أقلام حرة

صفقوا للديموقراطية

ومرارة خدعنا لدرجة أننا اعتقدنا أن التغيير وقع بالفعل، وأن العراق سيصبح دولة حقيقية تمارس فيها المؤسسات دورها الحقيقي وفق القانون، وتعامل فيه السلطة شعبها بالتساوي والعدل، والموظف الصغير لا يسكت عن خطأ الكبير. والناس تعيش في أفياء الحرية!!

 ورغم أنه نشر في حينه إلا أني أجد أن إعادة نشره الآن أكثر أهمية من السابق بعد أن تجدد موضوع الانتقائية بتوزيع الأراضي المحاذية لنهر دجلة على المتخمين من الوزراء وكبار المسئولين والمدراء العامين هذه المرة، ولكن وللأسف لم يتجدد موقف مجلس محافظة بغداد تماهيا مع الحالة الجديدة، أو يكون مشابها لموقفه القديم على أقل تقدير!!

 فنحن عند مقارنة موقف مجلس بغداد عام 2005 مع سكوته الغريب والمؤلم عام 2009 عن واقعتين متشابهتين، نعرف بالتأكيد كم خسرنا من فرص عظيمة خلال السنوات الست الماضية، ونعرف كيف تدار البلاد برمتها، وطرق المحاباة والدجل التي تتحكم بمصائرنا ومستقبلنا!! ونعرف بالتأكيد أننا وللأسف الشديد رجعنا إلى الوراء بشكل مرعب ومخيف!!

{{{انتقد مجلس بغداد قرار مجلس الوزراء القاضي بتخصيص أراض سكنية لموظفيه، أولا لأن قرار مجلس الوزراء  جاء بصيغة أمر إلى أمين بغداد. وثانيا كونه إجراء غير قانوني لأنه يخص شريحة واحدة من مجتمع فيه شرائح كثر بحاجة  لدار سكن أو قطعة أرض، وهذه الشرائح تحلم أن يكون عنوان جنسيتها وعراقيتها مقرونا بسكن لائق وحياة كريمة كي تنسى مقولة الخذلان والحسرة: (لا املك شبرا بالعراق) .

ونحن العراقيين المحرومين كنا منذ سنين طوال  نحلم أن يكون واقعنا الذي نعيشه متناسبا مع شرف حملنا الجنسية العراقية الذي يمثل ارتباط الإنسان بالأرض ارتباطا مصيريا والشعور بالرضا من  الحياة التي يحياها. فكثير منا خصوصا أولئك الذين وصلوا أرذل العمر يتحسرون على عمرهم الذي ضاع هباء دون أن يمتلكوا ولو شبرا واحدا في بلدهم. وما أصعب أن يلتفت المرء يوما ليجد أن تلك الحياة التي خلفها وراءه ليست الحياة التي كان يريد أن يحياها. وليس في الحياة أقسى من أن يشعر الإنسان أن عمره كله ذهب بلا معنى.

إن الفجر الذي كنا نحلم به طوال عمرنا أشرقت شمسه من خلف قضبان السجون ونصب وتماثيل الطغاة بعد أن هدمتها الجماهير الثائرة، وإذا لم يتسنى لنا عيش نهار حلمنا بعد بشكل ممتع وجميل بسبب هجمات الإرهاب وكيد دول الجوار فإننا نستشعر دفئه في نفوسنا وفي قلوبنا بل نرى أشعته الذهبية تطبع قبلاتها على وجنات أولادنا وتعدهم بغد مشرق سعيد.

وإذا كانت رحلة الألف ميل تبدأ بخطوة فنحن بحمد الله سرنا خطوات هي الأصعب والقادم سهل إن شاء الله يكفي أن يشعر احدنا بعبق الحرية يداعب شعوره، ويكفي أن أمرا عزيزا على قلوبنا افتقدناه منذ أجيال بعيدة صار حقيقة ملموسة يشعر بها الجميع ويعيشون في أفيائها. فقبل سنتين مثلا لم نكن نعرف شيئا اسمه الحرية أو الديموقراطية لأننا لم نره بالأصل وكان محافظ بغداد أو أمينها يتلقى الأوامر السلطوية وهو راكع على ركبتيه حتى لو كانت هذه الأوامر صادرة من أولاد أو أحفاد المسئولين في الحزب والسلطة، وما كان له أن يعصي لهم أمرا أو يناقشه أبدا وان كان جائرا وظالما وقسريا وإلا كان مصيره الهلاك. واليوم تحت أفياء الحرية نقرأ على صفحات الجرائد علنا موقفا رائعا لمجلس مدينة بغداد يترجم معنى الديموقراطية على حقيقته ليس لأنه عصيانا لأمر مجلس الوزراء وهو أعلى سلطة في البلاد لأننا ضد العصيان غير القانوني، بل لأنه التزام أخلاقي يؤشر أن بلدنا يسير على الطريق الصحيح نحو تحقيق الغايات التي ناضل العراقيون الشرفاء من اجلها دهرا طويلا، ونحن نشعر اليوم بفخر واعتزاز لأننا نعيش في بلدنا العراق بعد أن ولى زمن الظلم، لتصبح كرامة الإنسان غاية كل مسئول في الدولة العراقية الجديدة.

 فلنصفق جميعا لموقف مجلس محافظة بغداد، ولنصفق جميعا للديموقراطية!!!}}}

لكن بعد الذي حدث ويحدث، وبعد أن أصدرت السلطة مرة أخرى أمرا بتوزيع الأراضي على الموسرين قابله مجلس محافظة بغداد بالسكوت المطبق، وبعد أن قالت الإحصاءات الحكومية أن هناك حاجة فعلية لبناء خمسة ملايين وحدة سكنية لإيواء من لا يملكون سكنا لائقا أو لا يملكون سكنا بالأساس. وبعد أن ازدادت مذلة ومهانة المواطن العراقي في كافة المجالات وعلى كافة الصعد وأصبح عرضة للسخرية كما هو عرضة للموت!!

هل سنصفق للديمقراطية وندعوا الناس لذلك، أم ندعوا الجميع لكي يلعنوها لأنها خيبت آمالنا؟

إنه السؤال الذي سنعرف جوابه بعد الانتخابات القادمة بالتأكيد.

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1224 الثلاثاء 10/11/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم