أقلام حرة

هل ثمة خطط وبدائل مهيأه في حال نضوب الوقود الأحفوري (النفط)

تُدرُّ علينا بقدر ما يصلح حالنا دون إفراط أو تفريط، بدلا من أن نقترض من حساب الأجيال المقبلة، ونحن نعلم علم اليقين أننا لن نستطيع إعادته إليهم. ولانضمن لهم أن يبقى نصيبهم في باطن الأرض، ونبقى نحن حماته وليس مستهلكيه. ثم إنَّ رفع الإنتاج إلى مستويات عالية في ظل أسعار النفط الجديدة والمتوقع استمرار صعودها، سيجلب إلينا دخلاً كبيراً لا ندري كيف نتصرف فيه، ولا يزيدنا إلا رفاهية.

يعتبر النفط من أهم مصادر الطاقة في هذا العصر وتستخدم الدول النفط في كل شأن من شؤونها فهي تستخدمه لتسير وسائل المواصلات المختلفة ووقودا للصناعات بأنواعها والصناعات البتروكيمائية وغيرها وهذا يعيدنا إلى القول إنه طالما أن التقنية في استخدام الطاقة الشمسية وطاقات الرياح وغيرها لتوليد الكهرباء لم تتحسن فإن الطلب على الوقود الأحفوري سيبقى على حالة في ارتفاع.

إن المخاوف بشأن تراجع الفرص المتاحة أمام النفط ناشئة عن التحديات المتعددة التي تهدد النفط في جانبي العرض والطلب. ففي جانب العرض ثمة عاملان جليان هما نضوب الاحتياطات واستنزاف هذا المورد الطبيعي في نهاية المطاف. أما في الجانب الطلب فإن نمو مصادر الطاقة المتجددة والبديلة والتوسع في استخدامها، نتيجة للمخاوف البيئية، يؤثران سلباً في وضع النفط. فقد أدى استخدام النفط خلال الفترة الزمنية القصيرة الماضية إلى تغيير الاقتصاد العالمي والبنى الاجتماعية والسياسية وكذلك الأساليب الحياتية للإنسان بشكل أكبر بكثير جدا مما أدى إليه استخدام أية مادة أخرى في العالم. إلا أن المصادر النفطية العالمية محدودة, وان بداية الوصول إلى ذروة الإنتاج النفطي العالمي وكذلك هبوط المخزون النفطي العالمي غير القابل للتعويض أصبحت قريبة وواضحة للعيان.

بعد تعالي التحذيرات الصادرة من كل صوب وحدب حول قرب انتهاء عصر الوفرة النفطية، الذي بات وشيكًا، وأصبح الحديث يجري خصوصًا في الغرب حول (عصر نفاد النفط)؛ وتزايد الأسئلة حول(عالم بلانفط)؛ أو (عصر ما بعد النفط)..إلخ؛ شرعت كثير من الدول في التكثيف من بحوثها حول تنويع مصادر طاقتها غير التقليدية، وهو ما يتبدى في الجهود الحثيثة المبذولة في مجال البحث عن مصادر الطاقة البديلة كالرياح والشمس والطاقة النووية؛ والهيدروجينية؛ واستثمار الغابات وحرارة الأرض وغيرها؛ بوصفها وقودًا مستقبليًا أبديًا لا ينفد مع مرّ العصور، والعناصر الوحيدة التي لا تنتج عند احتراقها أي انبعاثات ضارة للبيئة، محدثة جميعها انقلابًا سيحدث تغييرًا جذريًا في طبيعة الأسواق المالية والظروف السياسية والاجتماعية. .

ظلت فكرة الاعتماد على النفط والغاز كمصدر للطاقة فكرة مطلقة وليست موضع نقاش فترة طويلة من الزمن. فالادمان على البترول لا علاج له على حسب آراء اتباع احد المدارس التقليدية للطاقة، التى ترى ان البترول هو المصدر الرئيسى والاقتصادى للطاقة ولا يوجد بديل اقتصادى له ويمكن استثماره حالياً او فى المستقبل المنظور. وبالتالى سيبقى البترول سلعة مطلوبة حتى ينضب من الوجود ويجبر العالم على استخدام البدائل التى ستكون غالية الثمن بطبيعة الحال. فالثمن الباهظ لبدائل الطاقة هو العنصر الرئيسى فى ابقاء الطلب على النفط مستمراً ومسيطراً على تلبية احتياجات السوق للطاقة. وبالتالى سيتابع سعر البترول ارتفاعه بشكل مستمر ومتوافق مع احتياجات العالم للطاقة و لا شيء يبرر الشعور بالأمان. فسواء عثر العالم الصناعى على بديل للنفط ام لم يعثر، فالحقيقة التى لا جدال فيها هى انه سينضب فى غضون 25-50 عاما المقبلة، الامر الذى يعنى ان الجيل الناشيء سيعيش فى أواسط عمره من دون ثروة.

المشكلة الحقيقية هى ما اذا كانت الدوله نفسها ستعثر على بدائل لتمويل احتياجاتها الأساسية ام لا بعد نضوب النفط. فبعد أكثر من قرن مضى على الاستكشافات النفطية, أصبحت الجيولوجيا الأرضية وكذلك المكامن الرئيسية للنفط والغاز معروفة بشكل أساسي, ولم يعد هناك الكثير مما هو غير معروف. وعندما تفرغ الحقول لن يعد ينفع سوى المال لإنتاج ماتبقى منها وبصعوبة. ووفقا للتقارير النفطية فانه لم يتبقى سوى مايعادل 210 مليارات من البراميل التي يمكن اكتشافها ولكنها لم تكتشف بعد ومايعادل من 1000 مليار برميل مخزون مؤكد تحت الإنتاج. وعلينا أن نعلم بأنه لا يمكن لأي مبلغ من المال مهما كان ضخما إنتاج برميلا واحدا من النفط إذا لم يكن هذا البرميل موجودا بالأصل.

أن العراق مؤهلا لخلق بدائل نظرا لما يمتلكه من ثروات طبيعية، ولكنه بحاجة إلى زمن طويل حتى يحرر إرادته، ويتخلص من مشكلاته، ويعيد بناء نفسه، ويحافظ على أمنه استقراره . والبدء بإستراتيجية تغيير شامل من اجل قطع دابر التخلف، وعوامل نموه، وإقصاء عناصره إقصاء كاملا، واعداد برامج حقيقية لتغيير وجه الحياة وأساليبها .. والعمل على خلق عوامل إنتاج جديدة، ورفع مستوى الوظائف والأعمال عن طريق تعزيز الإنتاج لزيادة دخل الفرد .. والحفاظ على الثروات واستثمارها دون تبديدها، والتركيز على القطاعات غير النفطية، مثل: التجارة، والصناعة، والخدمات، والسياحة لدعم استمرار نمو الاقتصاد.والتشديد على ضرورة تحولات اقتصادية جذرية كي نجد جملة بدائل حقيقية بعد أن ينتهي زمن النفط تماما .

إن النفط هو الوحيد الذي يعطي اليوم قيمة لمن يملكه ويحدد حجمه في العالم، ولكن من دونه، فسوف لا يلتفت العالم نحونا أبدا، إلا إن خلقنا لأنفسنا وسائل إنتاج جديدة، ومصادر ثروات جديدة أخرى لحياتنا .. وسيلتفت إلينا العالم من جديد لو احتاج لنا ولوسائلنا وثرواتنا الأخرى مهما كانت تلك الثروات. ولننظرالى تركيا كيف أستعدت منذ الآن لإيجاد بدائل ثورة ري زراعية وكذلك إيران، هي الأخرى ستصادف شبح الفراغ بعد نفاذ بترولها، بالرغم من قدرتها على التكيّف مع المستقبل لثرواتها الطبيعية الأخرى . أن التطلع للحياة الكريمة ينبغي أن يصاحبها إجراءات تعمل صوب أهدافها لما بعد زمن النفط ..

إن على الدوله إن لم تعالج، وبجدية كبيرة، مثل هذا الموضوع الخطير .. فإنها ترتكب اكبر جناية بحق أجيالنا القادمة التي ستواجه الحياة الصعبة مع المستقبل المجهول .. وستجد نفسها إزاء مجتمعات أخرى نجحت في استقطاب الفرص وخلق البدائل. ونتمنى أن يتبنى المسؤولون إجراء دراسات علمية لبحث مدى تأثير بدائل الطاقة في مستقبل الإنتاج النفطي، وهل ستسبب تحدِّياً سلبيًّاً يقلل من أهمية النفط، أم أن البدائل، وهي متوافرة ومعروفة لدينا اليوم، لا تستطيع تغطية أكثر من النسبة التي سيتخلى عنها النفط؟ وهو الأقرب للواقع. وإذا ثبت ذلك فلن يكون هناك مجال للقلق من تطوير البدائل، بل إنه سيخدم مصالحنا ومستقبل أجيالنا.

وأخيرا وليس أخرا يبقى النفط أحد الموارد المعدنية المهمة التي تغتني بها الطبيعة، لكن بكمية محدودة وقابلة للنفاذ، خاصة إذا استمر الطلب والاستهلاك في مستوياتهما الحالية، إذ يتوقع أن تنضب جميع الاحتياطات النفطية في غضون الخمسين عاما المقبلة؛ فهيمنة النفط كمصدر عالمي للطاقة قد تأثرت بعدد من التطورات في الأعوام الأخيرة، وبالنظر إلى محدودية موارده وقابليتها للنفاد، وبالنظر إلى المزايا النسبية لمصادر الطاقة البديلة...

*جامعة ذي قار...مركز أبحاث الأهوار

 

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1232 الاربعاء 18/11/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم