أقلام حرة

أفيون الشعوب

الذي يجعل كل تلك العناصر الأساسية لحياة الإنسان تتحول إلى مخدر يتحكم في حياته ويغير مسار علاقاته مع بيئته ومع نفسه.

 

ما حدث الأيام الماضية ويحدث هذه الأيام بسبب مباراة الجزائر ومصر الحاسمة، يؤكد جيدا  أن الإعلام الفضائي قادر على تغيير سير الأحداث وتحويل مواقف الشعوب اتجاه قضايا عديدة تافهة وجوهرية، وقادر على تقزيم قضايا هامة وتقديم الأولوية لقضايا عادية وجعلها بمثابة الهواء الذي يتنفسه الناس ولو لمدة زمنية قصيرة ومؤقتة.

 

و هذا ما فعلته تماما بعض قنوات الإعلام الفضائي المصري وبعض الصحف الجزائرية، تلاعبت كثيرا بالحقائق وأعطتها أكثر من حجمها الطبيعي وتاجرت بأخبار المباراة وتحاليل المختصين حولها، وتسببت في استفزاز كبير جدا للجماهير ومناصري كلا البلدين، وأصبح الأمر بمثابة فتنة، لا أدري هل هي مؤقتة لمجرد مرور المباراة أم تتعدى ذلك بوقت طويل؟

 

أصبحت بعض الفضائيات والجرائد شبيهة ببعض منتديات الانترنيت الرخيصة التي تفتح الباب لكل من هب ودب للإدلاء برأيه دون مراعاة لما قد تسببه تلك الآراء من أثر شديد الضرر.

 

كرة القدم بسبب تلك المنابر الإعلامية التجارية أصبحت وبجدارة هي الأفيون الحقيقي للشعوب، وقد رأينا من قبل ونرى لحد الآن كيف كان الدين أفيونا للشعوب بسبب وسائل إعلامية متطرفة تتحمل ذنب كل قطرة دم أريقت باسم الدين.

 

و كذلك هو الفن لما تتكفل بتغطية أخباره وكواليسه مقاولات تجارية تلبس عباءة الصحافة والإعلام.

 

سوف تمر مباراة الجزائر ومصر، ونبقى في انتظار أفيون آخر يروج له إعلامنا لتخديرنا من جديد، وكأننا كالقطيع نساق حيث يشاء الإعلام أو الساسة، والشعوب لما تصاب بالسعار تصبح جاهزة لعمل أي شيء.

 

ربما أكثر الناس معرفة لخطر الإعلام على صناعة الرأي وتغيير الأفكار وتوجيهها هم حكام الجزائر ومسؤوليها، فهم يرفضون لحد الآن فتح الباب أمام الإعلام المرئي الخاص، لعلمهم المسبق بتأثيره الكبير والفوري على عقول وأفعال الشعوب، لكنهم بالمقابل لا يمكن لهم الوقوف أمام ما تستقبله عيون وعقول المشاهد الجزائري من الفضائيات ومواقع النت، فكانت النتيجة أن أصيب مناصرونا بالسعار كما أصيب به مناصروا الفريق المصري، ربما وقت الإصابة كان متزامنا بحكم التأثير الفوري للإعلام الحالي.

 

**جمال الدين بوزيان

[email protected]

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1228 السبت 14/11/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم