عقدية مستنفرة فرّت من شعاراتها التي جاءت بها من خلف الحدود وهم بذلك انما يهتكون ستر تقواهم السياسي (...) مع انهم يسمونها تورية سياسية.!

 

 يمكن مسك رأس خيط العقدة من خلال مقترح الامم المتحدة لمشكلة كركوك، والمقترح حسب التركمان انما يفيد الرؤية الاميركية متحققة بواسطة نواب عراقيين تقدم باسم الامم المتحدة لصبغ المقترح بالطابع الدولي وهو يعتمد سجل الناخبين عام2009 في الانتخابات المقبلة. وفيه اهمال لقطاع معين، وبذلك يكون العائق الاكبر امام التركمان ويمثل هاجس خوفهم الاول بعد تيقنهم من سذاجة مطالبة عربية بسيطة وتركمانية خجولة في قبة البرلمان ومؤسسات الحكم (العربي) في بغداد وهي لا تمثل اكثر من فقاعة صابونية في طشت فافوني غالبا ما تفقس بصمت رهيب في ارقى حال إن لم تواجه بسخرية من قادة يحسنون وظيفة تفسير الاحلام لتركمان كركوك.

 

 قبل ايام تكاثفت لقاءات برلمانية بعد اخفاق البرلمان للمرة السابعة لايجاد صيغة توافقية لمأساة كركوك ضمن قانون الانتخابات. طفق منا مقترح لرئاسة مجلس النواب يعتمد ممثلين جدد عن كركوك بالارتكاز على سجلات ناخبين حديثة مع تشكيل لجنة لتقصي الحقائق بشأن النمو السكاني خلال زمن محدد، بعدها يجرى تعديل على توزيع المقاعد النيابية في حال لم ينسجم تقرير اللجنة مع نتائج الانتخابات في المحافظة لمنح عرب وتركمان كركوك مقاعد تعويضية. كما بحث السيدان رئيس الوزراء العراقي ورئيس البرلمان مساء امس الاول العقدة الكركوكية لكن فيما يبدو على بعد ستة امتار عن عارضة المرمى التركماني.!

 

 نافلة القول تجليها تحفظات الزعامة الكوردية على بعض فقرات مقترح الامم المتحدة الخاص بقضية كركوك. فالسيد سعدي البرزنجي نائب رئيس كتلة التحالف الكوردستاني يقول: ان المقترح يقتطع اربعة اقضية من كركوك لإعتماده احصاء1957 هي كفري وجمجمال وكلار وطوزخورماتو.! في الوقت الذي يقضي مقترح الامم المتحدة تشكيل لجنة من مجلس النواب للعمل مع مفوضية الانتخابات والامم المتحدة لوضع معايير سجل الناخبين المستقبلية التي ستجري بعد مراجعة وتدقيق للزيادة الحاصلة استنادا الى المصادر المتاحة بما فيها احصاء العام1957 ضمن الحدود الادارية لكركوك، وينص ايضا على تخصيص مقعدين تعويضيين للعرب والتركمان يعطيان للقائمتين الحاصلتين على اكبر عدد من الاصوات من المكون العربي والتركماني شرط ان تجرى الانتخابات في كركوك يوم 16 كانون الثاني المقبل مع باقي المحافظات باعتماد سجل الناخبين الحالي لعام 2009.

 

 القائد الكوردي السيد مسعود البرزاني كعادته أعلن رفضه لاي حل يعطي تغييرا لوضع كركوك. والرجل هنا انما يتمسك بان كركوك قلب كوردستان او قدسها. لكن جولة مدهشة لمسؤولين أتراك للعراق قبل ايام لم تمكن الكورد من التصريح بشكل افضل مما جاء خاصة وانها على مستوى وزير الخارجية التركي أوغلو وابرامه بروتوكولات لفتح قنصليات تركية في البصرة وأربيل والموصل واخرى تجارية. وهو ما يعني الكثير الكثير لصالح كركوك.!

 

 الغريب لم أسمع برفض او مطالبة بحق واقعي من رموز تركمانية ما خلا صوت كان للسيد رياض صاري كهية رئيس حزب توركمن ايلي- مع انه وحزبه ينضويان تحت الائتلاف الوطني العراقي الجديد- فقد اعلن رفضه للمقترحات الدولية والداخلية وكذلك لتصريح السيد رئيس المجلس الاعلى بخصوص كركوك، فقال كهية: [تصريحات الحكيم ألاخيرة حول كركوك غير مقبولة ولا يمثل موقف ألائتلاف الوطني العراقي] هذا فيما سمى كهية مقترح الامم المتحدة بالفضيحة: [بصراحة أقولها ان من أعدوا هذا المقترح ويطالبون باجراء الانتخابات العامة على اساس الاعتماد على سجل الناخبين لعام 2009 لديهم هدف سياسي واضح يفتح الطريق مستقبلا أمام ضم كركوك الى أقاليم أخرى- الاقليم الكوردي- ونحن كتركمان نرفض رفضا قاطعا أي حل جذري لمسألة كركوك لا يستند الى مبدأ المساواة بين المكونات الرئيسية الثلاثة- التركمان والعرب والكورد- ونرفض رفضا قاطعا مقترح الامم المتحدة هذا ونطالب باعادة مراجعة وتدقيق سجل الناخبين في المحافظة واعتماد سجل الناخبين الخاص بالعام 2004 وقبل التحديث الاول وأي حل غير ذلك نعتبره حلا غير منطقي ولا يسهم بأي حال من الاحوال في ايجاد حل جذري ونهاني لقضية كركوك].

 

 الى ذلك فقد شجب كهية أيضا تصريح السيد عمار الحكيم الذي اظهرت صحيفة واشنطن بوست الامريكية بعد ان حاورته في24\10\2009 فحسب كهية، قال الحكيم: [أن ممثلي التركمان والعرب يغالون في مطالبهم بكركوك وهي محافظة ذات غالبية كردية].

 

 من هنا يبدو ان الكتل السياسية العراقية ما عاد يهمها مع من تتحالف ما دام الامر يكفل لها بعض طموحاتها الذاتية وان بنصف السهم والاستحقاق، ومادام لا يخرجها من مؤسسة الحكم وبريقه. وتبقى العقدة قائمة لدى الكورد الذين ينظرون بعين وجلة الى جارة التماس تركيا وفمها الكبير الذي بامكانه ازدراد جبل بحجم حصارست بذريعة مطاردة جند أوجلان وحزبه العمالي المعارض، وبعين ثانية متفائلة الى اقليم كوردستان داخليا واقليميا ودوليا.

 لكن مرارة القول: انه لم يتبق لتركمان العراق غير إرث أمير المؤمنين علي بن ابي طالب المقدس: "ما ضاع حق وراءه مطالب".

 ملبورن- ربيع 2009

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1218 الاربعاء 04/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم