أقلام حرة

قضية كركوك/ تبَّت يداك أيُّها البرلمان العراقيُّ كما تبَّت يدا أبي لهب

البرلمانيِّ المجرم في الأقلّ، فلا يمكن لمن كان دافعه في تحمُّل مخاطر العمل في السياسة العراقية إلا هذا الدافع الإنتهازيّ الوضيع أن يهتمَّ بالعراق لو أنه أصبح هباءةً  في مهبِّ الريح، كما لا يعنيه أمر العراقيين لو أنهم فقدوا مصادر رزقهم فلم يعودوا يملكون ما يعينهم على أن يحققوا مستوىً معاشياً بمستوى ما يعيش به الناس في البلدان الفقيرة العادية ذات النموِّ البسيط كموريتانيا والسودان، كما لا يعنيه أيضاً لو أنَّ العراقيين أصبحوا مصدر رزقٍ وافرٍ لديدان القبور بحيث لم تعد ديدان الأرض قادرةً على إنجاز مهمَّتها في التهام لحوم الصرعى منهم، فاعتذرت لبارئها عن عجزها وتقصيرها في هذا المجال.

هل يعقل أنَّ برلماناً يحتوي على أغلبيةٍ عربيةٍ ساحقةٍ لا يستطيع الدفاع عن حقوق التركمان والعرب إلى هذا الحدّ، وهل بلغ الأكراد مستوىً من العبقرية جعلهم قادرين على إحداث معجزةٍ في السياسة الكردية في هذا الزمان، مع أنهم لم يفلحوا طيلة الزمان السابق في أن يخرجوا من بينهم سياسياً واحداً بمستوى ما يوجد من السياسيين في الصومال، أم أنَّ بلادة العقل السياسيِّ الحاليِّ في العراق هو الذي مكَّنهم من أن يبدوا كما لو أنهم من أصحاب المعجزات.

تُرى ماذا يعني أن يكون الأكراد على هذ المستوى من الإستهانة بالوطنية العراقية وهم الذين فرضوا إرادتهم في أكثر من موردٍ وقرارٍ مصيريٍّ يخصُّ العراقيين جميعاً لحدِّ الآن، فهم أسَّسوا فيدراليةً بزعمهم والحقُّ أنهم أسَّسوا كونفدراليةً منفصلةً عن العراق في الجوهر، مع أنَّ هذه الكونفدرالية التي تعيش حال الإستقلال الواقعيِّ عن جسد الدولة العراقية تنتفع من جهتين:

الجهة الأولى: تنتفع من وارداتها الخاصَّة ككيانٍ كونفدراليٍّ مستقلٍّ، فلا يجد الكيان الكرديُّ نفسه ملزماً بالإيفاء بأيِّ تعهُّدٍ وطنيٍّ على مستوى الواردات أو الصادرات أو إبرام العقود على الإطلاق.

الجهة الثانية: تنتفع من جهة أنها تعتبر الدولة العراقية المركزية مسؤولةً عنها في حالاتٍ كثيرةٍ، فالدولة العراقية المركزية مسؤولةٌ عن منح الأكراد الميزانية المالية التي تمنح لسائر المحافظات العراقية، مع مضاعفة هذا الحقِّ في العديد من الموارد، كما انَّ الدولة العراقية المركزية مسؤولةٌ عن توفير الحماية اللازمة للإقليم ضدَّ الإعتداءات الخارجية، مع أنَّ هذا الإقليم المدلَّل لا يعتبر نفسه مسؤولاً تجاه العراق في حال أنه تعرَّض لأيِّ عدوانٍ خارجيٍّ، كما تشي به الكثير من قرارات الإقليم وتصرُّفات السياسيين الأكراد فيه.

إنَّ إقليم كردستان في جوهره دولةٌ في داخل الدولة العراقية، فلو قلتَ للأكراد انفصلوا بحقِّ الله واذهبوا بجوزكم ولوزكم بعيداً عنا لما استجابوا ولراوغوا وداوروا من أجل البقاء بوصفهم مرضاً سرطانياً عضالاً ينخر في جسد العراق، فلا أعرف ممَّ يخشى الساسة العراقيون، هل يخشون من انفصال الأكراد عن العراق، فإنها الأمنية الكبيرة لو تحقَّقت، مع أنَّ الساسة الأكراد لا يمتلكون شجاعة اتخاذ قرار الإنفصال على الحقيقة، لكنهم يستخدمون هذه الورقة للضغط على القرار الوطنيِّ العراقيِّ لا غير، ولو أنهم وجدوا تحريضاً لهم على اتخاذ خطوة الإنفصال لأحجموا ولعادوا يتوسَّلون للساسة العراقيين كي يوافقوا على بقائهم جزءاً من الدولة العراقية، ولكن ماذا نفعل وساستنا ليسوا أكثر من دلالين أو سماسرةٍ في سوق السياسة العراقية المهزلة مع الأسف.

ثمَّ إنَّ الأكراد يريدون أن يقرِّروا مصير كركوك لمصحلة حلمهم الكبير باستقلال دولة كردستان _ مستقبلاً وليس الآن_ بمعنى أنَّ الأكراد يخطِّطون تخطيطاً استرتيجياً لا يكتفي بالمصالح القريبة كما هو شأن التفكير السائد في أذهان البرلمانيين العرب مع شديد الأسف، فهم على سبيل المثال لا يوافقون على أن تسوّى قضية كركوك معهم على أساس منحهم المزيد من المقاعد البرلمانية، بل هم مشغولون أوَّلاً وأخيراً باستغلال قضية الإنتخابات نفسها لوضع الحجر الأساس لحقِّهم المزعوم في الإستحواذ على كركوك، وعلى هذا الأساس لم يوافقوا على ترحيل قضية حسم مصير كركوك إلى فترة ما بعد الإنتخابات، فإن وافقوا في المرحلة الجديدة بعد الإقتراح الأخير، واتفقوا مع الكتل البرلمانية يوم السبت على إقرار قانون الإنتخابات، فإنَّ منطلق هذه الموافقة الجديدة هو ما غفل عنه البرلمانيون العرب والتركمان أنفسهم، وهو أنَّ التصويت بناءً على التعداد الحاليِّ للسكان هو الذي سوف يعتمد في كلِّ الأحوال، وهذا يعني أنَّ نسبتهم السكانية الحالية في كركوك بعد ضخِّ كلِّ هذه الأعداد الهائلة من الأكراد للسكنى في هذه المدينة بعد الإحتلال هي التي سوف تعتمد في أية انتخاباتٍ مقبلةٍ، وستذهب كلُّ كلمات السياسيين العرب في هذه المرحلة من أنَّ هذا الإجراء لا يعني حسم مصير كركوك بحالٍ من الأحوال أدراج الرياح.

هكذا ربح الأكراد كلَّ شيءٍ، وهكذا خسر العرب والتركمان كلَّ شيءٍ أيضاً فيما يخصُّ شأن كركوك، فإن صادق البرلمان يوم السبت فعلاً على قانون الإنتخابات بهذه الإشتراطات فأنا أكفل لكم أيها الأكراد أنَّ كركوك لا نصيب لعربيٍّ أو لتركمانيٍّ فيها إلا الفتات، وأنها لكم من رأسها حتى أخمص قدميها، فكلوا واشربوا وناموا وكونوا من الهانئين.

 

باسم الماضي الحسناويّ

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1222 الاحد 08/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم