أقلام حرة

عواصف برلمانية في اجواء عراقية

والذي استبشرنا به خيرا الا ان هذا التعديل زلزل الكثير من الثوابت وضرب المصلحة العامة عرض الحائط وبدءت دائرة التحليل والتأويل من جديد واصبح قانون الانتخابات من (الخدج) يحتاج هو الاخر الى تعديل. واكملت عليه المفوضية بالتشويه والغموض واتهمت بالتبعية لانها تمثل احزابها. وحتى الساعة لا نعرف هل فعلا هذه النسب وهذا التمثيل هو من مصلحة الشعب العراقي بكل طوائفة واقلياته ام هو لمصلحة الاحزاب المتفرعنة. وكالعادة سيبقى الباب مفتوحا والطبول الفضائية تطبل وتعزف على الاوتار الطائفية الحساسة ولايحرك البرلمان ساكنا، كأن يصدر كتيبا مثلا يرد به على كل الاقاويل ويحل الاشكاليات والعنتريات ويحدد شروط الانتخابات وقواعده واحزابه وتاريخه ودوائره وغيرها، يعني قانونا للانتحابات بمعنى الكلمة وليست قانونا للتخيلات وعناوين قابلة للتأويل والمد والجزر، لسد باب هذه العاصفة ومخلفاتها على العراقيين ليطمئن الجميع. وبالرغم من ان هذه العاصفة لازلت مستمرة هبت عاصفة اكثر سمومية من الاولى الا وهي استجواب وزير النفط لا لشي فقط لانه سد الابواب على السراق والمنتفعين واصحاب العقود النفعية الشخصية للكثير من السياسين وخاصة في الشمال، والذين حولوا نفط العراق الى ملكية خاصه. وسؤالي للبرلمان الموقر من هو الذي يجب ان يحاسب صاحب عقود التشغيل الاستثمارية والتي تتمثل بكلفة الانتاج التي لا يتعدى كلفة البرميل دولارا واحدا كما هي في عقود الدكتور الشهرستاني ام صاحب عقود المشاركة في الانتاج اي برميل لك وبرميل لي ومن الممكن ان يصل سعر البرميل للمستثمر ب 100 دولارا كما هي في عقود نيجرفان رئيس وزراء كردستان العراق؟. وهل الاستجواب بهذه الطريقة مجديا، اليس من المفروض ان يكون الاستجواب على مستوى خبراء في مجال النفط وليس سياسيون في مجال النهب على الاقل لنعرف جميعا من هو المخلص في عمله ! اسألوا اصحاب الشأن من المتخصصين والخبراء لتعرفوا الفرق وايهما انفع للعراق؟ولكن كيف وكل من في البرلمان خبراء !!هذا الاستجواب يذكرني بحالة عشتها في زمن حكم الطاغية المقبور كانت عندي محاضرة في مفهوم علم نفس الاعلام وتأثيره على المتلقي لطلبة المرحلة الثالثة، وحينها ذكرت تجربة عالم النفس الامريكي (سيكنر) في علم نفس التعلم وكان" شعاره تحكم في البيئة تتحكم بالسلوك" فاستخدم سكينر صندوقا أطلق عليه اسمه وهو عبارة عن صندوقا بداخله رافعة يمكن الضغط عليه ويوجد أيضا بداخل الصندوق وعاء للطعام، حيث وضع فيه سكينر فأرا جائعا، مما جعل الفأر يقوم بسلوك استكشافي وكان الضغط على الرافعة أحدى الاستجابات. وكان سكينر يعزز هذا السلوك بتقديم الطعام له. إن تزويد الفأر بالطعام يسمى بالتعزيز العرضي، لأن استجابة الضغط على الرافعة صدرت بالمصادفة، وليس كوسيلة للحصول على الطعام، وهي الاستجابة التي تميز التعلم الإجرائي. وقد توصل سكينر إلى الاشتراط الإجرائي عن طريق التعزيز. وبما ان للتجربة عدة مفاهيم فربطتها بمفهوم الاعلام وبتأثير الاعلام المشروط. حينها سالت الطلبة هل نحن مثل الفأر في تصرفة هذا للحصول على الاخبار والمعلومات كما في الاكل؟ فمنهم من قال نعم لاننا نأخذها من التلفزيون الحكومي وان لم نحصل عليها فاننا ننتضر !ومنهم من لم يجب ومنهم من اختلف، وحينها قلت لهم: لا نحن نختلف عن تصرفات الفأر جذريا، لاننا نمتلك العقل الذي عن طريقه نجد سبلا كثيرة للحصول او لصنع الاكل وكذلك على الاخبار وتحليها ونقدها الخ. وبعد انتهاء المحاضرة وفي اليوم التالي استدعيت للتحقيق (لان احد الطلبة من المخابرات كتب تقرير عن المحاضرة وانني سالت هذا السؤال واتهمني بانني قلت البعث مثل الفار)! وعلى هذا الاساس تم التحقيق معي وهو كيف لي ان اسأل هذا السؤال وهل يصح ان اذكر هذه التجربة وما علاقة الفأر بالاعلام !!؟ والكارثة اللجنة التحقيقية كانت لا تفقه بعلم النفس شيئا،  وكانوا يتوقعون ان هذه التجربة من تأليفي وقصدت بها تلفزيون الشباب انذاك!وحينها تعجبت وقلت لهم الم تعرفوا ان هذه التجربة موجودة في الكتاب المنهجي المقرر للطلبة ولأكبر عالم نفس امريكي !كل ما في الامر انا وضحتها بمفهوم اعلامي فقط.  على كل حال لم اخلص من لعنة سكنير الا بقدرة قادر ! وللامانة انهم اعتذروا مني في نهاية المطاف بعد ان ادركوا خطأ ما فعلوه ! وها هو البرلمان لا يعرف ماذا موجود بالمنهج النفطي !! وهل ياترى سيعتذرون لو اكتشفوا ان الوزير على صواب؟! فيا برلمان العراق هل هذا انصاف؟ وهل هذا استجواب عادل؟اليس دستور العراق يؤكد على ان كل النفط ملكا لكل الشعب العراقي، فلماذا لا تحاسبوا من يصرحوا علنا وفي المحافل الدولية بانهم سيحتفظون بعائدات النفط في اقليمهم ولهم فقط ولجيوبهم الخاصة؟. وها هي محافظة ميسان صاحبت اكبر الحقول النفطية تأن من الحرمان وبها عوائل تحت خط الفقر !! وبهذا الاستجواب على مبدء حرق الاوراق فتح الباب على مصراعيه لا لشي ايضا وانما لارضاء جهة معينة معروفة للجميع تريد ان تحرق ورقة الشهرستاني وتستفرد بالنهب والسرقة وعلى عينك يا تاجر !!!ثم ماهي نتائج الاستجوابات السابقة وما هو مصير من ثبتت ادانتهم؟اذن لماذا هذه العواصف السمومية التى تصب على رأس المواطن العراقي الذي ينشد الامان بكل معانيه؟ والعواصف لا زالت تعصف بالعراق الامر الذي اعلنت المفوضية الاوربية قلقها عن قتل الاطفال والنساء في العراق وموجة الخطف اليس من الاجدر بالبرلمان متابعتها؟ او محاسبة من هم اصبحوا ملياردية بين ليلة وضحاها من البرلمانيين؟. اين هو البرلمان من اكثر من ثلاثه ملايين عاطل واغلبهم من الشباب ومن هو المسؤول عن كل هذا الشلل لاكبر قطاع شبابي منتج؟! علما 14 مليون نسمة هم من الشباب والاطفال من مجموع 24 مليون نسمة نفوس العراق! اين هو البرلمان من قانون الضمان الاجتماعي واغلب الفضائيات تعج بالصور والحقائق عن عوائل تحت خط الفقر وينهشها المرض والتخلف؟ وبما ان اغلب البرلمانيين من حملة الجنسية المزدوجة وعلى علم بكيفة التعامل مع هذا القانون في الدول الديمقراطية، وكيف يحصل المواطن على هذا الضمان بطرق عديدة وبسيطة مثل الاتصال تليفونيا او عن طريق البريد العادي او الانترنيت او الحضور شخصيا، لذا نجد كل من لا يحصل على العمل مطمئن على بيته واطفاله بمفعولية قانون الضمان الاجتماعي. ولكن في بلدنا يتمتع بقانون الضمان الاجتماعي اصحاب الوظائف واقرباء اصحاب النفوذ !. اين هو البرلمان من كذا مليون ارملة وكذا مليون طفل يصول ويجول في الشوارع وغارق في الادمان والتسيب؟. اين هو البرلمان من الثراء المفاجئ الذي حل بأعضاء البرلمان خلال ثلاثة سنوات وكان اغلبهم لا يملك مصروف يومي؟ اين هو البرلمان من المدافعين عن الارهاب والارهابيين ويطالب لهم بالعفو والتأجيل والوقوف بوجه الحكومة لانها احتكمت الى مجلس الامن ضد ارهاب دول الجوار؟ اين هو البرلمان من الامن المخترق من كل الاتجاهات؟ اين هو البرلمان من استقلالية الوزراء وولاءهم لكتلهم دون الوطن؟اين هو البرلمان من المرتشيين واصحاب المحسوبية والمنسوبية على حساب الكفاءات؟ اين هو البرلمان من الطائفيين الذين يتغنون بها علنا وعلى مرأى ومسمع من البرلمان؟اين هو البرلمان من البيروقراطيين حد العظم وقتل روح الابداع والابتكار العلمي؟ اين هو البرلمان من تطوير التعليم والصحة؟ أين هو البرلمان من قطاع السياحة ومن هو صاحب الامر والنهي فيها؟اين هو البرلمان من شحة المياه والتصحر الذي يعصف بالبلاد؟ اين هو البرلمان من محاربة اي انجاز خدمي كونه يصب في مصلحة الحكومة لانهم جيروها بأسم المالكي؟اين هو البرلمان من نفسه وتعطيله لاكثر من 117 قانونا يصب في صالح المواطن العراقي، الا انه لثلاثة مرات متتالية يصوت على قانون مكاسب النواب وخاصة الجواز الدبولماسي؟ وما هي عقدت النقص تجاه هذا الجواز؟! لا نعرف ! او ربما لتسهيل عمليات غير شريعة !!!؟ وهل البرلماني المنتهية صلاحيته لا بد له ان يتميز عندما يكون على ارض غربية ليعلن فشلنا!! ها هم روساء ووزراء اكبر الدول الديمقراطية لا تفرقهم عن المواطن العادي ولا حتى تعرف صورهم من اغلبية الشعب !! اين هو البرلمان من تشيد الجدران الكونكريتية على الارض وفي العقول لكل ما هو منطقي؟ والشئ المضحك المبكي وفي مفارقة لافتة للنظر احتفل الشعب الالماني يوم 9 نوفمبر بتحطيم الجدار الفاصل بين المانيا الشرقية والغربية عام 1990 وكان هذا اليوم اجمل كرنفال احياه اكثر من 100 الف مشاركا لاكثر من 30 دولة انتصروا لوحدة بلادهم وانهوا الحرب الباردة، واكثر الكلمات كانت تدعوا على تحطيم كل الحواجز بين البلدان بما فيها جدران العنصرية والطائفية والتفرقة بين البشر واعطاء الاولوية للسلام والتفاهم ونادوا بتحطيم جدران التخلف في العقول. الا في البلدان العربية يجسدوا الطائفية بأبشع صورها المبتكرة وها هم الحوثيون ضحية صارخة بالصوت والصورة وعلى يد اكبر بلدين اسلاميين في العالم العربي والكل يعرف انهم ابرياء ولكنهم يفضلون الصمت لان (حنفية) النفط في افواههم!؟. فيا برلمان العراق خوفي من الهدوء الذي يتبع عواصفكم هذه، خوفي ان يتجسد هذه المرة في العزوف عن الانتخابات المقبلة وللعراقيين حقا لانكم خيبتم الامال !! ولكن لا رغم هذه الصورة القاتمة وكثرة العواصف السمومية الا انها جعلت من العراقيين اكثر وعيا واكثر مسؤولية لأختيار الافضل في الانتخابات المقلبة التي ننتظرها بفارق من الصبر والامل والتجديد.

 

أ. د. أقبال المؤمن

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1228 السبت 14/11/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم