أقلام حرة

بطالة الخريجين ..رحلة موحشة في ظل مستقبل مجهول!!

هذه الفرصةِ التي كانت عصية عليه وعلى الكثيرين من أمثاله ،واخذ يجوب الدوائر والمؤسسات الرسمية في المحافظة وهو يحمل في يده "فايل " اصفر وضع فيه نسخة من وثيقة تخرجه والجنسية العراقية وشهادة الجنسية والبطاقة التموينية بحثاً عن وظيفة او عقد عمل، لكن تلك المؤسسات اكتفت بوضع ورقة في الاستعلامات الخارجية كتب عليها توقف التعيينات الى إشعار أخر ، سامي لم يكل ولم يمل من البحث ودفعتهُ الحاجة الى ان يعتزم السفر الى العاصمة لمراجعة الوزارات العراقية علهُ يحصل على مبتغاه ، ذهب الى بغداد ومعه فايله الأصفر كالعادة وجاب الوزارات التي اكتفت بوضع لافتة صغيرة في أبوابها الخارجية عليها شعار موحد " بأمر السيد الوزير... توقف التعيينات الى إشعار أخر" وحتى ذلك الإشعار كان على سامي ان يوقف حياته ويجمد أحلامه التي كان يرسمها إثناء دراسته الجامعية في ان يحصل على فرصة عمل تتناسب ومؤهلهِ العلمي ،حتى تصدر الإرادة الوزارية المقدسة !!! بتعيين الخريجين الذين سيخضعون بالتأكيد  لضوابط القرابة من السيد الوزير او الوكلاء او المدراء العاميين او وكلائهم او صغار الموظفين او سماسرة التعيينات الذين مازالوا يتحكمون ببورصة التعيينات التي لم تتأثر بالأزمة المالية التي يمر بها العالم ، عاد سامي الى الناصريةِ وهو يحمل أوجاع الآلاف مثله ويحمل هموم عائلة أصحبت لاتستطيع مواكبة حركة السوق المستعرة ، لكن سامي لم يقطع الأمل وما ان أعلنُ عن فتحِ بابِ التطوعِ في القاعدةِ العسكريةِ في الناصرية سارعَ سامي الى الذهاب الى هناك للتطوع كجندي عراقي ، واصطحب هذه المرة فايله الأصفر ايضاً ، وبعد ساعات عاد وعلى وجههِ علاماتِ الانتصار بعد ان سلمَ ذلك الفايل اللعين وهو دلالة على قبولهِ ، وبعد أيام غادرنا سامي ليكون جندياً أخر يضاف الى قوائم حسابات وزارة الدفاع العراقية ولكن الى بيجي شمال العراق الى مكان لم يزرهُ طيلة أعوام عمره ، قصة سامي لم تكن الوحيدة بل هي واحدة من قصص هولاء الخريجين الذين لايجدون من يسمع أصواتهم في ظل غياب الحلول الجذرية لمشكلة البطالة في مدينة تجاوزت نسبة البطالة فيها 43% وفي ظل عجز الحكومة المحلية عن الحل وانشغالها بأمور أخرى ، وغياب الإستراتيجية الحكومية لاحتواء هذه الآفة ، ان احد أسباب تفاقم هذه الأزمة هو غياب الرؤية العلمية لدى الجهات الحكومية التي لازالت قراراتها أنية مرتجلة بعيدة كل البعد عن التخطيط بل لازالت قرارات التعيين تخضع لمعيار الإكراميات والمنح  والترضية ، البطالة  مشكلة المشاكل وبحلها ستحل الكثير من المشاكل الأخرى المستعصية ، هي دعوة صادقة لكل المعنيين في الحكومة والمؤسسات المدنية لدراسة هذه المشكلة وإيجاد الحلول العلمية لها ، وإلا فلن تستمر وزارة الدفاع او الداخلية في احتواء ما تخرجه الجامعات والمعاهد العراقية الكثيرة الى الأبد.  

 

    حيدر قاسم الحجامي

كاتب وصحفي عراقي

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1222 الاحد 08/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم