أقلام حرة

ما الذي يعيق البناء الديمقراطي

في البعدين الذاتي والموضوعي، الخاص والعام، وعلينا أن ندرك أن قيام الديمقراطية على أسس علمية ومنهجية سوية تظل هي المستقبل الذي نتتوق اليه .

ان مجرد المناداة بالديمقراطية شيئ عظيم ليس في العراق وحده، بل في بلدان الشرق الاوسط كلها.. ولكن للديمقراطية مستلزماتها وظروفها وعالمها ومناخهافالمجتمع الذي ينتخب ممثليه لاعتبارات طائفية وقبلية، هو بالضرورة يُمارس شكلا من أشكال المشاركة التي لا علاقة لها بالديمقراطية، ولا يعني ذلك أن الثقافة الديمقراطية تتنكر للهويات الفرعية، وتسحق الانتماءات الدينية، أو العرقية، لكنها أيضا لا تعمل على تكريسها بديلا عن الهوية الوطنية الجامعة .

ان اي برامج عقلانية لا يمكنها ان تصطدم مع المشاعر ولا الاحاسيس ولا خلجات الروح ولا مع معتقدات اي انسان، بل ان الانسان ينبغي ان يقضي دوره الحقيقي في كيفية التعرف على مواطن الزلل، ومكامن الخلل، وتكون له الاستجابة للتحديات المريرة حينما تقدر الأمور حق قدرها وتتم عمليات موسعة للاستجابة والمشاركات .. اذ ليس هناك حلبات للشعارات والهتافات وترديد المقولات والخطابات والتصريحات والاكذوبات التي لا نفع بها ابدا، كما هو حاصل اليوم !

علينا التفكير في المستقبل والتفكير لبناء وعي جديد، واستعادة العقل من جموده، وتجديد الذهنية والانطلاق للتعامل مع كل العالم في لإبداع والإنتاج والتخلص من التواكلية والاستهلاك و الضرورة تقضي التقليل من التناقضات المريعة التي يعيش عليها واقعنا كله وليس من المهم ان نقلل من شعاراتنا وخطاباتنا ومواعظنا ونكثر من قراءتنا وانتاجنا وابداعاتنا وتثمين زمننا واحترام حياتنا .

 

الطائفيه السياسيه:

إذ ستصبح عقبة أداء في تحول العراق إلى نظام ديمقراطي حقيقي وهذه المسألة أصبحت في ظل الظروف المستجدة مؤخراً مسألة داخلية بمعنى أن حلها عراقي بالدرجة الأولى والقضاء عليها ضروري لاستكمال التحول الديمقراطي بالعراق قبل أن تستفحل وتتحول إلى قضية متأصلة في المؤسسة السياسية العراقية ويتكرر النموذج اللبناني بمشكلاته وعقباته. وهذا يتطلب تحول في بنية الأحزاب السياسية من دينية طائفية إلى أحزاب لكل العراقيين وتتوحد الأحزاب المناهضة للطائفية القائمة على الأسس الفكرية غير طائفية على برامج مدنية وتطرح نفسها بديلا عن القوى الطائفية التي ينطلق معظمها من مصالح فئوية لا الصالح العام للعراق وشعبه .

 

لا يمكن للعراق ان ينعم بالاستقرار والامن والرفاهية ويواكب شعوب العالم المتطلعة الى الديمقراطية والحرية وحقوق الانسان ولا يمكن لمكونات العراق ان تتاخى فيما بينها وترتبط بعرى المواطنة والانسانية، وحكومتها ببرلمانها ووزرائها وهيئاتها المدنية والعسكرية ومنظماتها الاجتماعية وهي مبينة على اسس مذهبية متفرقة، مختلفة، متنافسة، متحاربة، متخاصمة متعادية، انها تمثل مصالح الطائفة الضيقة ولا تمثل مصالح الشعب ..

 

 

التحدي الاقتصادي:

لقد غابت التنمية تماما وثم تبديد ثروة العراق على الأسلحة وآلات الدمارفيما مضى وأصبح العراق في واد والعالم وما يجري فيه من تطورات تكنولوجية ووسائل للاتصالات في واد آخر، وانتهى الأمر بعد السقوط بعراق مثقل بالديون التي تأكل موارده الطبيعية،وهذه المسألة تضع أمام الشعب العراقي بشكل عام والحكومة العراقية تحديات جسيمة من أجل إعادة بناء اقتصاد العراق من جديد بحيث يتحول العراق إلى دولة منتجة ليس للنفط فقط بل بتنوع مصادر الدخل وخلق بنية تحتية اقتصادية تشتمل على الصناعة والسياسة والمال والزراعة وغيرها من المصادرلأن الجانب الاقتصادي عامل هام في نجاح عملية التحول الديمقراطي فهو قادر على توفير فرص العمل وتحسين الأوضاع المعيشية العامة، وتوفير حالة من الاستقرار التي يمكن أن تحقق نمو اقتصادي حقيقي وتعزز من بناء الدولة الديمقراطية الناشئة التي لا يمكن تحقيقها بدون حالة الاستقرار هذه

 

فالأوضاع الاقتصادية الصعبة ستخلق حالة من عدم الاستقرار وسينعكس ذلك على الأوضاع السياسية التي قد يرى البعض فيها إعاقة للتطور الاقتصادي خصوصا إذا كان هناك صراع سياسي بين أطراف الحكومة

والبرلمان يمكن أن يشل مشاريع التنمية والتطوير.

 

الجانب الثقافي :

يضاف الىماسبق العامل الثقاقي الذيمكن أن يشكل إعاقة حقيقية لعملية التحول الديمقراطي. فقد كانت الحركة الثقافية في العراق على مستوى عالٍ ومرموق وأثرت بشكل كبير في الواقع الاجتماعي السياسي لكن سنوات الدكتاتورية العجاف أجهزت على مسيرة الثقافة وحاربت رموزها من المبدعين وجاءت بثقافة بديلة لا صلة لها بالعقل والتنوير أو التفكير العلمي ..

هذا الموضوع يحتاج إلى وقفه جادة من السياسين والمفكرين والمثقفين والمبدعيين العراقيين لإعادة بعث الروح الثقافية العراقية السابقة ومحاربة الظواهر الثقافية التي خلفتها الدكتاتورية، فالثقافة المستنيرة والمغلفة بطابع أخلاقي والقائمة على التعايش بين الجميع والمستندة على أسس فكرية هي الداعم الحقيقي للديمقراطية وتجذرها في المجتمع وهذا يلقي على كاهل المثقفين والأكاديميين والمفكرين العراقيين مسؤولية كبرى لإعادة بناء الثقافة العراقية، وهذا يعني بناء العراق الديمقراطي الجديد واجتياز طريق الديمقراطية الوعر المثخن بالكثير من التضحيات.

 

 أن العمل على استزراع الديمقراطية في العراق لن يتم إلا عبر برنامج مكثف يعمد إلى توعية المواطنين بقيم الديمقراطية، المتمثلة بالحرية والعدالة والمساواة، وإشاعة ثقافة الحوار والتسامح ونبذ ثقافة الإقصاء والتعصب، وتحفيز المواطنين على المشاركة الفعالة في الأنشطة المختلفة للمجتمع، ولاسيما السياسية نظرا إلى أن اتساع المشاركة السياسية يُعد الرافد الأساس لترشيد الديمقراطية وتنميتها. أضف إليه ضرورة أن يتعرف المواطنون على حقوقهم وواجباتهم في ظل النظام الديمقراطي، وتدريبهم على التمسك بها والدفاع عنها، وعن وسائل الضغط المتاحة أمامهم لصيانة تلك الحقوق من الانتهاكات السلطوية..

  

جامعة ذي قار..مركز أبحاث الأهوار

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1236 الثلاثاء 24/11/2009)

 

 

 

في المثقف اليوم