أقلام حرة

البطاله.. وعدم وضوح الرؤى الاقتصادية المستقبليه

البطالة في العراق ظاهرة ظهرت بعد سقوط النظام لسبب رئيسي لعدم وجود سياسة اقتصادية وسياسة استيعاب لهذه البطالة، و قلة المشاريع الاستثمارية والاستثمار في القطاع الخاص الذي هو المفروض يكون أهم عوامل نهوض الاقتصاد العراقي وامتصاص هذه الكمية الكبيرة من البطالة.

أسباب تفشي البطالة تتنوع بين أسباب مباشرة وأخرى غير مباشرة، لعل من أبرزها توقف القطاع الصناعي وإغلاق المشاغل والمعامل وتسريح العاملين فيها من القطاع الخاص، وحل العديد من المؤسسات الحكومية بعد نيسان 2003 وعدم قدرة الحكومة على توفير فرص عمل بمختلف الدرجات للأيدي العاملة التي وجدت في الشوارع والمقاهي مكانا لقتل الوقت .

الاقتصاد والتخطيط لاستراتيجية مستقبلية  من المقومات الرئيسيه لاي بلد وخصوصا بلدنا يختلف عن كل البلدان من حيث سبل الإنتاج ونوعه وخصائص العمل فيه ،نحن بلد الأيدي العاملة الرخيصة والرواتب البسيطة وان زيادة كلف الإنتاج تؤدي الى تدهور الصناعات والحرفيات المختلفة، وإذا أردنا نزيد كلف الإنتاج فان اقتصاد البلد لا يتحمل ذلك لان كلف الإنتاج ستصبح اكبر بكثير مما هو مستورد وبذلك أصبحت البطالة حقيقة مرة ومخيفة ومتعاظمة لا يمكن للدولة أن تقضي عليها أو تواجهها ،لا بل الدولة وللهروب من أزماتها الآنية أصبحت تشجع على البطالة المقنعة بتعييناتها العشوائية في دوائرها ومؤسساتها والتي دمرت اقتصاد البلد بشكل كامل وأصبح البلد اجمعه أسير الاقتصاد العالمي وأسير لأسعار برميل النفط.

وفي ظل غياب ارقام دقيقة، تتحدث تقارير إعلامية محلية عن وجود ما يزيد عن عشرة ملايين عاطل عن العمل في العراق. بينما تشير دراسة صادرة عن "مركز دراسات وبحوث الوطن العربي في الجامعة المستنصرية" شملت شرائح مختلفة في المجتمع العراقي، بأن نسبة البطالة في العراق تبلغ 42%.

وكشفت الدراسة التي اعدها اكاديميون عراقيون أن 40 % من العاطلين عن العمل كانوا من حملة الشهادات الجامعية، وأن تلك النسب مرشحة للازدياد بأكثر من 4% سنويا مع تخرج دفعة جديدة من طلبة الجامعات ومع غياب الخطط الحكومية لاحتواء هذه الأيادي العاملة والإفادة من خبرات وكفاءات حاملي الشهادات الجامعية. وفي ظل هذه المعدلات، بدا الشباب العراقي أكثر تقبلا للعمل في الأعمال الثانوية التي كانت تعتبر "مهينة ودونية" قبل سنوات. وتنتشر اليوم في بغداد والمدن الرئيسية ظاهرة عمال "المساطر" وهم عشرات من العاطلين من العمل يجلسون على أرصفة طوال النهار في صيف تتجاوز الحرارة فيه 50 مئوية، طمعا في أن يأتي من يستأجرهم لعمل ما.

اختلفت إحصائيات البطالة التي أعلنها الجهاز المركزي للإحصاء وتلك التي تعلنها مراكز البحوث، ففي حين أعلن الأول أن البطالة وصلت عام 2008 إلى 15% تشير الثانية إلى نسبة تراوح بين 22-40% إلا أن الدراسات أجمعت على أن تلك المشكلة ليست وليدة اليوم، وإنما هي تراكمات السياسات الاقتصادية الخاطئة والمرتكبة في العقدين الماضيين واكثرها في أوساط حملة الشهادات الجامعية والخريجين، يعني يمثل حملة هذه الشهادات الجامعية في العراق أكثر من 40% من حجم العاطلين عن العمل وهو ما يعني ضياع المليارات من أموال العراق التي تصرف دون جدوى في تأهيل الخريجين،  الجامعات العراقية تضيف سنويا للشارع العراقي مئات العاطلين عن العمل، مع أن كل طالب عراقي يكلف الحكومة أكثر من مليون دولار على مدى سني الدراسة الـ 12 وأكثر من ذلك المبلغ بقليل في سنوات الجامعة الأربعة، فيما تشير إحصائيات مراكز البحوث والتنمية إلى حاجة الطالب إلى قرابة 1500 دولار سنويا يتكفل بتوفيرها الأهل على طول مدة الدراسة، ويعد الباحثون أكثر من 70% من هذه الأموال ضائعة بسبب عدم توفر فرص العمل للخريجين البالغ تعدادهم أكثر من 10 آلاف طالب سنويا.

المشكلة العظيمة التي بدأت تظهر بشكل مخيف وينبئ بمستقبل سيء جدا لاقتصاد البلد هو استقدام أيدي عاملة أجنبية رخيصة تعتاش على اقتصاد البلد وتؤدي الى بطالة اكبر بالمجتمع،وانها ستؤدي الى  كوارث إضافية للعراق كوارث اجتماعية وكوارث اقتصادية... توجد الآن عشرات أن لم اقل مئات الشركات بدأت تعمل على استقدام عمال أجانب نيباليون أو هنود ليعملون كعمال تنظيف وكخدم وعمال مطاعم في العراق ويعملون بأسعار زهيدة بحدود 100دولار شهريا أو اقل.. وهذا سوف يسبب كوارث تسبب فشل أي نهوض اقتصادي للبلد وسوف تسبب زيادة في انهيار اقتصاد البلد وزيادة في انهيار تماسكه وتدهور عملية توفير فرص عمل للعراقيين يجب التنبه لهذا الذي سوف يؤدي الى مشاكل وهموم لا يمكن إهمالها وتجاهلها.. أن مرحلة الثمانينات تذكرنا بمصائب الأيدي العاملة المصرية وما عملته بالبلد من خراب وما سببته من ظهور قيم عمل سيئة بالمجتمع العراقي وهي الغش وعدم الإخلاص بالعمل إضافة الى مشاكل اجتماعية كثيرة .

لكي تنهض الدولة وينمو اقتصادها يجب ان ترشق في البعض من دوائر الدولة وتعمل بأقل عدد من الموظفين ويجب أن تشغل الدولة باقي الايدي العاملة بالقطاع الخاص بإنشاء وبناء المشاريع المهمة وباستخدام القطاع الخاص وتفعيل دوره.. لكي ينمو ويقوم هذا القطاع بتوفير مستلزمات البناء وتطوير مقدرات البلد.. ومعالجة مسالة البطالة المقنعة وبنفس الوقت تحفظ حقوق الموظفين في هذا القطاع الاقتصادي المهم ..وتفرض لذلك القوانين المناسبة التي تحمي الموظفين وتحدد ساعات العمل...ويجب فرض الضرائب المناسبة التي تنعش اقتصاد البلد ولا تعرقل عمل القطاع الخاص ... ويجب أن يفرض على القطاع الخاص استيعاب أيدي عاملة عراقية (أي توفير فرص عمل للعراقيين) وأي مؤسسة من مؤسسات القطاع الخاص أن تقوم بتوظيف أعداد كبيرة للعراقيين تمنح اعفاءت ضريبية ويجب منع أي استقدام للعمال الأجانب الى العراق ويستثنى من ذلك جلب العاملين الماهرين والحرفيين النادرين .

وبعيداً عن جميع هذه الأسباب التي أدت إلى تفاقم مُشكلة البطالة في العراق فإن عدم اعتماد الدولة العراقية الجديدة لنظام مالي واقتصادي محدد ومن ثم تنشيطه أدى إلى تداخل وتضارب ملحوظ بجميع الخطوات الاقتصادية و هدر وتعطيل للطاقات..يتحمل مسؤوليتها الدولة والفرد معاً، وكلاهما أسيران لظروف تعمق الفجوة بين حجم اليد العاملة العاطلة عن العمل وبين حجم المطلوب منها للعمل، ومن ثم تهدد بانحطاطات سياسية واقتصادية واجتماعية بالإمكان أن تطيح بدولة ناشئة..وهو ما أوجب أن يكون هناك وضوح "رؤية اقتصادية" للعراق الجديد، فضلاً عن تخطيط وتناغم السياسات بين الوزارات اتجاه البطالة، مع دور على الفرد العاطل أن يؤديه ليقضي على عطله، فضلاً عن الدور الذي من الممكن ان تؤديه مؤسسات المجتمع المدني بكل اختصاصاتها، وإلا فأن البلد سيقطف ثمار هذه الظاهرة السلبية مزيداً من العنف والفر والتفسخ الاجتماعي لا سمح الله!!

 

*جامعة ذي قار …مركز أبحاث الاهوار

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1227 الجمعة 13/11/2009)

 

 

 

 

 

في المثقف اليوم