أقلام حرة

معيار الجوده لمؤسسات التعليم العالي وملائمة المخرجات مع سوق العمل

إن مفهوم سوق العمل يعني توفير أماكن عمل ووظائف لجميع خريجي المؤسسات التعليمية ضمن نطاق الدولة أو خارجها. وللأسف، فإن معظم الخريجيين لا يجدون وظائف أو مهن تناسبهم بعد التخرج، فتنتشر البطالة وبالتالي الفساد في المجتمع الذي يعج بحملة الشهادات الجامعية، والذين من المفترض أن يكونوا البناة الحقيقيين للبلد فيصبحون عالة عليه، لماذا؟ لأن هناك خلل في عملية التعليم وهذا الخلل يجب معرفته وأين مكمنه وما هي أسبابها؟

مرحلة التعليم الابتدائي والمتوسطه والاعداديه حسب معرفتنا فإن مدتها اثنتى عشرة سنة، ولا ندري لماذا عندما يتم مناقشة مفهوم التخصصات الجامعية وسوق العمل لا يتم ذكر هذه المرحلة الأساسية، والتي برأينا تعتبر الأهم لسبب بسيط جداً مقارنة بالمرحلة الجامعية، وهو أن المرحلة الجامعية أربع سنوات أو خمس أو ست على الأكثر وذلك حسب نوع التخصص، إلا أن تلك المرحلة تمتد اثنتى عشرة سنة وهي المرحلة الأساسية التي يتم فيها بلورة فكر الطالب من خلال التربية  الصحيحة وطرق التعليم السليم، التي تبدأ مع الطفل في سن الخامسة أو السادسة وتنتهي في سن الثامنة عشر، فإذا نحن ركزنا أكثر على تلك المرحلة واستطعنا تربية الطالب بشكل سليم يتماشى مع روح العصر والتقدم التكنولوجي ومع عصر المعلومات والكمبيوتر وتقنياته، وأهمية اللغة الانجليزية كلغة للتواصل مع المجتمعات المتقدمة والتركيز على التطبيقات العملية وعلى دراسة الرياضيات والفيزياء كأهم المقررات في المراحل الثلاث الابتدائية والمتوسطه والاعداديه، نكون بذلك قد جهزنا الطالب لمرحلة هامة..

ماالمشكله الأساسية التي تواجه التعليم العالي وخاصة بعد التطور الحالي في مجال تقنية المعلومات والاتصالات والانفتاح الاقتصادي والعولمة، وما الخطط والستراتيجيات التي تبلور الطريق الصحيح لاجتياز هذه الأزمة والرقي بالتعليم الجامعي إلى المستوى المطلوب وتخريج الكوادر الفعالة التي ترى في سوق العمل مكان لها ولخبراتها.

ولمناقشتهامع واقع التعليم العالي ومخرجاته ومتطلبات سوق العمل، حيث لا يزال الخريجين غير مقبولين في قطاع العمل الخاص لعدم كفاءتهم مقارنة بالوافدين من دول أخرى، أو لأن تخصصاتهم لا وجود لها في سوق العمل الذي يحتاج إلى المهنيين والفنيين ممن يجيدون التعامل مع التقنيات الحديثة ويتقنون اللغة الإنجليزية والكمبيوتروفي عدم تواؤم هذه  التخصصات الجامعية مع سوق العمل، بالإضافة إلى عدم وضع إستراتيجية مستقبلية تعمل على توفير الكوادر الوطنية القادرة على سد حاجة سوق العمل من الأطباء والمهندسين والفنيين، وذلك من خلال تطبيق التوازن بين التخصصات النظرية والعملية واتباع سياسة التركيز على الجانب العلمي، وتقليص بعض الدراسات النظرية واستخدام التقنيات الحديثة وتعيين المدرسين الكفوئين وتطبيق مبدأ الجودة الشاملة والتقييم والقياس.

تعتبر تنمية وتطوير التعليم العالي وتحسين مقدراته ورفع كفاءته واستثمارها بالصورة الامثل من المسائل الرئيسية المثارة اليوم وذلك لما يمثله التعليم العالي من مصدر اساسي من مصادر تنمية الموارد البشرية والتعليم المقصود في هذا السياق هو التعليم الذي يركز على النوع والذي يقود الى تكوين المهارات رفيعة المستوى التي تلبي حاجات المجتمع واحتياجات التنمية ومتطلبات سوق العمل.         بناء على ما تقدم يمكن القول ان الحاجة الماسة الى ضرورة التأكد من ان مخرجات التعليم العالي تتفق مع متطلبات سوق العمل وانها مؤهلة تأهيلا جيدا يجعلها تتناسب مع احتياجاته، وذلك لتضمن حصول خريجي الجامعات على الفرص الوظيفية المناسبة التي يستطعيون من خلالها الحصول على مصدر للرزق، وفي نفس الوقت المساهمة في التنمية الشاملة للبلاد. ولكن بالرغم من وجود عدد من الجهات المهتمة بعملية التنسيق بين الجامعات وسوق العمل، الا ان هناك دلائل تشير الى ضعف مواءمة مخرجات التعليم مع متطلبات سوق العمل، وقد اوضحت الكثير من الدراسات التي تمت في هذا الخصوص ان سوق العمل بدأيتأثر بعدد من العوامل الداخلية التي من ابرزها عدم مواءمة مخرجات التعليم لسوق العمل، حيث نتج ذلك عن الاقبال المتزايد على التعليم العالي الجامعي خاصة التخصصات النظرية، في الوقت الذي تتزايد فيه الطلبات في سوق العمل على التخصصات العلمية وعليه فان الوضع الراهن للتعليم العالي يستدعي دراسة فاحصة لتمعن مدى ملاءمة مخرجاته لمتطلبات سوق العمل من جميع الجوانب .

التعليم في العراق بدأ يواجه في الفترة الأخيرة بعض المستجدات التي تحتاج الى دراسة وتأمل و ضرورة اعادة النظر في مناهجه بكافة مراحله الاولية والثانوية والجامعية وكذلك التدريب اثناء وبعد الدراسة حتى يمكن ان تقدم مؤسسات التعليم الخريج الذي يحظى بالقبول في القطاع الخاص.

وهناك عقبات عدة وتحديات تواجه التعليم والتدريب لتواكب متطلبات سوق العمل اهمها هيمنة العمالة الوافدة على سوق العمل، ومن العقبات ايضا توجه الطلاب نحو التخصصات النظرية، وعدم الاهتمام بتنمية مهارات التحليل والابداع، والتركيز على التلقين، الى جانب قضية تسرب الطلاب من الجامعة قبل الحصول على التأهيل اللازم وهناك ايضا غياب التنسيق الكافي بين مؤسسات التعليم مع بعضها البعض ومع الجهات المستفيدة من الخريجين وعلى رأسها القطاع الخاص، وتطلع الباحثين عن عمل من خريجي الجامعات عن قطاعات واماكن محددة ونوعية معينة من الوظائف خاصة الادارية والمكتبية، والنظرة الاجتماعية السلبية لبعض الوظائف في مهن الخدمات الشخصية والانتاج والتشغيل والصيانة.

يعتبر التعليم والعمل عنصرين متلازمين، ولابد من التوفيق بينهما قدر الإمكان لتحقيق المواءمة بين البرامج والتخصصات التي تقدمها مؤسسات التعليم العالي واحتياجات سوق العمل المستقبلية، ويؤدي الخلل في هذه المعادلة إلى هدر الإمكانات المالية في تمويل تخصصات وبرامج لا ترتبط بخطط التنمية واحتياجات سوق العمل، وهدر الطاقات الشبابية وعدم توجيهها إلى المهن والوظائف المطلوبة لقطاعات العمل، وإلى إيجاد بطالة مقنعة من خلال أعداد كبيرة من الخريجين الباحثين عن عمل في تخصصات غير مرغوب فيها وبهذا يكونون عالة على المجتمع، كما يلازم عدم المواءمة نمو غير متوازن مع متطلبات التنمية الشاملة، لذا فإن المواءمة بين مخرجات التعليم وسوق العمل ينبغي أن تنطلق من سياسات خطط التنمية بحيث تكون هناك رؤية واضحة عند المخططين للاحتياجات المستقبلية تمكن مؤسسات التعليم من إعادة هيكلة الخطط والبرامج التعليمية وفقاً للمنظور المستقبلي للدولة..

إن ضعف الصناعات وانخفاض القدرة الإنتاجية وضآلة حجم المصانع وعدم وجود صناعات واضحة الاستراتيجية والمعالم وأهداف للنمو والتوسع والتطوير لم يجعل القطاع الخاص مهيأ لاستيعاب مخرجات التعليم العالي من ذوي الكفاءات والمؤهلات المهنية والتخصصات الأكاديمية، وان توظيف خريجي التعليم العالي يتطلب هيكلا اقتصاديا أكثر تطورا وأكبر حجما وأكثر عدلا في توزيع الدخل ما يمكن من دفع أجور تتناسب مع القدرات المهارية والمعرفية لهؤلاء الخريجين.

 

تبين البحوث والاستقصاءات الميدانية واقع العلاقة بين المخرجات وسوق العمل، إذ ان هناك بطالة خريجين في كل التخصصات وإن كانت بدرجات متفاوتة. وفي الواقع هناك شكوى مبررة من عدم ملاءمة المخرجات لفرص العمل المتوافرة، وهناك شكوى غير مبررة من عدم التلاؤم، لأن أصحاب العمل يريدون موظفاً عاملاً ماهراً في العمل المسند إليه من غير تدريب عملي على رأس العمل. إن هذه مهمة مشتركة لمسؤولي التعليم وأصحاب العمل حيث لابد من إيجاد فرص التدريب بصفتها جزءاً من التعليم في نهايته، ومع ذلك فإن سوق العمل ومتطلباته تتغير يوماً بعد يوم، ولا يمكن أن تكون برامج مؤسسات التعليم مصممة بالضبط لخدمة سوق العمل بتفاصيلها فهذا شبه مستحيل.

أن قضية مواءمة التعليم العالي مع سوق العمل شائكة ومتعددة الأطراف ولا يتوقف حلها على إصلاح التعليم فقط، بل إن القضية تتعلق بالنموذج التنموي وسياسات التشغيل للبلاد بأكملها، فمن غير الممكن حل التناقض بين مخرجات التعليم العالي وبين سوق العمل حتى لو تحلت هذه المخرجات بالمستويات والمهارات المطلوبة دون تطوير البنية التحتية وإصلاحها كي تستوعب أعداداً من الخريجين.

المناهج التعليمية في الجامعات لا تتناسب مع احتياجات سوق العمل وأن الجامعات ما تزال منعزلة عن المجتمع بمناهجها ولا تتلاءم مع طبيعة العمل الخاص وأن التخصصات المطلوبة للقطاع الخاص غير متوفرة فى الجامعات بالإضافة الى أن الجامعات لا تقوم بتدريب الطلاب وتأهيلهم للعمل في القطاع الخاص وبذلك يمكن اعتبار أن العوامل الأكاديمية يدخل من ضمن الأسباب التي تشكل موقف سوق العمل من مخرجات التعليم .

وبشكل عام ان التعليم يعاني  من خلل يجعله غير  قادر على سد حاجة سوق العمل ويجب علينا جميعاً طلاب وأساتذة وإداريين ومسؤولين العمل على التنسيق معاً ووضع الخطط الستراتيجية والعمل على تنفيذها بما يضمن سد حاجة سوق العمل من الخريجين، وبالتالي تطوير المجتمع الذي يعود بالرفاهية لجميع أفراده ويؤمِّن الاستقرار والأمن الاقتصادي والسياسي والاجتماعي والقضاء على الفقر والمجاعة والإرهاب  ويعمل على توطيد السلم والسلام .

 

جامعة ذي قار ....مركز أبحاث الأهوار*

............................

الآراء الواردة في المقال لا تمثل رأي صحيفة المثقف بالضرورة، ويتحمل الكاتب جميع التبعات القانونية المترتبة عليها. (العدد: 1237 الاربعاء 25/11/2009)

 

 

في المثقف اليوم