أقلام حرة

عقل الجزائر وقدم مصر

الخضر الجزائريين في مباراة سابقة بين الفريقين الجزائري والمصري .

 وكان يفترض بمصر الرسمية أن تفرح لفوز الفريق الجزائري الذي سبق له أن مثلّ العرب أحسن تمثيل في تصفيات كأس العالم في بداية ثمانينيات القرن الماضي، عندما صفع الفريق الجزائري بإمتياز الفريق الألماني الذي قال مهاجمه الكبير رومنيغي سأهدي لزوجتي ثلاثة أهداف في شباك هؤلاء المتخلفين العرب، وكان يقصد الفريق الجزائري الذي ردّ عليه الصاع صاعين ...

و بشكل مفاجئ غاب عن الخارطة الإعلامية المصرية الخطر الصهيوني ونكبة التوريث ومحنة سكان المقابر وظهور القططة السمينة التي إستولت على أقوات المصريين الكادحين والإستبداد والإستفراد بالسلطة وتلميع صورة جمال مبارك نجل الرئيس الذي حكم 30 سنة بإمتياز، والإفراج عن الجواسيس الصهاينة والإبقاء على المجاهد العربي سامي شهاب في غياهب السجن لأنّه أتهم بنصرة الشعب الفلسطيني المحاصر في غزة، وبات الشغل الشاغل للمنظومة السياسية والإعلامية الرسمية هو الفريق الجزائري الذي سيتأهل لا محالة  التأهل لكأس العالم، فأهينت الجزائر العملاقة وأهين الشعب الجزائري، وأهين الشهداء، وأهينت كعبة الأحرار كما سماها أحد أبرز الكتاب الفرنسيين في جريدة لوموند في السبعينيات جاك لاكوتور ...

و يذكر هذا الحقد الرسمي بحقد مشابه عندما طالب وزير خارجية الجزائر السابق عبد العزيز بلخادم بتدوير منصب الأمين العام للجامعة العربية، فجاش عمرو موسى غضبا وشعر أنّ زلزالا جزائريا ديبلوماسيا سيطيح به وبراتبه المغري ، وهو الذي لم  يدعم رئيس وزراء تركيا أردوغان وهو يغادر قاعة المحاضرات في منتدى دافوس وفضلّ القعود بجنب الرئيس الصهيوني شمعون بيريز آكل لحوم البشر في غزة ولبنان، وكأنه يعلن ولاءه الأبدي للصهاينة، والجزائر كانت محقة بعدم التمكين للزواج الكاثوليكي بين عمرو موسى ومنصب الأمين العام للجامعة العربية ..

و طبعا فإنّ الإهانات المتكررة للشعب الجزائري وللجزائر لن تكون لتستمر لولا وجود إنطباق في الرؤيا وتلاقي بين قصر عابدين والمشاغبين الإعلاميين في مصر، الذين يتصورون أن الجزائريين لا يحبون وطنهم ولا يقدسونه، فالوطنية في نظرهم مصرية، والدراما مصرية، والفن مصري، والعلم مصري، الكتاب مصري، فأعلنوها حربا على الأخرين، وحتى الدراما السورية المتألقة والتي فاقت دراما الهزّ والرهز والركز المصرية والتي أنتجت أكبر ثقافة دعارة وإستباحة وعهر في الوطن العربي على مدى خمسين سنة، لم تسلم من الغمز والتآمر المصري  ..

وإذا كان الرسميون في مصر قد إرتضوا أن تكون عقولهم في مستوى النعال والأرجل، فإن الجزائر والجزائريين لم يصلوا إلى هذا المستوى من الدناءة وما زالوا محتفظين بالروح الرياضية ويخضعون أمزجتهم لقواعد اللعبة، وإنتصارات الجزائر المتكررة على أكثر من فريق دلالة سياسية بالغة على تعافي الجزائر، وتعالي الجزائر وعودتها القوية إلى المشهد السياسي العربي لتصنع الدور، كما كانت سابقا أرضا للأحرار والمقاومين والثوار ...

والجزائر لم تخن فلسطين، بل ما زالت الجزائر قاعدة لفلسطين، كما قال الرئيس الجزائري الراحل هواري بومدين : نحن مع فلسطين ظالمة أو مظلومة، وقال أيضا : فلسطين هي الإسمنت التي يوحدّنا والديناميت الذي يفجرّنا ....

الجزائر ما زالت مع المقاومة الإسلامية في لبنان، ومحاور الممانعة في إفريقيا وأمريكا الجنوبية وآسيا، والجزائر تصنع دورها بإرث ثورتها، وتاريخها المشرق في محاربة الإستعمار والإمبرياليين، وبحرصها على دعم الدول المستضعفة، وقد إستقبلت الجزائر الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد وأعلنت عن دعمها للمشروع النووي السلمي، ومازالت تناصر قضية البوليساريو المظلومة والمستضعفة والتي ينحر شعبها على أيدي الجلادين والزبانية ....

الجزائر رقت وترقى بعقلها الثائر، وعقلها السياسي وحرصها على مصالح العالم العربي والإسلامي وليس بنعال شبابها وركلاتهم، وإن كانت قوة القرار ونجاحها السياسي والإقتصادي سيؤدي لا محالة إلى إسترجاع الخضر الجزائريين لمجد أسلافهم .

وإنتصار الجزائر الكروي مؤشر على عودة الحياة إلى الجزائر التي أقسم مجاهدوها الأوائل والخلف الوطني أن تحيا الجزائر، ولما قويّ عقلها قويت رجلها، أما مصر الرسمية فلما وهن عقلها السياسي ودبّ فيه الخرف والشيزوفرينيا، إنسحب ذلك على أقدام لاعبيها هذه الأقدام التي أصابتها عدوى العقل السياسي الرسمي المترهل فترهلّت أمام الخضر الجزائريين الذين رفعوا لواء علم أستشهد تحته مليون ونصف مليون شهيد جزائري، حتى لو كذبّ ذلك مذيعون مصريون معتوهون كان يجب أن يرقصوا على الواحدة والنصف بدل أن يطلوا على شاشات فضائية ....

 

يحي أبوزكريا .

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1227 الجمعة 13/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم